يسعى رجال أعمال رياديون، ومنظمات أهلية، وحكومات، الى تطوير اقتصاد عالمي مستدام. فالمشاكل البيئية، التي كان ينظر إليها على أنها عديمة الصلة بالنشاط الاقتصادي، تعيد اليوم صياغة قواعد العمل للمستثمرين والمستهلكين، ما يؤثر في تدفقات رأسمالية تزيد على 100 بليون دولار سنوياً. وبحسب تقرير"حالة العالم 2008: ابتكارات لاقتصاد مستدام"، الصادر عن معهد"وورلد واتش"للأبحاث البيئية في واشنطن، فقد تم استثمار نحو 52 بليون دولار في الطاقة المتجددة عام 2006، بزيادة 33 في المئة عن عام 2005، وصولاً الى نحو 66 بليون دولار عام 2007. وازدادت تجارة انبعاثات الكربون بخطى حثيثة نحو 30 بليون دولار عام 2006، لتسجل ثلاثة أضعاف الكمية التي تم تداولها عام 2005. وأعلنت بعض الشركات الأكثر نفوذاً في الاقتصاد العالمي عن مبادرات بيئية رائدة خلال السنتين الماضيتين، وهي تحشد قوتها السياسية حيثما يوجد رأسمالها الاستثماري. وثمة 27 شركة كبرى، منها"داو كيميكل"و"ديوك إنرجي"و"جنرال موتورز"و"زيروكس"، تحضّ الكونغرس الأميركي على اقرار تشريع ينظم انبعاثات غازات الدفيئة، وهو أمر لم يكن وارداً قبل سنتين.وتحدث شركات مبدعة أخرى ثورة في انتاجها الصناعي لمواجهة التحديات البيئية، فيما تثبت أيضاً أنها توفر المال. فشركة"دوبون"العملاقة للكيميائيات، مثلاً، خفضت انبعاثاتها من غازات الدفيئة بحلول عام 2007 بنسبة 72 في المئة عن مستويات 1991، موفرة ثلاثة بلايين دولار في هذه العملية. ومن العلامات الأخرى على حدوث تغيير كبير وجود 575 صندوقاً لدعم البيئة والطاقة، غالبيتها تأسست خلال السنوات القليلة الماضية. ونمت"التكنولوجيا النظيفة"بسرعة لتصبح ثالث أكبر متلقّ لرؤوس أموال المشاريع، بعد الانترنت والتكنولوجيا الحيوية. وقد أقرّ 54 مصرفاً، تمثل 85 في المئة من القدرة التمويلية العالمية للمشاريع الخاصة،"مبادئ خط الاستواء"Equator Principles وهي مقياس دولي جديد للاستثمار في الاستدامة. وجدت دراستان رئيسيتان لنماذج اقتصادية أن الضرر الناتج عن تغير المناخ قد يعادل 8 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي مع نهاية هذا القرن. وتشير بيانات البنك الدولي الى تراجع ثروة 39 بلداً بنسبة 5 في المئة أو أكثر، لدى احتساب عوامل مثل الاستغلال غير المستدام للغابات واستنزاف الموارد غير المتجددة والضرر الناتج من الانبعاثات الكربونية. وتراجعت ثروة 10 بلدان ما بين 25 و60 في المئة. ثمة أدلة متنامية على أن الاقتصاد العالمي يدمر قاعدته الايكولوجية. ولتجنب انهيار اقتصادي على المستوى العالمي، ينبغي إجراء إصلاحات رئيسية للسياسات الحكومية من أجل توجيه الاستثمار بعيداً عن نشاطات مدمرة، ونحو جيل جديد من الصناعات المستدامة بيئياً. ومن التوصيات الرئيسية جعل الأسعار تعكس الحقيقة الاقتصادية من خلال خفض الدعم الحكومي واعتماد ضرائب بيئية. كما يجب اجراء تقدير وتقييم كاملين للخدمات التي تقدمها الطبيعة مجاناً الى الاقتصاد البشري، علماً أن ثمة جهوداً متعددة لاستحداث أسواق تحمي التنوع البيولوجي. وقد أظهرت دراسة حديثة وجود"برامج محاسبة خضراء"في 50 بلداً على الأقل، فيما يخطط 20 بلداً آخر لاعتماد هذه البرامج. تكنولوجيات بيئية ناشئة سياسات التبذير في الطاقة والافراط في استهلاك الموارد، ونقص الامدادات المائية، وتغير المناخ العالمي، وزوال الغابات، هي من القضايا التي يجب التصدي لها كي يعيش البشر حياة مستدامة على الأرض. ووفقاً لتقارير الأممالمتحدة، يقدر أن يعاني 2,9 بليون شخص اضافي من تقلص الامدادات المائية بحلول سنة 2025، وأن ترتفع احتياجات العالم من الطاقة بنسبة 60 في المئة بحلول سنة 2030. هنا تكنولوجيات ناشئة تساعد في جعل المستقبل أكثر اشراقاً. صنع النفط من أي شيء تقريباً: أي نفايات أساسها الكربون من أحشاء الدجاج الى الاطارات المستعملة يمكن تحويلها الى"نفط"بتعريضها للحرارة والضغط الكافيين، وذلك من خلال عملية تدعى ازالة التبلمر الحرارية thermo-depolymerization. هذه التكنولوجيا شبيهة جداً بالطريقة التي تنتج بها الطبيعة النفط، لكنها تسرّع العملية ملايين السنين للوصول الى المنتج ذاته. ويدعي مؤيدوها أن طناً من فضلات الدجاج مثلاً تعطي نحو 270 كيلوغراماً من النفط. تحلية المياه: النقص في الامدادات المائية سيؤثر على بلايين الناس بحلول منتصف هذا القرن، بحسب تقديرات الأممالمتحدة. والتحلية، خصوصاً ازالة الملح والمعادن من مياه البحر، طريقة لتوفير مياه الشفة في أجزاء من العالم حيث الامدادات المائية محدودة. لكن هذه التكنولوجيا مكلفة وتستهلك كثيراً من الطاقة. ويعمل العلماء على تحسين عمليات التحلية، بحيث يمكن استعمال أنواع أنظف وأرخص من الوقود لتسخين المياه وتبخيرها قبل تمريرها عبر أغشية تتخللها مسام دقيقة لزيادة الكفاءة.طاقة الهيدروجين: تروّج خلايا وقود الهيدروجين hydrogen fuel cells كبديل خال من التلوث للوقود الاحفوري. وهي تنتج الماء بدمج الهيدروجين والأوكسيجين، وتولد الطاقة في هذه العملية. ولكن من الضروري معالجة جزيئات مثل الماء والكحول لاستخراج الهيدروجين اللازم لتغذية خلية الوقود، ويتطلب بعض هذه العمليات استعمال مصادر طاقة"غير نظيفة"تقوّض منافع هذا الوقود"النظيف".وقد ابتكر العلماء مؤخراً طرقاً لتشغيل الكومبيوترات المحمولة وأجهزة صغيرة بواسطة خلايا الوقود. وثمة آمال باستخدام الطاقة الشمسية لاستخراج الهيدروجين من الماء. وتعهدت شركات سيارات أن تسوق قريباً طرازات تعمل بخلايا الوقود الهيدروجيني ولا تنفث إلا ماء نظيفاً. لكن الوعد بقيام"اقتصاد هيدروجيني"صعب المنال. أفكار جديدة"مشمسة": طاقة الشمس، التي تصطدم بالأرض في شكل فوتونات، يمكن تحويلها الى كهرباء أو حرارة. وتأتي اللاقطات الشمسية بأشكال مختلفة وكثيرة، وتستعملها شركات الطاقة وأصحاب المنازل. النوعان المعروفان على نطاق واسع هما الخلايا الشمسية واللاقطات الحرارية الشمسية. ويعمل الباحثون على تطويرهما ليصبحا قادرين على تحويل الطاقة الشمسية بمزيد من الكفاءة، من خلال تركيزها باستعمال مرايا وأطباق. لكن التحدي الذي يفرضه استخدام الطاقة الشمسية يتطلب دفعاً وحوافز من الحكومات أو السلطات المحلية. على سبيل المثال، اعتمدت ولاية كاليفورنيا الأميركية برنامجاً شاملاً يوفر حوافز لتطوير الطاقة الشمسية. وفي الامارات العربية المتحدة، أطلقت حكومة أبوظبي مبادرة"مصدر"لأبحاث الطاقة المتجددة وتطوير تكنولوجياتها واستخدامها.تحويل الطاقة الحرارية للمحيطات: أكبر لاقطة شمسية على الأرض هي كتلة المحيطات. وقدرت وزارة الطاقة الأميركية أن المحيطات تمتص كل يوم حرارة من الشمس تعادل الطاقة الحرارية التي يحويها 250 بليون برميل من النفط. وثمة تكنولوجيات لتحويل الطاقة الحرارية للمحيطات الى كهرباء، باستعمال فارق درجات الحرارة بين سطح الماء الساخن وقاع المحيط البارد. هذا الفارق الحراري يمكن أن يشغل توربينات باستطاعتها تدوير مولدات. والقصور الرئيسي لهذه التكنولوجيا هو أنها ما زالت لا تتمتع بكفاءة كافية تؤهلها للاستعمال كآلية رئيسية لتوليد الطاقة. تسخير الأمواج وحركة المد والجزر: تغطي المحيطات أكثر من 70 في المئة من سطح الأرض. وتحوي الأمواج وفرة من الطاقة التي يمكن توجيهها الى توربينات تحول هذه الطاقة الميكانيكية الى كهرباء. والعقبة التي تحول دون استعمال مصدر الطاقة هذا على نطاق واسع هي صعوبة تسخيره، فالأمواج تكون أحياناً أصغر من أن تولد طاقة كافية. و"الحيلة"هي التمكن من اختزان الطاقة عندما تتولد. وسوف يكون نهر ايست ريفر في مدينة نيويورك حقل تجارب لستة توربينات تدار بحركة المد والجزر، كما أن مشروعاً في البرتغال لتسخير الأمواج يتوقع أن ينتج طاقة كافية لنحو 1500 منزل. ازرع سطح منزلك: ما يثير العجب أن هذا المفهوم، الذي استوحي من حدائق بابل المعلقة، إحدى عجائب الدنيا السبع، لم يلق اهتماماً أبكر في العالم الحديث. تقول الحكاية إن السطوح والشرفات وساحات القصر الملكي في بابل تم تحويلها الى حدائق بأمر من الملك لادخال البهجة الى نفوس زوجاته. حدائق السطوح تساعد على امتصاص الحرارة، واحتجاز ثاني اوكسيد الكربون واطلاق الأوكسيجين، وامتصاص مياه الأمطار، وتقليل الحاجة الى استعمال المكيفات صيفاً. ويمكن لهذه التقنية أن تخفف من ظاهرة"الجزيرة الحرارية"التي تحدث في المراكز المدينية. لندع النباتات والجراثيم تنظف وراءنا: المعالجة البيولوجية تستخدم الجراثيم والنباتات لتنظيف التلوث. ومن الأمثلة على ذلك تنظيف مياه ملوثة من النيترات بمساعدة الجراثيم، واستعمال النباتات لامتصاص الزرنيخ من تربة ملوثة. ويمكن غالباً استعمال أنواع نباتية متوطنة لتنظيف المواقع، خصوصاً أنها لا تحتاج في معظم الحالات الى مبيدات أو ري. كما يحاول علماء أن يعدلوا النباتات وراثياً لامتصاص الملوثات بجذورها ونقلها الى أوراقها ليسهل حصادها. دفن الكربون: ثاني أوكسيد الكربون هو أكثر غازات الدفيئة تسبباً في الاحترار العالمي. ويقول خبراء انه يستحيل الحد من انبعاثه في الغلاف الجوي ولذا يبحثون عن وسائل للتخلص منه. احدى الطرق المقترحة هي حقنه في الأرض قبل أن يبلغ الغلاف الجوي، فبعد فرزه من غازات منبعثة اخرى يمكن دفنه في آبار نفط مهجورة وفي خزانات مياه مالحة وحتى في الصخور. لكن العلماء ليسوا متأكدين مما اذا كان الغاز المحقون سيبقى تحت الأرض، وما هي تأثيراته على المدى البعيد. كما أن تكاليف عزله ودفنه لا تزال مرتفعة الى حد لا يمكن من اعتبار هذه التكنولوجيا حلاً عملياً للمدى القريب.استعمال الورق عادة قديمة: تخيل أنك ترقد على أريكة متصفحاً جريدة الصباح، ومن ثم تستعمل الصفحة ذاتها لقراءة كتاب جديد. هذه إحدى امكانات"الورق الالكتروني"الذي يشبه الى حد بعيد الورق الحقيقي لكن يمكن اعادة استعماله مرات ومرات. تحتوي الصفحة على كبسولات ممتلئة بجزيئات تحمل شحنات كهربائية مرتبطة بصفيحة فولاذية رقيقة. ولكل كبسولة ميكروسكوبية جزيئات بيضاء وسوداء مقترنة بشحنة موجبة أو سالبة. واعتماداً على الشحنة المستعملة، تطفو الجزيئات السوداء أو البيضاء الى السطح لتعرض أنماطاً مختلفة. تنشر بالتزامن مع مجلة "البيئة والتنمية"، عدد آذار مارس 2008.