ثمة موجة جديدة، أو تسونامي، من أفلام هوليوود عن المحرقة النازية، وبعضها بمشاركة أشهر الممثلين والممثلات مثل توم كروز في"فالكيري"، من ابكارحسان في خرافة اسكندنافية قديمة، وكيت وينسلت في"القارئ"، والمخرج كوينتين تارانتينو في"أولاد زنا حقيرون". الأفلام معدّة لموسم الأعياد الغربية، وهي تشمل أيضاً"اعادة إحياء آدم"و"التحدي"، ومواضيعها تراوح بين المؤامرة الفاشلة على حياة هتلر سنة 1944، وقصة لاعب سيرك نجا من أفران الغاز، وثلاثة اخوة يهود في المقاومة، ويهودية تطلب ثأراً، وغير ذلك. هناك أيضاً أفلام خارج السياق السابق، أحدها رسوم متحركة بعنوان"فالس مع بشير"، أو الرقص مع بشير الجميل، وهو فيلم وثائقي عن غزو لبنان سنة 1982 ومجزرة صبرا وشاتيلا، من اخراج اري فولمان الذي كان مجنداً في تلك الحرب، وفيلم آخر بعنوان"الأسرار"عن اليهود الأرثوذكس المتعصبين، أو الأصولية الدينية الأصلية، وفيلم حقير جداً عنوانه"قضية اسرائيل: موقع أمامي للديموقراطية"وهو مأخوذ من كتاب عن قضية، أو مرافعة الدفاع عن اسرائيل من تأليف آلان ديرشوفيتز وهو من الليكوديين الأميركيين أنصار اسرائيل. لماذا كل هذه الأفلام؟ تحديداً لماذا الأفلام الجديدة عن المحرقة النازية؟ ليست لي مشكلة مع المحرقة، فقد قلت دائماً وكتبت أن ستة ملايين يهودي قضوا فيها، وكانت مع سرقة فلسطين من أهلها جريمتي القرن العشرين. لا بد من أن هناك علاقة بين نبش جريمة عمرها ستون سنة أو أكثر وبين ما ترتكب اسرائيل من جرائم اليوم، أو ما ارتكبت وترتكب ادارة بوش في أفغانستانوالعراق. فعصابة الحرب الإسرائيلية من لوبي وغيره دفعت ادارة بوش نحو الحرب، وتريد أن تورطها في حرب مع ايران، وقطاع غزة أصبح معسكر اعتقال نازي الشكل، لذلك فالعودة الى المحرقة النازية محاولة للتعتيم على الجرائم اليومية في العراقوأفغانستان، وأحياناً باكستان، وفي فلسطين. بل ان الألمان الذين قتلوا اليهود وتركوا الفلسطينيين يدفعون الثمن، يريدون الآن محاكمة جون ديميانيوك الذي أطلقته اسرائيل نفسها سنة 1993 لعدم ثبوت تهمة أنه"ايفان الرهيب"، أو حارس في معسكر اعتقال نازي. كل الأفلام عن المحرقة، وكل النازيين الباقين، وديميانيوك ربما كان أصغرهم سناً فعمره 88 سنة، لن يغطوا على حقيقة حكومة اسرائيل وجيشها النازي، ومستوطنيها المجرمين. مرة أخرى، أستعين بجماعة"بتسلم"أو مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، مع أن عندي معلومات مماثلة من مركز الميزان الفلسطيني. تقول"بتسلم"انه بين 20/9/2000، أي بدء الانتفاضة الثانية، وحتى 30/11/2007 قتل 4376 فلسطينياً، بينهم 866 قاصراً، أي دون الخامسة عشرة. وقد ارتفع الرقم حتى 30/11/2008 الى 4897 فلسطينياً، بينهم 955 قاصراً، فتكون السنة حتى نهاية الشهر الماضي شهدت مقتل 521 فلسطينياً آخر، بينهم 89 قاصراً. في الوقت نفسه بلغ عدد القتلى من المدنيين الإسرائيليين حتى نهاية الشهر الماضي 727 شخصاً، بينهم 123 قاصراً. هذه هي حقيقة اسرائيل ولا حقيقة غيرها، ورئيس الوزراء ايهود أولمرت الذي عمل لتهويد القدس وهو رئيس بلديتها وتاب أخيراً، استعمل كلمة pogrom، في الحديث عن ممارسات المستوطنين في الخليل ضد أهلها، مع أنها كلمة تعني اضطهاداً أو ابادة جماعة إثنية، وتكاد تكون خاصة باليهود، من روسيا الى أوروبا الغربية. اليهود أنفسهم لا يقبلون ما يُمارس ضد الفلسطينيين، و"بتسلم"ليست وحدها، فهناك الحاخامات ضد اجتثاث الأشجار، واللجنة الاسرائيلية ضد هدم البيوت، ونساء السلام اللواتي يصورن اعتداءات الجنود على الفلسطينيين عند الحواجز، وقد بدأن أخيراً يوزعن آلات تصوير على الفلسطينيين ليسجلوا هم أيضاً ما يرون. وطبعاً، هناك جماعات مقاطعة اسرائيل حول العالم، وأكثرها كنائس مسيحية طالبت أعضاءها بوقف الاستثمار في اسرائيل، وهيئات أكاديمية عالمية كان الأساتذة اليهود سباقين فيها، نظمت حملات لمقاطعة اسرائيل اكاديمياً. أزعم أن فيلماً أو عشرة أفلام عن جريمة ارتكبت قبل 60 سنة لن تغيّر حقيقة جريمة مستمرة منذ نهاية الهولوكوست، إلا أنها هذه المرة ضد الفلسطينيين لا اليهود، وبأيدي يهود. وأختتم بشيء شخصي، فقد حاولت مشاهدة الفيلم"فالس مع بشير"وخرجت بعد 15 دقيقة لأن الفيلم كان بالعبرية مع ترجمة مسجلة، وأعاد إليّ ذكريات مؤلمة. وإذا كنت لا أستطيع أن ارى فيلماً متوازناً، فكيف شعور الواحد منا ازاء فيلم عن قضية اسرائيل، وقضيتها القتل بمساعدة الليكوديين الأميركيين. نشر في العدد: 16705 ت.م: 29-12-2008 ص: الأخيرة ط: الرياض