طرحت الجريمة التي استهدفت النائب الشهيد انطوان غانم أسئلة حول الطريقة التي سترد فيها الأكثرية على منفذيها أو ستعتمدها في تعاملها مع المعارضة وحول مدى التقاء الطرفين في منتصف الطريق للبحث في القواسم المشتركة لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي من الفراغ المحتوم في حال تراجعا أمام عودة مسلسل الإرهاب والاغتيالات الى الساحة المحلية قبل أيام من موعد عقد الجلسة التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في 25 الجاري لانتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان. فالجريمة على رغم فداحتها، لم تدفع الأكثرية نحو اشتباك سياسي مباشر مع المعارضة يرتب تداعيات أمنية وسياسية بخلاف ما كان يحصل في السابق فور حصول جرائم مماثلة، ورأت مصادر سياسية ان الطرفين توافقا على قراءة خلفياتها في كتاب واحد فأجمعا على انها تتجاوز تحويل الأكثرية في البرلمان الى أقلية، وصولاً الى جر البلد الى فوضى تبدأ في إحداث فراغ في رئاسة الجمهورية. فاغتيال الشهيد غانم جاء في سياق توجيه رسالة الى نواب الأمة فحواها انه ممنوع عليهم الحضور الى ساحة النجمة للتوافق على الرئيس العتيد. والقيادات في الأكثرية عندما حمَّلت النظام السوري مسؤولية مباشرة عن الجريمة، تجنبت توجيه أصابع الاتهام مباشرة او مواربة الى أي طرف في المعارضة في مسعى منها لاستيعاب الوضع والسيطرة عليه لمنع الجهة التي نفذت الجريمة من تحقيق أغراضها السياسية وعلى رأسها منع النواب من الاجتماع في البرلمان الثلثاء المقبل. وفي رأي المصادر السياسية، فإن منفذي الجريمة والمخططين هدفوا الى اغتيال المبادرة التي طرحها بري في ضوء الانفتاح عليها من جانب الأكثرية وأطراف دولية وعربية فاعلة في لبنان. ولاحظت المصادر عينها ان توقيت الجريمة جاء قبل يومين من موعد اللقاء الذي كان مقرراً اليوم بين بري والبطريرك الماروني نصر الله صفير والذي تأجل حداداً على النائب الشهيد، وكان يفترض ان يعقبه اجتماع بين بري ورئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري قبل الجلسة النيابية الثلثاء المقبل. وقالت مصادر وزارية ونيابية ان لبنان مني بخسارة كبيرة بغياب النائب غانم وان الخسارة الثانية التي تنتظره كانت لتكون أكبر وأشد وطأة على البلد لو ان الأكثرية والمعارضة انساقا وراء المخطط الذي يستهدفه. الا أن الأكثرية والمعارضة استوعبتا الصدمة على نحو يمنع تفخيخ مشروع اللقاء المرتقب بين بري والحريري. كما ان الطرفين أبقيا على الفرصة قائمة أمام العودة الى الحوار حتى لو تعذر عليهما التوصل الى اتفاق يسبق جلسة الثلثاء، فمجرد العودة الى التواصل سيبقي الأمل بإمكان التوافق على الرئيس، بعد ان يتقرر تأجيل الجلسة النيابية لتعذر تأمين حضور أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان الى ما بعد عطلة عيد الفطر السعيد. وفي رأي المصادر السياسية ان قادة الأكثرية تصرفوا بأعصاب هادئة على رغم الخسارة الكبيرة لقوى 14 آذار، وعلى رأسهم الحريري، إضافة الى رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية ل"القوات اللبنانية"سمير جعجع اللذين صرفا النظر عن مؤتمريهما الصحافيين أمس. كما ان الرئيس الأعلى لحزب الكتائب الرئيس أمين الجميل أظهر تجاوباً فوق العادة، وتلاقى الجميع مع بري الذي تصرف منذ اللحظة الأولى على أساس ان الهدف الإطاحة بمبادرته وهي في بدايتها. وأشارت مصادر وزارية ونيابية الى الدور"المهدئ"لسفير المملكة العربية السعودية في لبنان عبدالعزيز خوجة الموجود حالياً في جدة، والذي ظل منذ وقوع الجريمة وحتى ليل امس على تواصل مع بري والجميل والحريري وجنبلاط وجعجع إضافة الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ساعياً معهم الى التهدئة والابتعاد عن رد الفعل"الذي لن يستفيد منه الا أعداء لبنان ومنفذو الجريمة ضد غانم". وأكدت المصادر ان الجميع من دون استثناء أبدوا استعداداً ليس من اجل التهدئة والإبقاء على مبادرة بري على قيد الحياة فحسب، بل لتطوير هذه المبادرة وبلورتها للتوافق على انتقال هادئ للسلطة من خلال التفاهم على رئيس جديد خلفاً للرئيس اميل لحود. ولفتت الى ان الأيام الفاصلة عن موعد جلسة الثلثاء قد لا تسمح بتسوية حول الاستحقاق لكنها تسمح بتكثيف المشاورات لانتاج حل يحصِّن الوضع الداخلي، وتمهد للقاء المرتقب بين بري والحريري الذي سيحضر لتوسيع الحوار وإضعاف العوامل الخارجية التي تقتنص الفرص للانقضاض على الحوار الموعود بين الأكثرية والمعارضة رداً على الاغتيالات السياسية.