يعرض مدير منظمة العمل العربية احمد لقمان تقريره اليوم على مؤتمر العمل الدولي المنعقد في جنيف، ويتناول فيه أبعاداً اقتصادية واجتماعية للاحتلال الإسرائيلي على فلسطين والجولان ولبنان، بعضها منذ العام 1967 والآخر منذ انتفاضة الأقصى عام 1999. وأشار التقرير الى أن إسرائيل "مارست منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية والعربية عام 1967، سياسة تدمير منهجي ضد الاقتصاد الوطني الفلسطيني، تقوم على أساس تحويل الاقتصاد الى تابع، ويكون تطويره أسيراً لعلاقة غير متوازنة وقسرية مع الاقتصاد الإسرائيلي المتطور والأكبر حجماً، وتحويل الأراضي المحتلة الى سوق استهلاكية للمنتجات والخدمات الإسرائيلية، ومصدراً لليد العاملة الرخيصة. وأدت هذه السياسة الى تشوهات بنيوية متأصلة في الاقتصاد الفلسطيني، بحيث توسعت النشاطات الخدمية والهامشية على حساب النشاطات الإنتاجية التنموية. وحاولت السلطات الوطنية بعدما فكّت التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، عقب توقيع اتفاقات السلام، تأمين المناخ المؤاتي للاستثمار. إلا أن انتفاضة الأقصى وتداعياتها وإجراءات الاحتلال التي رافقتها، من حصار وإغلاق وعدوان ألحق بالاقتصاد الوطني خسائر فادحة وضعته على حافة الانهيار، ما فاقم المعاناة وترك آثاراً عميقة وسلبية على الجوانب الحياتية. ويتفق تقرير مدير المنظمة العربية مع تقرير البنك الدولي الصادر في نيسان ابريل الماضي، الذي شخص حال الاقتصاد الفلسطيني والظروف التي يمر فيها، مؤكداً أن"أربعين سنة من احتلال الأراضي الفلسطينية ألقت بثقلها وشوهت الاقتصاد المعتمد في شكل كامل على الاقتصاد الإسرائيلي". واعتبر أن الاقتصاد الفلسطيني"احتفظ بعلاقات الدولة ذات الاقتصاد غير المتطور غير الصناعي، بخلاف دول أخرى في المنطقة ازدهرت ونمت صناعياً"، لافتاً الى أن"معدل حجم المشاريع الصناعية في الأراضي الفلسطينية يصل الى نحو أربعة عمال، أي أكبر مما كان عليه عام 1927". ولفتت وزارة الاقتصاد الوطني الى"تراجع الناتج المحلي من المنشآت الصناعية نحو 25 في المئة لعدم قدرتها على التصدير، في حين تراجع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من السنة الماضية بنسبة 15.3 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2005". العمال في الجولان وتزداد أحوال العمال العرب المعيشية في مجال الزراعة في الجولان السوري المحتل سوءاً لأسباب عدة، في مقدمها فرض الضرائب المجحفة في حق العمال العرب السوريين. اذ يعتبر العمل في مجال الزراعة الأساس الاقتصادي للحياة والمصدر الرئيس لعيش المواطنين العرب السوريين في الجولان المحتل، لأن معظم العمال مزارعون. وتضيّق سلطات الاحتلال باستمرار على أرضهم وإنتاجهم بإرغامهم على ترك العمل في أراضيهم، وتحويلهم الى عمال لدى أصحاب العمل الإسرائيليين للتحكم فيهم. وترتفع الضرائب المفروضة على الإنتاج الزراعي حتى تصل الى 50 في المئة من قيمة المحصول، بحيث لا يبقى لهم إلا الشيء اليسير. وعن محصول التفاح وهو رئيسي، يفرض على الفلاحين سعر لا يغطي كلفة الإنتاج، إذ إن المعدل الوسط لإنتاج التفاح في الجولان المحتل من جانب المواطنين العرب السوريين يبلغ نحو 25 ألف طن سنوياً. لكن هذا المعدل في تناقص مستمر، وسببه الظروف المناخية غير المناسبة، إضافة الى ارتفاع أسعار الأدوية المستخدمة لمكافحة الحشرات وغلاء كلفة خدمة الأرض الزراعية، والنقص في كميات المياه المخصصة لبساتين العرب السوريين في الجولان المحتل بسبب التقنين الإسرائيلي. لبنان ولفت التقرير الى ان اسرائيل شنت خلال تموز يوليو وآب أغسطس من السنة الماضية، عدواناً مدمراً واسع النطاق على الأراضي اللبنانية، طاول مكونات البنية التحتية ومؤسسات الإنتاج وشبكات الكهرباء والمياه والمواصلات على اختلافها وجسور التواصل بين المناطق. ودمر أبنية ومؤسسات في القطاعين العام والخاص، ولم يوفر هذا العدوان الثروة الحيوانية والمواسم الزراعية، كما لم تسلم منه البيئة والشواطئ التي تلوثت بفعل الحرائق التي نتجت عن قصف خزانات الوقود ومعامل إنتاج الطاقة الكهربائية. يُضاف الى ذلك ما خلفته من قنابل عنقودية زرعتها بالملايين في الحقول والاحراج، وشكلت عامل اصطياد للمواطنين كباراً وصغاراً في أملاكهم وأرزاقهم، وحرمتهم حرية التنقل واستغلال أراضيهم وجني مواسمهم الزراعية. وتضرر 1288 مؤسسة للصناعات التحويلية، و447 مؤسسة صحية وعمل اجتماعي، و443 مؤسسة فندقية ومطاعم، و279 مؤسسة تنشط عقارياً ومشاريع تجارية، و206 مؤسسات نقل وتخزين واتصالات، و139 مؤسسة زراعية، وتدمير وتضرر 116 مؤسسة تعليمية، و85 مؤسسة لإمدادات الكهرباء والغاز والمياه، وتضرر وتدمير 9116 سيارة من أحجام مختلفة. ورأى التقرير أن تدمير العدد الكبير من مؤسسات الإنتاج على أنواعها وتضرره، أدى إلى إزالة مواقع عمل ل4000 عامل تقريباً وصرف أكثر من 7000 عامل، بسبب تراجع الحركة الاقتصادية وقلة الموارد المالية النقدية التي تتيح الإنفاق، فضلاً عن الركود الذي أصاب الحركة الاقتصادية في شتى جوانبها، ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة من 5 الى 6 في المئة الى 12 في المئة، اضافة الى تزايد حركة الهجرة في شكل مرعب، ليفوق عدد المهاجرين النصف مليون من العناصر الشابة. والأخطر من ذلك التلوث الذي أصاب الهواء والتربة والمياه ما زاد تكاثر الأمراض والميكروبات وبالتالي، الحالات المرضية. ودعا لقمان الى تطبيق القرار الرقم 9 لعام 1974 والقرار الرقم 2 لعام 1980، بما يتفق مع إرادة المجتمع الدولي ودعوة مجلس إدارة مكتب العمل الدولي لتسخير الإمكانات المتوافرة لدى المنظمة لوضع حد فوري للانتهاكات وأعمال التفرقة والتمييز العنصري، واتخاذ التدابير الكفيلة بإزالتها، وضمان حرية العمال العرب وكرامتهم.