مرت العلاقات الاقتصادية بين ايرانوالعراق خلال العقود الثلاثة الماضية، أي منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران والحرب العراقيةالايرانية بمراحل من الصعود والتراجع متأثرة بالاوضاع الامنية والعسكرية والسياسية. وانقطع التبادل التجاري عبر الحدود بين البلدين طوال سنوات الحرب الثمانية، ليعاود نشاطه بحذر عام 1988 بعد انتهاء الحرب وصولاً الى عام 1992 وحرب تحرير الكويت وفرض الحصار الاقتصادي على العراق، ما نشّط بالتالي التجارة البينية وغير الرسمية بين طرفي الحدود، في حين انفتح اقليم كردستان على التجارة مع ايران في ظل الحضور الاميركي الذي فرض على الحكومة المركزية العراقية في هذا الاقليم الذي كان مدفوعاً للبحث عن موارد اقتصادية توفر للاكراد ما يحتاجونه من مقومات العيش عبر الحدود المشتركة مع ايران وتركيا. بعد سقوط النظام العراقي، تدقفت الاستثمارات الايرانية على العراق في شكل واسع مع الوعود بالامن والاستقرار، على شكل استثمارات عقارية وفنادق وخدمات لزوار العتبات المقدسة لدى الشيعة، وتجارية، مستفيدة من النقص الحاد في احتياجات السوق الاستهلاكية العراقية خلال الحصار والحرب، ساعد في ذلك تدني اسعار السلع الايرانية ورغبة المستهلك العراقي في استخدام البضائع الايرانية لاعتبارات عدة. من هنا، فإن التعاون الاقتصادي الايراني - العراقي لا يمكن حصره في البعد الرسمي الذي تحدده الاتفاقات الثنائية، لأن القطاع الخاص، كغيره في البلدان الاخرى، يعمل بعيداً من هذه الاتفاقات وبناء على حاجة اسواق البلد المقابل. وانطلاقاً من هذا المبدأ يمكن القول ان رصداً دقيقاً لحجم التبادل التجاري بين البلدين في هذا القطاع يبدو صعباً، الا ان الإحصاء العام لحجم التبادل يضع العراق في المرتبة الثالثة بين البلدان المستوردة من ايران بعد الامارات العربية المتحدة والصين. في حين يحتل العراق المرتبة الأولى في التبادل التجاري مع ايران بين 21/3/2006 و21/3/2007. وعلى رغم الإصرار الايراني على مطالبة الحكومة العراقية الجديدة بعد سقوط النظام السابق بتعويضات تصل الى حدود مئة بليون دولار عن خسائر الحرب التي شنها صدام حسين ضد ايران، استطاع رئيس الوزراء العراقي السابق ابراهيم الجعفري خلال زيارته طهران بداية العام 2005 بأن يؤجل المطالبة الايرانية، وان يحصل في المقابل على منحة ايرانية تصل الى بليون دولار تصرف على مختلف القطاعات التي ترى الحكومة العراقية انها في حاجة إلى تطويرها، خصوصاً في مجالي الطاقة الكهربائية والنفط، اضافة الى الطرق والسكك الحديد. وخلال الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي الى طهران، وقع الطرفان اتفاقات للربط الكهربائي وكذلك مد انبوبين للنفط بين مصفاة عبادان الايرانية وموانئ تصدير النفط في البصرة وتزويد العراق بالمشتقات النفطية خصوصاً مادتي المازوت والغازأويل، اضافة إلى بناء خطوط للسكك الحديد في الداخل العراقي. وهذه المشاريع تدخل في اطار هبة البليون دولار التي قدمتها الحكومة الايرانية في عهد الرئيس خاتمي للحكومة العراقية . في حين بدأت حكومة اقليم كردستان بالمطالبة بتنفيذ حصتها من هذه الهبة الايرانية والتي تصل الى حدود 17 في المئة منها، بعد ان وجدت ان الحكومة المركزية لم تتخذ خطوات عملية لتنفيذ الاتفاقات. وتشمل هذه الاتفاقات: 1 - تزويد اقليم كردستان بالكهرباء بعد سنة من توقيع الاتفاق. 2 - مد خط وصل كهربائي بين مهاباد وسوران بقوة 120 ميغاوات. 3 - مد خط وصل كهربائي بين باواه وسيد صادق بقوة 150 ميغاوات. 4 - مد خط وصل كهربائي بين مريوان وبنجوين بقوة 20 ميغاوات، إضافة لخط الوصل الكهربائي في محافظة ديالا العراقية بقوة 150 ميغاوات. وأنهى الطرف الايراني مد خط الكهرباء داخل الأراضي الإيرانية المقرر ان يصل الى الحارثية في العراق بقوة 40 ميغاوات. على ان تصل طاقته التي ستقدمها ايران للعراق ضمن هذه الاتفاقات إلى 1000 ميغاوات. وكانت ايران في الربيع الماضي زودت اقليم كردستان بالمشتقات النفطية من مازوت وغازأويل بالكميات التي يحتاجها ووصل حجمها في شهرين إلى 30 ألف طن. في اطار اتفاق يصل حجمه الى 100 الف طن من المحروقات. وبناء على الاتفاقات الموقعة بين وزيري النفط في البلدين، فإن ايران زودت العراق بنحو مليون ليتر من المحروقات، في حين حصل اقليم كردستان على نحو 51 الف طن من المحروقات خلال الاشهر الاربعة الماضية. وهناك اتفاق بين الطرفين بتزويد العراق بنحو 2 مليون ليتر مقابل ان يحصل اقليم كردستان على مليون ونصف المليون ليتر من المحروقات الايرانية. ويزوّد اسطول من شاحنات البترول العراق وإقليم كردستان بالمشتقات النفطية الايرانية، حيث تنقل 70 شاحنة المحروقات الى اقليم كردستان يومياً، في حين ان اسطولاً من 1500 سيارة ينقلها الى داخل العراق، اضافة الى بناء خطي أنابيب بين البصرة وعبادان بطول 15 كيلومتراً، الأول لنقل النفط الخام العراقي الى مصافي التكرير الايرانية، والثاني لإعادة النفط المكرر الى المخازن وشبكة الانابيب الداخلية العراقية. وتتضمن الاتفاقات الموقعة بين الجانبين قيام ايران ببناء خط لسكك الحديد بين ايرانوالعراق خصوصاً في مدينتي النجف وكربلاء. ولأهمية العلاقة الاقتصادية مع ايران، أصدرت حكومة اقليم كردستان قرارات حول الاعفاءات الجمركية للشركات الايرانية المسجلة في الاقليم بناء على قانون الاستثمارات فيه ولمدة خمس سنوات، مع منح هذه الشركات حق التملك والشراء في الاقليم. وتقوم حكومة اقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد بالتعاون مع الحكومة الايرانية بتشجيع عقد اتفاقات للتبادل التجاري في المحافظات الحدودية، بخاصة بين اربيل العراقية وكرمنشاه وارومية الايرانيتين، وكذلك بين السلمانية العراقية وكرمنشاه وسنندج الإيرانيتين. ويبلغ عدد الشركات الايرانية الناشطة والعاملة في اقليم كردستان خصوصاً في مجال الاعمار والبنى التحتية والتجارة نحو 220 شركة. كما اقيمت خمسة معارض على الاقل في محافظتي اربيل والسليمانية للمواد والمنتجات الايرانية الغذائية والانشائية بهدف تشجيع التجارة بين الطرفين. وتجرى التحضيرات حالياً للمشاركة الايرانية في معرض اربيل الدولي الذي سيقام في شهر تشرين الأول اكتوبر المقبل.