لا بأس في تمضية بعض الوقت أمام شاشة الكومبيوتر لخوض حياة افتراضية. بيد ان هذه الحياة الثانية، الموازية لتلك الواقعية، أضحت عملاً محترماً، مربحاً أكثر بكثير من تلك "الحقيقية". ويتمثل هذا العمل الثوري "المحترم" في مشروع عالم الحياة الثانية الافتراضية"سكند لايف"حياة ثانية الذي يحتضن اليوم ستة ملايين مشترك، يمضي مليونان منهم وقتهم الترفيهي داخله. وتضاعف عدد المكتتبين في"سكند لايف"بنسبة أربع مرات منذ ولادته. وبفضل تفكير إبداعي واستثمار أولي بخس توصل بعض المكتتبين إلى جني أكثر من خمسة آلاف دولار شهرياً، ما جعلهم يستقيلون من وظائفهم"الحقيقية"، مهاجرين بالتالي إلى الأعمال الافتراضية. يعمل موقع"سكند لايف"بصورة سهلة وبسيطة. إذ يكفي الاكتتاب مجاناً وتحميل برمجة على الكمبيوتر الشخصي، تعمل على نظام التشغيل التابع لمايكروسوفت أو"أبل"أو"لاينكس"المفتوح المصدرعبر النسخة ألفا، وذلك للتواصل مع العالم الافتراضي. بعدها، يختار كل مستعمل اسماً مستعاراً وشخصية غرافيكية افتراضية أفاتار. ثم يبدأ بزيارة عالم الحياة الافتراضية كي يجد نفسه أمام عدد لا يُحصى من الجُزُر والمتاجر والمطاعم والأعمال التجارية. وصُمم الاقتصاد الافتراضي على أساس مكافأة المخاطر والروح الإبداعية. أما العملة المتداولة فتدعى"ليندن دولار"وتقف وراءها آلية دقيقة لصرف العملات. فكل دولار يساوي نحو 270 ليندن دولار. ويقدّر محللو الأسواق العالمية حركة التداولات التجارية داخل هذا الاقتصاد الافتراضي بنحو مليوني دولار يومياً. للوهلة الأولى، تبدو آلية إيجاد عملٍ مربحٍ من طريق"سكند لايف"معقدة. وقد يتمكن المستعمل الزائر من جني بعض المال عبر ارتياد كازينوهات افتراضية. لكن شيئاً فشيئاً تنفتح أمامه أبواب الصداقات مع الآخرين ما قد يمهد الطريق إلى وظائف مربحة توفر له 10 دولارات في الساعة أو أكثر. وتتألف طبقة هؤلاء، الذين اغتنوا من اقتصاد"سكند لايف"من أشخاص ابتكروا نشاطاً تجارياً فردياً، كتصميم الأزياء وتقديم الاستشارات وبيع الأراضي. الشركات وتعمل شركات كثيرة، كشركة"مليونسوفوس"، في الاقتصاد الافتراضي على وجه الحصر. يذكر ان الأخيرة تقدم الاستشارات التسويقية، من طريق"سكند لايف"، إلى الشركات العملاقة مثل"مايكروسوفت"وپ"تويوتا"و"كوكاكولا"وپ"وارنر بروس"، وتتوقع ان تربح هذه السنة نحو ستة ملايين دولار قبل احتساب الضرائب. ولشركات أخرى موطئ قدم داخل"سكند لايف"، مثل"الكتريك شيب"التي تقدم الاستشارات إلى جانب هندسة الجُزر والأبنية والشخصيات الغرافيكية الافتراضية إلى الشركات الكبرى، مثل"إيه أو إل - تايم وارنر"وپ"رويترز"وپ"سي بي اس"وپ"سوني"، التي تدفع لكل عمل أو استشارة تنجزها شركة"الكتريك شيب"ما لا يقل عن 15 ألف دولار. ونجد، بين شركات تصميم الأزياء العاملة في الاقتصاد الافتراضي"أيمي ويبير ستوديو"، التي روجت علامة تجارية افتراضية تدعى"برين"وتدفع لها الشركات بين 30 و100 ألف دولار لكل عمل أو منتج منجز. وبدأت شركات كبرى، مثل"ديل"وپ"جنرال موتورز"وپ"آي بي أم"، بتلمس منافع"سكند لايف"من حيث التسويق والتواصل التفاعلي مع الزبائن. وبالنسبة إلى سوق العقارات الافتراضية، يكمن الحل الأكثر توفيراً في استئجار قطعة أرض افتراضية صغيرة، تدعى"فيرست لاند"، مساحتها 512 متراً مربعاً مقابل دفع 9.95 دولار شهرياً. وكلما زادت مساحة الأرض الافتراضية زاد رسم الإيجار. وانطلاقاً من قطعة الأرض هذه، يستطيع المستأجر التوسع إما عبر شراء الأراضي مباشرة من"ليندن لاب"، وهي الشركة التي ابتكرت"سكند لايف"، أو من طريق الاتصال بأصحاب العقارات الافتراضية لشراء أو استئجار الأراضي منهم. وشراء الأراضي مباشرة من"ليندن لاب"هو الحل الأفضل. فمساحة الأرض الصغرى جزيرة تدعى في العالم الافتراضي"سيم"، تساوي 65536 متراً مربعاً وتبيعها"ليندن لاب"ب1675 دولار يُضاف إليها رسم صيانة شهري، تفرضه الشركة على جميع المالكين، مقداره 295 دولاراً. لكن عدد الطلبات المرتفع وأوقات الانتظار الطويلة تدفع المستعجلين إلى التفاوض عادة مع أصحاب العقارات، المقيمين في"سكند لايف"، لشراء الأراضي منهم. لذا، يستغل أصحاب العقارات الافتراضية الفرصة لتقسيم أراضيهم إلى قطع محددة، قد ينجحون في بيع كل واحدة منها بخمسة آلاف دولار وما فوق. ما يعني ان بإمكان كل صاحب عقار، اشترى من"ليندن لاب"جزيرة افتراضية بأكملها، مساحتها 65536 متراً مربعاً. وهكذا يستطيع بيع أو تأجير ما مجموعه 128 قطعة أرض. في حالة البيع، يساوي السعر الرسمي للمتر المربع الواحد حالياً 11.58 ليندن دولار، أي بزيادة 100 في المئة مقارنة بالسعر المتداول به قبيل ستة أشهر. إذاً يستطيع أي وسيط عقاري عبر اللجوء إلى معادلة صرف تساوي 270 ليندن دولار مقابل دولار واحد ان يجني أكثر من 2800 دولار عبر بيع إجمالي قطع الأراضي المقسمة التي تغطي كامل مساحة الجزيرة الافتراضية، أي نحو ضُعف مبلغ الشراء الأصلي، أي 1675 دولاراً. ويُجمع خبراء السوق على ان طفرة المضاربات العقارية العالمية بدأت تطال"سكند لايف"، إذ تتسابق الشركات لشراء الأراضي وافتتاح المراكز الافتراضية وصالات عرض المنتجات. على الصعيد الإيطالي، اشترت وزارة الخارجية الإيطالية جزيرة لها على"سكند لايف". كما ان"غابيتي"هي أول شركة عقارية إيطالية تصل إلى هذا العالم الافتراضي، وقد أسست مكتباً تمثيلياً يديره خمسة موظفين أوكلت اليهم الشركة بمهمة بيع وشراء الممتلكات العقارية الافتراضية.