أكتب دفاعاً عن سورية. أكتب دفاعاً عن سورية الوطن. لا أكتب دفاعاً عن النظام السوري، في لبنان أو سورية نفسها. لا أكتب دفاعاً عن علاقاته العربية، وتحديداً المصرية والسورية منها. لا أدافع عن اشتراكية النظام، أو انتخاباته. أكتب فقط دفاعاً عن سورية ضد الولاياتالمتحدة واسرائيل، وأرجو أن يكون اجتماع شرم الشيخ بداية علاقات أفضل مع ادارة بوش. يوم وصلت الى دمشق لمقابلة الرئيس بشار الأسد الشهر الماضي كانت سورية كلها تحتفل بزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، فوقفت زاويتي هذه للتحذير من الانخداع بها، وعارضت الحفاوة مع ادراكي ان من أسبابها انتهاك الزيارة سياسة ادارة جورج بوش التي تقاطع سورية، وذكّرت القراء بأن بيلوسي قبل زيارة دمشق بثلاثة أسابيع فقط كانت تخطب في اللوبي اليهودي ايباك، أو وكر الجواسيس في واشنطن، وتدافع عن اسرائيل بحماسة، وتحمّل"حزب الله"مسؤولية حرب الصيف الماضي وتتحدث عن صواريخه، وتنسى مليون قنبلة صغيرة، من مخلفات القنابل العنقودية الأميركية الصنع تركها الاسرائيليون لتقتل مزيداً من المدنيين. بل انها تحدثت عن ثلاثة أسرى من الجنود الإسرائيليين لدى"حماس"و"حزب الله"وتناست 11 ألف أسير فلسطيني عند اسرائيل، غالبيتهم من المدنيين، وبينهم مئات القاصرين. هذه هي بيلوسي، ومع ذلك فبعد شهر على زيارتها قرأت تحقيقاً صحافياً أميركياً عن استمرار الإعجاب الشعبي السوري بها، وكنت قابلت الرئيس بشّار الأسد ونقلت اليه رأيي فيها، وأعطيته نص خطابها في"ايباك"، ودافعت عن الرئيس فؤاد السنيورة، كما فعلت عندما قابلت الرئيس قبل سنة. أقول الحقيقة ولا شيء غيرها: ادارة بوش ارتكبت جرائم حرب فظيعة في العراق يجب أن تحاكم عليها، وهي تريد من سورية أن تغيّر سياستها من دون شيء في المقابل، وهي أيدت اسرائيل في تدميرها لبنان وفي جرائمها اليومية ضد الفلسطينيين ثم تريد أن تحاكم الآخرين. انبّه عشاق بيلوسي الجدد من العرب الى موقف آخر لها، فقد تزامن مع خطابها في"ايباك"قرار قيادة الديموقراطيين في الكونغرس سحب نص من قانون الانفاق العسكري كان سيفرض على الرئيس استشارة الكونغرس قبل أي مواجهة عسكرية مع ايران. والرئيس الآن استخدم الفيتو للمضي في حربه على العراق ويريد من وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الحزم مع وزيري خارجية سورية وايران، وأقول ان هيبة ادارته سقطت في العراق ولن تقوم لها قائمة بعد الآن. الحد من قدرة ادارة بوش على الحرب وقتل العرب والمسلمين لا يناسب ليز تشيني، نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط حتى 2006، فهي كتبت مقالاً بعنوان"الحقيقة عن سورية"تهاجم فيه بيلوسي لأن زيارتها"ساذجة"فيما سورية"تقتل الديموقراطيين اللبنانيين". لا أبرئ سورية أو أدينها، بل انني لا أبرئ أحداً، وانما انتظر نتائج التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الارهابية التالية. وأقبل قرار المحكمة الدولية ادانة أو تبرئة. ليز تشيني متطرفة كأبيها، وأهميتها انها تعكس تفكير عصابة الحرب في مقابل الجناح المعتدل في الإدارة. وهي تدين سورية بكل الجرائم الإرهابية التي كان مسرحها لبنان، وأسألها ما هي مصادر معلوماتها، وهل هي أجهزة الاستخبارات نفسها التي زعمت أن في العراق أسلحة دمار شامل، وان له علاقة مع"القاعدة"؟ هل نحن مرة أخرى أمام معلومات استخبارات بديلة؟ الآنسة تشيني أميركية، وبلادها ديموقراطية يحكمها القانون على رغم أبيها وجورج بوش، وأعرف أنه لو كتبت الصحف عن متهم أميركي في جريمة ودانته قبل مثوله أمام المحكمة لألغيت المحاكمة كلها، لأن المتهم خسر حقه القانوني بمنحه فرصة محاكمة عادلة، وحقه في أن يبقى بريئاً الى أن تثبت الجريمة عليه. ليز تشيني بنت أبيها، وكل فتاة بأبيها معجبة، كما يقول المثال، لذلك لا تكتفي بقتل مليون عراقي في اليوم، وتدمير البلد، واطلاق الارهاب. وهي كتبت في 21 /1/ 2007 مقالاً بعنوان"الانسحاب ليس خياراً"، فقالت"اننا في حرب"مع ان الكونغرس في طريقه لإلغاء عبارة"الحرب العالمية على الإرهاب"كما فعلت الحكومة البريطانية، لأن الحرب هذه كانت مكتب تجنيد للإرهابيين"وقالت ان الانسحاب سيشجع الإرهابيين، وما شجعهم هو تطرف ادارة أبيها، وزادت ان الجنود الأميركيين قادرون على الفوز، ولا أقول سوى أن ادارة بوش هزمت وقضي الأمر، وهذا رأي هاري ريد رئيس الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ الذي قال"هذه الحرب خاسرة"، واذا كانت ليز تشيني مصرة على الفوز فما عليها إلا أن تذهب الى العراق مع أختها وتقاتل وتفوز، لا أن تضحي بأرواح شباب أميركا على مذبح تطرف أبيها ومصالح اسرائيل. ويبقى ان نرى ان كانت كوندوليزا رايس ستنجح في وجه عصابة الحرب. اذا ذهبت ليز تشيني وأختها الى العراق فربما أخذتا معهما ابنتي جورج بوش، ولعل واحدة من الآنسات الأربع هؤلاء تقوم بعمل بطولي حقيقي، فلا تحتاج وزارة الدفاع الى"فيلم"من نوع بطولة جسيكا لينش التي فاجأت عصابة الحرب بأنها على خلق رفيع جعلها تعترف بأن بطولتها المزعومة لا أساس لها في الواقع، وأن رجال الوزارة الذين يعتقدون بأن الناس كلهم بلا أخلاق مثلهم اخترعوا القصة وباعوها لوسائل الإعلام التي كادت تكون شريكة في جريمة الحرب بنقل كذب الإدارة من دون تحقيق أو متابعة كما هي قادرة، وكما فعلت يوماً في حرب فيتنام وفضيحة ووترغيت. لا أعتقد بأن ليز وماري تشيني وجينا وبربارة بوش سيذهبن الى فيتنام، وديك تشيني نفسه هرب من حرب فيتنام، وأرجأ خدمته العسكرية خمس مرات. واختبأ جورج بوش في تكساس بوساطة من أسرته، وترك ألوف الشباب الأميركيين يموتون في فيتنام. في المقابل ولي عهد بريطانيا لا يعارض ارسال ابنه الجندي الى العراق. غير ان ادارة بوش - تشيني تهدد ايران الآن نيابة عن اسرائيل لأن البرنامج النووي الإيراني، حتى لو كان عسكرياً، لا يمكن أن يهدد الولاياتالمتحدة نفسها. وهي اذا وجدت ان ايران تستطيع الرد، فقد تؤيد اسرائيل في حرب محدودة ضد سورية، تحول الأنظار عن فشل الحرب الأميركية في العراق، وفشل حرب اسرائيل في الصيف الماضي ضد"حزب الله"ولبنان. ومع صدور تقرر فينوغراد، وادانته ايهود أولمرت شخصياً، واشتداد المطالبة برحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن توقيت عملية عسكرية ضد سورية الآن سينقذ عصابة الحرب في أميركا واسرائيل... الى حين، غير ان اجتماع شرم الشيخ بين وزيري الخارجية السوري والأميركية ربما ينجح في تنفيس الوضع... أيضاً الى حين. في واشنطن، عصابة الحرب هاجمت الانتخابات البرلمانية السورية، ولا أدافع عن هذه الانتخابات، ولكن أسأل: هل كانت ادارة بوش تريد انتخابات في سورية على أساس فرز طائفي كما فعلت هي في العراق، وما أدى الى النتائج المدمرة التي حصدتها مع العراقيين؟ أكمل غداً بأخطاء المعارضة العربية، السورية وغيرها.