لم أكتشف تاريخ جزر المارتينيك أو جزر بحر الكاريبي في المنزل أو المدرسة. وعند وصولي الى فرنسا، اكتشفتُ النعوت السلبية التي يوصف بها السود. وفي المدارس الفرنسية، يرتبط الكلام على "السود" بتجارة الرقيق الأسود والعبودية، مع أن لأفريقيا تاريخاً يعود إلى ما قبل التجارة المثّلثة بين أوروبا والأنتيل وأفريقيا. وأدركت، على مرّ الوقت، أن "فكرة الأعراق" راسخة في التاريخ الفرنسي. فالاطلاع على الماضي يمهد لفهمنا توترات المجتمع الفرنسي، وافتقار جماعاته المختلفة الى التفاهم، ووقوعها في العنصرية العرقية والتمييز. والحق أن التاريخ الفرنسي حافل بالاحكام المسبقة والنظريات العرقية. فتصنيف الأعراق في أعمال جوزيف غوبينو يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر. واعتبر غوبينو أن السود أدنى مرتبة من جميع الاعراق. وأنا معني بتاريخ العبودية لأنني مارتينيكي. ومن المستهجن أن في فرنسا من يحاول فصل تاريخها عن تاريخ العبودية، كما لو أنه لا يعني سوى الآخرين من المارتينيكيين أو الافارقة. ولا شك في أن المجتمع الفرنسي مسكون بأشباح ماضيه، على رغم اعتقاد فرنسا بأنها طوت صفحة ماضيها العنصري. ولا يزال إرث العبودية حاضراً في ذاكرة المارتينيكيين ولا وعيهم الجماعي. فنابوليون ليس فقط حاكماً عظيماً، بل هو، كذلك، من أرسى العبودية في المستعمرات. فعظمة فرنسا تبطن وجهاً قاتماً يظلله الاستعمار والرق والعبودية. ولا شك في ضرورة تغيير الخطاب الرسمي الفرنسي والمناهج التربوية. وعلى السلطة تهذيب خطابها السياسي، واطراح منطق المرتبية العرقية، ورفض توظيف شخص بسبب لون بشرته ينم بعنصرية لا تقل خطورة عن الفصل العنصري بأميركا قبل حركة الحقوق المدنية. فإذا كنا ننكر منع السود هناك من الجلوس بالمقاعد الأمامية للحافلة ، قبل اعتراض روزا باركس رائدة"حركة حقوق المدنية"الحديثة، يجدر بنا الغضب من التمييز في التوظيف والسكن. ويستخف بعض الناس بخطورة التفرقة والتمييز، ولا يدركون فداحتهما. وتطرقت الى مسألة العبودية لأنها حاضرة في تاريخ عائلتي. فوالد جد جدّي وُلد عبداً رقيقاً. وفي ذاكرة العائلة لا تزال عبودية أسلافنا حاضرة وكأنها من الأمس. ولا يجوز التظاهر بأن تلك المآسي لم تحصل قط. وحري بنا تناول فصول تاريخنا كلها، المجيدة والفظيعة، مثل محرقة اليهود وتجارة الرقيق الأسود والقوقازي الأبيض، على حد سواء. وذات مرة، ذكّرت أحد السياسيين، وكان ينتقد كثرة عدد"السود"في المنتخب الوطني الفرنسي، بأن معيار اختيار اعضاء الفريق هو حيازة الهوية الفرنسية، وليس لون البشرة. وافكر دائماً بقول الرسّام شيري سامبا:"انا رسّام. لم أر أبداً إنساناً أبيض، ولم أر أبداً إنساناً أسود". عن ليلْين تورام لاعب كرة القدم في المنتخب الوطني الفرنسي، "إسبري" الفرنسية ، 2 / 2007