عادت الطيور والجواميس مجدداً الى الاهوار في بلاد ما بين النهرين، لكن الخبراء لا يتوقعون أن تسترد المسطحات المائية عافيتها في شكل كامل قريباً بعدما كان الرئيس الراحل صدام حسين أمر بتجفيفها مطلع تسعينات القرن الماضي. ووفقاً للمهندس عزام علوش، فإن ذوبان الثلوج في جبال كردستان العراق سيبدأ في الأسابيع المقبلة، ويجب إستغلال المياه المتدفقة من هناك. وإضافة الى تدمير صدام حسين سدوداً وأقنية عام 1991، فإن"سدوداً كبيرة داخل العراق وفي تركيا تمنع المياه من الوصول في قوة تكفي لدفع الماء المالح الذي يتجمع ابان اشهر الصيف". يذكر أن 90 في المئة من الاهوار تمتد على أراضي جنوبالعراق، علماً أنها كانت تغطي عشرين ألف كيلومتر مربع ويمدها دجلة والفرات بالمياه. وكان صدام أمر بتجفيفها لمنع اندلاع تمرد شيعي آنذاك، وهو ما أدى الى نزوح حوالى نصف مليون ممن يسمون أنفسهم"عرب الاهوار"من منطقة يعتبرها البعض جنة عدن، فأصبحت المسطحات المائية أرضاً قاحلة في زمن قياسي. ولكن بعد سقوط صدام اثر الغزو بقيادة الولاياتالمتحدة في آذار مارس عام 2003، دمر مزارعون بعض السدود وأقنية الري، ما أعاد غمر المنطقة بالمياه وأتاح لعرب الاهوار العودة الى أماكن سكنهم. وبحسب علوش الذي يتابع مع فريق من العلماء اعادة الاهوار الى وضعها السابق في مهمة بدأت قبل ثلاثة أعوام، غُمر 60 في المئة من مساحة المسطحات الآن. ويعود الفضل في ذلك جزئياً الى برنامج الاممالمتحدة للبيئة. لكنه تدارك قائلاً:"لا يعتبر إعادة 60 في المئة من المسطحات المائية الى سابق عهدها أمراً فعلياً". وقال علوش الذي يترأس جمعية"نايتشر ايراك"غير الحكومية في اتصال هاتفي من عمان:"في امكاننا القول إن حوالى 45 في المئة فقط من الاهوار أظهرت علامات استرداد العافية بالكامل". وأوضح أن فريقه من الخبراء استنتج بأن العامل الرئيسي الذي يمنع التعافي الكلي هو"السدود المقامة عكس اتجاه التيار". وقال علوش:"قبل انشاء السدود، اعتاد العراق الحصول على حوالى مئة بليون متر مكعب من المياه سنوياً، يشكل ذوبان الثلوج 60 في المئة منها". وأضاف أن"الماء يأتي الى الارض المستوية في جنوبالعراق فيغمرها، ما يؤدي الى تشكل الاهوار". وتابع أن"الاهوار تحتاج الى هذه الدفعة من المياه خلال الربيع، بعدما ينهي القصب سباته الشتوي، ويبدأ السمك بوضع البيض، وتشرع الطيور في الهجرة". ويريد علوش تركيب نظام يتولى"فعل الطوفان الميكانيكي"لتعويض الاندفاع المعتاد للمياه المنحدرة من الجبال. لكن المهمة غير مشجعة بسبب خطورة العمل في المناطق الخارجة عن القانون ونقص الموارد. وأكد أن الحكومة العراقية تحبذ الفكرة، لكن غالبية مصادر تمويلها تنفق في توطيد دعائم الاستقرار. وقال علوش إن"لدى الحكومة نيات طيبة، لكن في اجندتها اموراً أخرى". وعلى رغم ذلك، فإن مؤشرات استعادة الاهوار عافيتها متوافرة. وأجرى متخصصون في علم الاحياء تابعون للمنظمة غير الحكومية خمس عمليات مسح في العامين ونصف العام المنصرمين تأكدوا خلالها من أن كل فصائل الطيور التي عاشت في المنطقة سابقاً لا تزال موجودة، ولو بأعداد أقل. وأكد علوش عودة الجواميس أيضاً، موضحاً أن"أعدادها تبلغ في الوقت الحاضر ستة آلاف، في حين كنا نرى قليلاً منها في السابق". والجاموس ليس مجرد حيوان قوي، بل هو مصدر مهم للحليب واللحم اعتمد عليه عرب الاهوار منذ خمسة الاف عام. ويرى الخبير في طيور الشرق الاوسط ريتشارد بورتر الذي يساعد علوش وفريقه من المتخصصين في التدقيق في المعطيات التي سُجلت خلال فصلي صيف وثلاثة فصول شتاء، أن علامات عودة حياة الطيور إيجابية. وقال بورتر في اتصال هاتفي من كامبردج في بريطانيا إن الفريق"عثر على 160 فصيل طيور على الاقل، من ضمنها 65 فصيلاً مهدداً". وأضاف بورتر الذي شارك في تأليف كتاب"مرشد ميداني لطيور العراق"أن وضع هذه الفصائل ليس"جيداً سواء في أوروبا أو آسيا أو الشرق الأوسط". وتابع:"تم اكتشاف سبعة فصائل مهددة عالمياً، ثلاثة منها مستوطنة هي طائر قصب البصرة المسمى الدخلة والطنان العراقي والهايبوكوليوس". وأضاف أن"طائر الدخلة يواجه خطر الانقراض، لكن المسح أظهر كميات كبيرة منه، لم نكن نظن بأنه موجود بهذا القدر". وأوضح أنه"لم يتم اكتشاف فصائل لطيور تعتبر منقرضة".