كشف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمس، أن السفارة الأميركية في العراق رفضت تسليم مسؤولين سابقين مدانين في قضية الأنفال، لتنفيذ أحكام الاعدام الصادرة في حقهم. واتهم المالكي مجلس الرئاسة العراقية بخرق الدستور من خلال رفض التصديق على أحكام الاعدام الصادرة في حق هؤلاء المسؤولين في نظام الرئيس السابق صدام حسين. وأكد المالكي أنه أعطى توجيهاته للعمل على درس امكان العفو عن"السجناء المغرر بهم"ما عدا"أولئك الذين ثبتت عليهم جريمة القتل أو التفجير". وقال خلال مؤتمر صحافي إن"من موقع الشعور بالقوة وشعورنا بأن الذين في السجون قد غُرر بهم ... طلبت من الدائرة القانونية وتقدمت بذلك أيضاً الى المجلس السياسي للأمن الوطني وهناك موافقة من الجميع على ضرورة اطلاق عفو عن الذين غرر بهم أو الذين ارتكبوا بعض المخالفات". وأكد أن"هذا العفو قطعاً لا يشمل أولئك الذين أُحيلوا الى القضاء لثبوت جريمة القتل أو التفجير أو غير ذلك". واعتبر المالكي ذلك"خطوة على طريق التماسك الوطني واعادة لحمة الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب العراقي". وأشار رئيس الوزراء العراقي الى أنه"حينما يطلق سراحهم هذه المرة سيذهبون ويكونون في أوساط اجتماعية وبين أهلهم وسيمنعونهم هذه المرة من العودة الى الارهاب". وفي خصوص من سيشملهم العفو الذي أعلنه، قال المالكي إن"هناك حقاً خاصاً وآخر عاماً، الخاص لا نستطيع اسقاطه والدولة تستطيع اسقاط الحق العام فقط". وأضاف:"إما أن تسقط الدولة الحق الخاص لمرتكب جريمة قتل فهذه لا يمكن أن نعفو عنها"، مضيفاً أن"لدى ثبوت أن شخصاً ما تورط في قتل عشرات الناس أو فجر سيارات في الساحات العامة واتهم وفق قانون الارهاب، فلا نستطيع العفو عنه أيضاً". وتابع أن"الذين سيشملهم العفو كثيرون بعضهم تعاون في شكل من الاشكال مع الارهابيين وقانون الارهاب يحكم هؤلاء... لكن هؤلاء نريد أن نعفو عنهم فبعضهم غرر به، وصدقوا ما رفعته القاعدة والمنظمات الارهابية من شعارات، وهؤلاء جميعاً سيطلقون". وأضاف أن"المستثنين هم قلة، أي الذين ثبت بالجرم المشهود وبالجرم القضائي بأنهم ارتكبوا جرائم قتل أو ينتمون الى تنظيمات ارهابية مثل القاعدة"، مؤكداً أن"هؤلاء لا نستطيع أن نعفو عنهم لأنهم شر مطلق يهدد العالم وليس العراق فقط، وعلينا أن نتضامن مع العالم في ملاحقة هذه المنظمة وأعضائها". من جهة ثانية، كشف المالكي أن خالد العطية النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي طالب الحكومة في وقت سابق بتطبيق القانون وتنفيذ احكام الاعدام ضد المدانين في قضية الانفال. لكنه أضاف أن هيئة الرئاسة، وبدلاً من أن تكون الجهة التي تراقب تنفيذ وتطبيق الدستور في شكل صحيح، تدخلت لمنع تنفيذ حكم الاعدام"وهنا حصل خلل في تنفيذ الدستور". وأكد"مناقشة الجهة المعنية بتسليم هؤلاء من السجن. ومع الاسف الشديد، كان هناك دور للسفارة الأميركية بمنع تسليمهم أو محاولة تسليم البعض وتعطيل البعض الآخر". وقال:"نصر على ضرورة تطبيق القانون، وهو يطلب أن يسلم هؤلاء جميعاً الى القضاء، وكما أراد القضاء وحكم القضاء". وكانت المحكمة العراقية الخاصة أصدرت أحكامها بالاعدام في حق وزير الدفاع السابق سلطان هاشم وعلي حسن المجيد الملقب ب"علي الكمياوي"والرئيس السابق لأركان الجيش حسين قدوري رشيد في 24 تموز يوليو الماضي، وأيدت محكمة التمييز الاستئناف الحكم في الرابع من ايلول سبتمبر الماضي. ومعلوم أن هذه المحكمة شكلت للنظر في التهم الموجهة الى عدد من كبار مسؤولي النظام السابق في قضية الانفال، وتشمل تهمة الابادة الجماعية التي راح ضحيتها آلاف الأكراد عام 1988. وقالت مصادر حكومية إن أسباب التأخير ترجع الى خلاف نشأ بين مجلس الرئاسة والحكومة العراقية على التقيد ببنود الدستور العراقي في خصوص تنفيذ أحكام الاعدام الصادرة من المحاكم العراقية الخاصة. ويصر مجلس الرئاسة المكون من الرئيس ونائبيه على وجوب موافقة المجلس على القرار قبل الشروع بتنفيذه، وهو ما ترفضه الحكومة. وكان الرئيس العراقي جلال طالباني ونائبه طارق الهاشمي طالبا بتخفيف حكم الاعدام الصادر في حق سلطان هاشم. وبرر الزعيمان مطلبهما بأن هاشم كان يمثل مؤسسة عسكرية وهي غير مسؤولة عن قرارات سياسية كانت تصدرها القيادة السياسية في زمن النظام السابق، واعتبرا أن إصدار عفو عن هاشم سيعزز مشروع المصالحة الوطنية الذي سبق أن اطلقته الحكومة العراقية ويدعو ضمن بنوده الى اعادة الجيش العراقي السابق. إلا أن رئيس الوزراء العراقي أكد عدم ممانعته العفو عن هاشم شرط وجود"مخرج قانوني"لذلك، مشيراً الى أن الحكومة مسؤولة عن تنفيذ القانون والأحكام الصادرة عن القضاء. وقال:"لا أمانع... لكن الحكومة لا تمتلك حق التصرف خصوصاً في ما يصدر عن القضاء". وأضاف:"قلت للاخوان ابحثوا عن مخرج قانوني تستطيعون أن تخرجوا فيه ماتريدون... لكن لم يتمكن أحد الى الآن... لا هم ولا القضاء ولا السياسيون أن يأتوا بأي مخرج قانوني... لأن القانون المتعلق بهذه المحكمة مبرم في شكل لا يستطيع أحد أن يتلاعب به". واتهم المالكي الاطراف المطالبة بتخفيف حكم الاعدام في حق هاشم بمحاولة إضفاء طابع سياسي على القضية، وقال إنهم عندما لم يجدوا طريقة لتخفيف الحكم"لجأوا الى تسييس القضية بحجة المصالحة الوطنية". وأضاف أن"القضية قانونية ولا ينبغي... تسييس القضاء". وكان طارق الهاشمي كشف أنه تدخل في اللحظة الاخيرة لدى الأميركيين لمنع الحكومة العراقية من تنفيذ حكم الاعدام في حق المدانين الثلاثة. واتهم الحكومة العراقية بتجاوز القانون في محاولتها تنفيذ حكم الاعدام من دون أخذ موافقة مجلس الرئاسة. وكان مجلس شورى الدولة بين وجهة نظره القانونية في شأن إعدام هاشم ورفاقه في 30 آب اغسطس، إذ أعلن أن أحكام الاعدام الصادرة عن المحاكم الخاصة لا تنفذ الا بمرسوم جمهوري.