بعد أسابيع من الإشاعات، حسم أصحاب القرار في الأردن خيارهم لجهة تعيين رئيس وزراء جديد مباشرة بعد الانتهاء من استحقاق الانتخابات التشريعية المرتقبة في 20 تشرين الثاني نوفمبر المقبل بمشاركة رجال سياسة مخضرمين ووجوه جديدة تراهن على صوت العشيرة أو المال السياسي المتنامي. وقال مسؤولون وسياسيون التقتهم"الحياة"انه تم تحديد قائمة نهائية لشخصيات أردنية أكثر توافقيةپلتكليف إحداها برئاسة الحكومة السادسة في عهد الملك عبدالله الثاني الذي تسلم سلطاته الدستورية عقب وفاة والده الملك حسين عام 1999. وغالبية هذه الشخصيات محافظة تجمعها نظرية اقتصاد السوق والانفتاح في زمن العولمة مدعومة بشبكة علاقات سياسية قوية نجح الملك عبدالله في تمتينها مع مصر، والضفة الغربية والخليج العربي، وأميركا وأوروبا وروسيا، ودول آسيا وإسرائيل. بورصة الأسماء تتضمن رئيس وزراء أسبق على الأقل ووزراء من غير العاملين في الحكومة الحالية، بحسب مسؤولين. كل هذا في زمن يعاني الأردن من ضمور الطبقة السياسية التقليدية التي لم تساعد البلد على تعميق خيار الديموقراطية الموعودة منذ عام 1989 ومن"فقر في قائمة احتياط"رؤساء وزراء بين غالبية جربت خلال العقود الماضية وخرجت تاركة وراءها إرثاً من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. حصل هذا بينما فشل برنامج الإصلاح السياسي خلال العقدين الماضيين في تحويل ولاء الأردنيين لدولة قائمة على أسس المواطنة والحاكمية الرشيدة، وإعلام محترف ومساواة في الحقوق والواجبات بانتظار الحل النهائي للقضية الفلسطينية لحسم إشكالية ثنائية الهوية في مملكة نصف عدد سكانها من أصول فلسطينية. التغيير الوزاري الوشيك سيتزامن مع إكمال حكومة د. معروف البخيت الآتي من المؤسسة العسكرية عامها الثاني والتي تأرجحت خلالها وسط معادلة صعبة جداً بين متابعة ملف الإصلاحات الشاملة وعصرنة الدولة والحفاظ على الأمن بعدما ضرب إرهاب القاعدة ثلاثة فنادق في عمان يوم 9 تشرين الثاني 2005 وأقض مضاجع الأردنيين الذين لطالما تغنوا بأمن بلادهم واستقرارها في منطقة مضطربة. مبررات التغيير، بحسب مسؤولين وسياسيين، تكمن في"انتفاء أسباب بقاء الحكومة الحالية"بعدما ثبت فشلها في إدارة سلسلة من أزمات داخلية متلاحقة عكست في مجملها عدم استيعابها"الرؤيا التحديثية للملك عبدالله ومتطلبات تنفيذها"، فضلاً عن محدودية الخبرة في العمل العام وارتباك في أداء غالبية الوزارات مع انقسام الفريق الحكومي إلى كتل تغرد خارج السرب. ويشكل ملف الانتخابات التشريعية التي ستجرى في ظل اجواء متوترة بين الحكومة والتيار الاسلامي آخر ملف على اجندتها وسط خشية الجهات الرسمية من حالة عزوف واسعة عن المشاركة في الاقتراع داخل المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية بعد التأثير السلبي لتجربة الانتخابات البلدية قبل ثلاثة أشهر. وظلت علاقات الحكومة متوترة مع مجلس الأمة والصحافة منذ أن أوقف الرئيس الامتيازات المادية والمناصبية التي وهبها الى عدد كبير ممن سبقوه طمعاً براحة البال. وغابت أوجه كثيرة من انجازات الحكومة الحالية عن الرأي العام بسبب ضعف"ماكنتها"الإعلامية. كل ذلك وسطپتدني هيبة الدولة وانتقال التجاذب إلى العلن بين حكومة اللواء البخيت ومراكز أخرى لصناعة القرار حيال سرعة تنفيذ السياسات، وتداخل الصلاحيات، ما فتح الباب أمام أطراف كثيرة لإطلاق مواقف قائمة على قراءات شخصية أو التواري وراء القصر أو الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حفظ الأمن الداخلي والخارجي في أجواء سياسية مقلقة شرقاً وغرباً. وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت منذ تشكيل الحكومة تراجعاً مستمراً في شعبيتها وقدرتها على التعامل مع ملفات الفقر والبطالة والفساد التي تتصدر سلّم أولويات المواطنين، وإن تشابه الانحدار مع مصير الحكومات التي سبقتها منذ عام 1999. بالتزامن مع ذلك عبر عدد متزايد من كتاب زوايا الصحف الحكومية والمستقلة وأحزاب عن رغبتهم في إزاحة الحكومة، شأنهم شأن المعارضة بقيادة التيار الإسلامي الذي تسعى الدولة إلى تحجيم نفوذه بعد ستة عقود من المشاركة المتبادلة عقب صعود نجم الإسلام السياسي في دول المنطقة التي شهدت انتخابات تشريعية خلال السنوات الأربع الماضية. وعلى رغم سيل الانتقادات، سيسعى البخيت، بحسب مقربين منه، حتى آخر يوم إلى ترك إرث سياسي من خلال إصراره على إزالة الصورة السلبية التي تشكلت بعد الانتخابات البلدية وتنفيذ وعود الملك بإجراء انتخابات شفافة ونزيهة بمشاركة أكبر عدد ممكن من ال 2،5 مليون ناخب مسجل يحق لهم الانتخاب وعبر السماح لممثلين عن المجتمع المدني بمراقبة الانتخابات. على أن التشكيك الشعبي في نزاهة الانتخابات القادمة يبقى سيّد الموقف في غياب أي إجراءات رسمية لمنع تنقّل الأصوات بين الدوائر المختلفة أو إحالة"سماسرة شراء الأصوات"على المحاكم لمخالفتهم نصوص القانون. ستؤدي الحكومة الجديدة اليمين الدستورية أمام الملك عبدالله الثاني قبل أن يلتئم مجلس الأمّة في دورته الخامسة عشرة مطلع كانون الأول ديسمبر، وسط توافق بين المعلقين على أن تركيبة المجلس القادم لن تختلف من حيث الشكل أو المضمون عن سلفه بسبب استمرار العمل بقانون الصوت الواحد المتوقع أن يفرز ممثلي مناطق، وعشائر وعوائل وليس نواب وطن ومحاسبة وتشريع. ومن المتوقع عودة رموز معروفة لطالما شكلت مفاتيح في مجالس سابقة مثل رئيس المجلس الأسبق لأربع دورات متتالية عبدالهادي المجالي، الذي يطرح بقوة مشروعاً لخلق"التيار الوطني الأردني". كذلك ستعود وبقوة رموز نيابية من بينها سعد هايل السرور، وعبدالكريم الدغمي، رئيس الوزراء الأسبق وعبدالرؤوف الروابدة وممدوح العبادي، رئيس كتلة التجمع الديموقراطي النيابي. التيار الإسلامي سيحاول الحفاظ على حجم مشاركته السابقة 17 مقعداً من 110 مقاعد. وسيحاول أقطاب المجلس القديم/الجديد استمالة الوجوه الجديدة الأقل خبرة لتحصل بعدها الحكومة الجديدة على ثقة برلمانية قبل أن تنتهي فترة السماح التقليدية بمرور ال 100 يوم على تشكيل الحكومة، لتبدأ المناورات السياسية والمنافسات، الأمر الذي لن يساهم في التأسيس لإصلاحات سياسية تدريجية حقيقية وليست تجميلية بات الأردن يحتاجها. الثابت الآخر، بحسب المعلومات المتوافرة أن الحكومة الجديدة لن تكون حكومة برلمانية - أي لن يشارك فيها أي نائب لضمان عدم تداخل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية، وإن كانت ستضم في تركيبتها شخصيات تتوافق مع توزيعات البرلمان الجديد. الرئيس الجديد سيغرق في تفاصيل الهم الاقتصادي ? الاجتماعي -التنموي، بينما يشرف الملك على إدارة ملف السياسة الخارجية يسانده في ذلك مجلس السياسات الوطنية فيما تواصل دائرة الاستخبارات العمل على إدارة ملف الأمن وضمان الاستقرار. فتلك التوزيعات الواضحة، برأي أصحاب القرار، لا تعيب الإدارة الجديدة في الحكم التي لن تغير إستراتيجية عملها ضمن مفهوم يختلف عما عهده الأردنيون خلال العقود الخمسة السابقة من دون الانتقاص من دور الرئيس باعتبار ان له الولاية العامة على كل شؤون الدولة. وبحسب الدستور، فإن الملك يمارس سلطته من خلال وزرائه، وأوامره لا تعفي الوزراء من مسؤوليتهم. وفي الذاكرة أن رأس الدولة كان دائماً الفيصل الأخير سياسياً وأمنياً خلال العقود السابقة، وأن العلاقات بين غالبية رؤساء الوزارات ورؤساء الديوان الملكي لم تكن دائماً"سمناً على عسل"ولطالما استمرت الشكاوى من وجود وزراء ظل ومناكفات. لكن يظل لشخصية أي رئيس للوزراء دور اساسي في لعبة إدارة التناقضات. فاللعب في عالم السياسة له أصوله، والاختلاف في وجهات النظر شيء ايجابي شرط ان تظل ضمن الحدود المسموحة وبما يحمي مصالح البلاد والعباد بحسب سياسيين اردنيين. لكن ذلك يعني بحسب أحدهم أن المطلوب من الرئيس القادم ومن أعوان الملك أن يعملوا ضمن هوامش المساحة التي توفرها طبيعة مناصبهم، مع أظهار قدر أكبر من التناغم ووقف ما بدا لكثير من المعلقين خلال الشهور الماضية انه صراع حول النفوذ. فلكل منهم ما يقدمه في مجال اختصاصه لخدمة الأردن والأردنيين. التركيبة الجديدة للحكومة ستراعي التوزيع الجغرافي لأصول اعضائها. لكن المعيار الأساس سيكون كفاءة الأشخاص وقدرتهم على تنفيذ استراتيجيات 2007-2010 التي عليهم الموافقة عليها مسبقاً. البحث جار عن شخصيات قوية قادرة علىپنسج علاقات أفضل بين مفاصل الحكومة وبينها وبين مجلس الأمة والإعلام، من خلال حقائب شؤون الرئاسة ووزير دولة لشؤون الرئاسة، ووزير دولة للعلاقات مع البرلمان. وسيبقي على الأقل 10 وزراء على الأقل من أعضاء الفريق الحالي في الحكومة القادمة، اغلبهم ممن يحمل حقائب خدمية، واحد منهم على الأقل سيبقى على رأس وزارته السيادية لضمان استمرارية برامج نجحوا فيها. الرئيس الجديد، بحسب مصادر شبه رسمية، سيحتاج إلى مراجعة تجربة د. البخيت بحلوها وبمرها، ليستلهم الدروس والعبر. إذ إن الأردن لم يعد يحتمل المزيد من المواقف التي سمحت بتداخل الصلاحيات وأحياناً كثيرة بتناقضات مع استراتيجيات الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. ذلك بات من الضرورة الآن ومستقبلا خصوصاً أن الثقافة السياسية لا تزال بعيدة من مأسسة الإصلاحات السياسية المفترض أن تفضي يوماً ما إلى تداول حكومات برلمانية منتخبة وتهيئ الأرضية لتوافق مجتمعي حول هوية الأردن الجديد. أما الآن، فالمطلوب من الحكومة القادمة أن تعمل بسرعة على تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للأردنيين الذين يئنون تحت أزمات مزمنة كالبطالة والفقر وتآكل المداخيل، إضافة الى تنامي الفجوة على نحو مقلق بين ذوي الدخل المرتفع والمنخفض في تهديد واضح للأمن المجتمعي والتوازنات التقليدية. كذلك عليها تسريع وتيرة الاستثمارات وتعزيز شبكة أمان مجتمعي قادرة على حماية الفئات المهشمة والفقيرة بعد تراجع دور الدولة الرعوي وانهاء دعم المحروقات في بداية 2008. باختصار، ثمة حاجة إلى تحول اجتماعي اقتصادي تنموي داخلي سينعكس ايجاباً على أجواء الجبهة الداخلية المتوترة ويوفر مساحة لأصحاب الاختصاص لمواجهة التحدّيات الأكبر النابعة من تداخل الملفات السياسية/الأمنية الإقليمية والدولية في زمن يرتسم شرق أوسط جديد يتأرجح بين نفوذ إيران وأميركا على حساب العرب.