في عيني المعلوماتية، تُشبه الدول النامية أبناء العمومة الفقراء للدول الصناعية الأكثر غنى. وغالباً ما قبعت في القاطرة الأخيرة من مسار التطورات التكنولوجية والصناعية، بما فيها ثورة الكومبيوتر وال"هاي تيك". ومن رحم هذا التفاوت، وُلد الحديث عن"الهوة الرقمية"، التي تعتبر امتداداً للهوة الأصيلة بين الدول الغنية والدول الفقيرة. ومنذ فترة، تُبذل جهود متعددة لتغيير هذا الواقع في المجال المعلوماتي. ولعل مبادرة"المجتمع العالمي للمعلوماتية"وقممه، من المؤشرات المهمة الى تلك الجهود، التي تهدف الى وضع العالم الثالث وناسه في القلب من ركب التطور في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تقلّص الفجوة الرقمية يُشدّد تقرير صدر أخيراً عن"جمعية الاتصالات العالمية"International Telecommmunications Union عن تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عام 2006 أن الهوة الرقمية تضيق باستمرار، ما يؤشر الى نسبة من التقدم تحرزها الدول الفقيرة رقمياً. وتُظهر بيانات هذا التقرير تقلصاً في الفجوة بين الدول النامية والمتقدمة في ما يتعلق بخطوط الهواتف الثابتة والمشتركين في شبكات الهواتف المحمولة ومستخدمي شبكة الإنترنت. وشهد قطاع الهواتف المحمولة أقصى درجة من تقلص تلك الفجوة، إذ ارتفعت نسبة مستخدمي الخليوي في البلدان النامية من 3.7 في المئة من السكان عام 1994، الى 25 في المئة عام 2004. كما زادت نسبة المشتركين في خطوط الهواتف الثابتة في الدول النامية من 9 في المئة عام 1994 إلى 25 في المئة أيضاً عام 2004. وإذا أُخذ بالحسبان معدل النمو السريع للسكان في الدول النامية، فإن هذه الأرقام تصبح أكثر من مؤثرة. وفي نهاية عام 2004، قُدّرَ عدد مستخدمي الإنترنت عالمياً بنحو 840 مليون شخص، أي ما نسبته 13 في المئة من إجمالي عدد السكان، مع وجود أعلى معدل لذلك في أوروبا والأمريكيتين. وفي المقابل، لاحظ التقرير أن انتشار الإنترنت يتراجع نسبياً في آسيا وأفريقيا، وخصوصاً مقارنة بالمعدلات الغربية. ولذا، يتوقع بعض الخبراء ان تُساعد التكنولوجيا اللاسلكية، مثل شبكات"واي- فاي"Wi-Fi و"واي ماكس"WiMAX في تجسير تلك الهوّة، خصوصاً بالنسبة الأنترنت. ويميل التقرير نفسه الى نوع من الحذر من استمرار حال التباعد بين المجتمعين النامي والغني، بسبب التفاوت الهائل في مستويات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولا تعتبر مستويات النمو العالية في قطاع الهواتف المحمولة كافية بحد ذاتها لتعزيز الفرص الرقمية للجميع. واعتبر التقرير أن ميل بعض الدول النامية الى إعتبار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واحدة من السلع الأساسية، كما الحال مع الطاقة الكهربائية، ساعد في نموها إيجاباً. وتنظر تلك الدول الى المعلوماتية بمثابة تكنولوجيا للأغراض العامة، بمعنى أنها تنهض بالعلاقات الاقتصادية وتعزز الإنتاجية وتخلق خدمات وأسواقاً متوسعة. وأدت موجة من عمليات التحرير الاقتصادي والإصلاحات البنيوية، الى جعل منطقة الشرق الأوسط بمثابة وجهة استثمارية جذابة. كما ساعدت عوامل مثل الإبداع التكنولوجي والبنية التحتية المتطورة والسياسات الحكومية المتوافقة مع النشاطات التجارية والقوى العاملة التي تتمتع بالمرونة والمقدرة، في جذب المزيد من الاستثمارات الى منطقة الشرق الأوسط. الشركات ومبادراتها ولم تستطع الشركات الكبرى في المعلوماتية، مثل"مايكروسوفت"و"انتل"و"سيسكوسيستيمز"و"لينوكس"وغيرها، البقاء خارج الجهود المبذولة لتقليص الهوّة الرقمية في العالم الثالث. وتعطي مبادرة شركة"انتل"، عملاق صناعة الرقاقات الالكترونية، التي تحمل اسم"التحوّل الرقمي"، نموذجاً لجهود الشركات في تجسير الهوة الرقمية. وتتضمن تلك المبادرة برنامجاً يمتد لسنوات عدّة، يتعامل مع المجالات الاقتصادية والتعليمية والتكنولوجية في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تواصل فيه الحكومات التركيز على تطوير مجموعة المهارات العلمية والهندسية والتكنولوجية من أجل جذب الاستثمارات بطريقة أفضل، فإن برنامج"انتل"يعمل على توفير الدعم والمصادر بطريقة تساعد في تعميق التحوّل الرقمي على المستوى الإجتماعي. وكذلك يُساعد على توفير التقنيات الأكثر تقدماً في المعلومات والاتصالات، مثل الإنترنت اللاسلكية. * خبير في المعلوماتية في الشرق الأوسط