الصراع في لبنان يبيّن ان الحقيقة والحرب هما على شاكلة الزيت والماء، لا يمتزجان. فكل طرف من أطراف مأساة الشرق الأوسط يلجأ الى الكذب في الأخبار، والمغالطات التاريخية، لدعم قضيته. ولكن نادراً ما حاول أحد كتابة الماضي القريب بعد الواقعة. والوزراء الإسرائيليون، وأنصارهم، اعتبروا قصف لبنان"مسألة حياة أو موت". وكأن حرباً شاملة أعلنت على اسرائيل، فعمدت هذه الى وسائل الحرب الشاملة في دفاعها عن نفسها. ولو كانت هذه هي الحقيقة، لكان ردّها منطقياً. ولكن الأمر غير صحيح. وصاحب الأزمة استخدام انتقائي وغير ملائم لعبارة"ارهاب". والهدف واضح. ففي سياق حرب أميركا على الإرهاب، يسع أي طرف يخوض معركة ضد هذا"المفهوم المتنازع عليه"، الحصول على تفويض يخوله أن يفعل ما يحلو له. فسيّست العبارة، ولا نفع يرتجى منها في تحليل سياسي أو محاكمة أخلاقية. واتصل"حزب الله"بسلسلة من الهجمات الإرهابية التقليدية، مثل تفجيرات انتحارية ضد مدنيين، وخطف طائرة"تي دبيلو آي"الأميركية قبل 20 عاماً. وتفجير المركز اليهودي في عاصمة الأرجنتين عام 1994، ما ينفيه الحزب بشدة، وكانت المسؤولية عن الهجمات تلقى على عاتق"منظمة الأمن الخارجي"في"حزب الله". وهذه الوحدة تُشرف الاستخبارات الإيرانية، وليس الحزب نفسه، عليها. ووجهت مصادر استخباراتية التهمة عن بعض العمليات الى"حزب الدعوة"العراقي. وقيل انه أداة بيد طهران. ومن قياديي"حزب الدعوة"اليوم رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي. وهذا مصدق للقول:"ارهابيون اليوم رجال دولة غداً"، اذا ناسب الأمر الغرب. ولا يعفي هذا"حزب الله"من تهمة التخطيط لأعمال ارهابية. فإطلاق صواريخ"كاتيوشا"على بلدات ومستوطنات في اسرائيل يدخل في باب ارهاب المدنيين، ويستدعي الرد عليه. ولكن تهمة الإرهاب التي توجهها أميركا وإسرائيل الى"الحزب"وپ"حماس"، والى منظمات أخرى، تتخطى استهدافها غير المقاتلين. ففي التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية، يشار الى عمليات ضد"جيش الدفاع الإسرائيلي"، على أنها أمثلة على أعمال إرهابية. والقصد ليس القضاء على الإرهاب، على المعنى المتعارف، فحسب، بل شل أعمال المقاومة المشروعة. وفي ضوء القانون الدولي، لا شك في أن كثرة من أعمال"حزب الله"وپ"حماس"جرائم حرب موصوفة، ويجب معاقبتها. وأغضاء مكافحة الإرهاب عنها مرده الى ارتكاب الدول والمنظمات بعضها على حد سواء. عن ديفيد كلارك مستشار حكومي عمالي، "غارديان" البريطانية ، 31/7/2006