بات حصر السلطات الاستثنائية في أيدٍ قليلة هي نفسها، في عهد جورج دبليو بوش، أمراً لا ينكر. وللمرة الأولى، منذ أكثر من ثلاثين سنة، يتهدَّد الخطر البنيان الدستوري للحكومة. وتعود مطالبة الرئيس الأميركي، قائد القوات المسلحة، بسلطة استثنائية، الى 11 أيلول سبتمبر 2001. وسوّغت حال القلق التي خلّفتها الاعتداءات تسليم الأميركيين، وتوقعهم الحماية من الرئيس، وليس من أعضاء الكونغرس الپ535، ونجح في تحويل أنظارهم الى الرئاسة. وبناء على السلطة الاستثنائية هذه، وسع الرئيس أن يحتجز نحو 500"مقاتل عدو"في غوانتانامو، 10 منهم فقط اتهموا قضائياً بارتكاب جرائم. وتوسل بوش بالسلطة الواسعة نفسها الى التضييق على قوانين كان يسنها الكونغرس. وهو خسر بعض"معاركه"مع الهيئتين التشريعيتين. فأقر الكونغرس"قانون ماكاين"الذي يحظِّر تعذيب أسرى الحرب. وفي شباط فبراير المنصرم، نشرت منظمة"مشروع الدستور""كونستيتيوشن بروجكت" بواشنطن، مذكرة احتجاج ضمنتها قلقها العميق من الأخطار المترتبة على تمكين الرئيس من سلطة غير مقيدة ولا سبيل الى مراجعتها. وسند الرئيس بوش في طلبه سلطات استثنائية هو"الحرب على الإرهاب". وهذه الحرب مشرعة ولا يحدها وقت. وعليه، فالسلطات الاستثنائية التي تعود الى قائد القوات المسلحة الأعلى، أي الى الرئيس، لا يحدها وقت كذلك، ولا تقتصر على دائرة من دوائر التشريع. فاتضح أن برنامج التنصّت لوكالة الأمن القومي ينتهك التعديل الرابع للدستور، وينتهك تالياً أمن المواطنين وسلامتهم. وسعت إدارة بوش، شأن إدارات سابقة، في تعيين قضاة في المحكمة العليا يماشون رأي الرئيس وأحكامه. ولكن بوش لم يقنع بالمماشاة العامة، فأفلح في استمالة الحزب الجمهوري الى قضاة وهدَّد مسؤولو وزارة العدل كبار الموظفين الاداريين بملاحقة مسربي المعلومات ومذيعيها، وحائزي معلومات سرية ولو لم يكشفوها، قضائياً، وقد يلاحق الصحافيون اذا كشفوا معلومات سرية. فلماذا يمتنع أعضاء الكونغرس من جبه تعدي السلطة التنفيذية على سلطتهم الدستورية، يعرف الجمهوريون أن تردي تأييد الرئيس يلحق بهم الضرر في انتخابات الخريف المقبل. ويبقى الرئيس جابياً جيداً لأموال التبرعات. ويمتثل الجمهوريون، من وجه آخر، الى هرم مراتب أكثر صرامة من ذاك الذي يجمع الديموقراطيين. ويتصدر الرئيس، بديهة، الهرم الجمهوري. وتمويل الجمهوريين"ينزل"عليهم من علٍ، على خلاف الديموقراطيين. وقد يحمل هبوط شعبية بوش الجمهوريين الى الاستقلال عنه، على ما حصل في قضية إدارة دبي موانئ أميركية، بعد كلام الإدارة على الأمن. فأثار صنيع بوش حفيظة الأميركيين، وسارع الكونغرس الى فسخ العقد. وخلص كثير من الجمهوريين الى أن الديموقراطيين يتوسلون بمسائل كهذه الى أغراض انتخابية. والحق أن أعضاء الكونغرس الذين في وسعهم حماية مؤسستهم، والنظر الى أبعد من اهتماماتهم الضيقة، وهؤلاء يعارضون تجاوز بوش السلطة التشريعية، تقاعدوا ولم يخلفهم أمثالهم. عن أليزابيث درو كاتبة "نيويورك ريفيو أوف بوكس"الأميركية، 6/2006