صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلثاء الماضي أمام رجال أعمال أجانب يحضرون ملتقى سان بطرسبورغ الاقتصادي، بأن حكومته ستواصل احتكارها لصادرات الغاز الطبيعي من خلال الشركة الحكومية"غازبروم"، وستسمح بمشاركة محدودة وفي مجالات معينة للشركات الأجنبية في قطاع النفط والغاز، وبإشراف أكبر من قبل الحكومة الروسية. وأثارت تصريحات بوتين تساؤلات عدة في الأوساط السياسية والاقتصادية الأجنبية، خصوصاً لدى الشركات الكبرى المتعددة الجنسية التي تطمح في الاستثمار في قطاع الطاقة الروسي الضخم. والسؤال الأساسي هو: هل يقوم الرئيس بوتين بالمناورة وفتل العضلات قبيل اجتماع مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى في سان بطرسبورغ خلال الفترة 15 إلى 17 تموز يوليو المقبل، للحصول على تنازلات استثمارية مهمة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة قبل أن يقدم لهم شيئاً ثميناً بالمقابل، أم أن تصريحات بوتين هي جزء من سياسة طاقوية قومية جديدة بدأت تتضح ملامحها أكثر وأكثر بعد تفكيك شركة"يوكوس"؟ كما تأتي تصريحات بوتين الأسبوع الماضي وسط انتقادات متزايدة من دول الاتحاد الأوروبي التي تعي أن موسكو تسعى للسيطرة شكل كامل على بعض قطاعات الطاقة، فضلاً عن إمكان استعمالها صادرات الطاقة كسلاح سياسي. والمعروف أن روسيا توّفر ربع الغاز الأوروبي وتشكل ثاني أكبر مصدر إمدادات نفطية إلى أوروبا. فبالنسبة إلى السياسة النفطية الروسية، لا تزال تجربة شركة"يوكوس"وما حلّ بها وبرئيسها ميخائيل خودركوفسكي، الذي صدر في حقه حكم بالسجن لمدة ثماني سنوات على خلفية اتهامه والشركة بالاحتيال والتهرب الضريبي، عالقاً في أذهان الأوروبيين. والأهم من ذلك، هو كيفية تفكيك الشركة واستيلاء شركة"روسنفت"على غالبية أصولها. وما يزعج الأوروبيين أكثر من أي شيء آخر هو سيطرة الكرملين الكاملة على إدارة الشركة، من خلال تعيين مستشار الرئيس الروسي ورئيس هيئة العاملين في الكرملين إيغور سيشين رئيساً لمجلس إدارتها. وقفزت الشركة، نتيجة للدعم الذي تحصل عليه، من المركز السابع بين الشركات النفطية الروسية إلى الثاني في أقل من عامين. كما يبلغ إنتاجها 70 مليون طن سنوياً من النفط الخام وصافي أرباحها نحو أربعة بلايين دولار. ويتوقع أن يتم طرح أولي لجزء من أسهم"روسنفت"في سوق لندن المالية قريباً. وتقدر المبالغ التي ستجنيها الشركة من بيع نحو 20 في المئة من أصولها نحو ثمانية بلايين دولار. أما في ما يتعلق بالسياسة، فالدول الأوروبية، ومنذ بداية هذه السنة، في حملة مستمرة ضد موسكو بسبب وقفها ضخ الغاز الطبيعي، ولو لبضع ساعات، ومن دون أي تأثير يذكر على دول الاتحاد الأوروبي، بسبب خلاف على السعر مع أوكرانيا. واعتبر الاتحاد الأوروبي، في ورقة استراتيجية مهمة، أن هناك أزمة ثقة مع روسيا، وانه يتوجب التحرك على مستويات ديبلوماسية عدة وربط السياسة الخارجية للاتحاد بسياسته الطاقوية لمواجهة روسيا. وفي الوقت الذي يشير الاتحاد إلى التجارب المرة التي عانتها الشركات الأوروبية النفطية أخيراً في محاولتها الاستثمار في روسيا، والعراقيل التي تواجهها، ترد موسكو أنها لا يمكن أن تفتح الأبواب على مصراعيها للاستثمار في أراضيها في شكل مطلق وفي الوقت نفسه تجد شركاتها صعوبة بالغة في الاستثمار في الأقطار الأوروبية نفسها. وخير مثال على ذلك رفض السلطات البريطانية شراء"غازبروم"شركة الغاز البريطانية"سنتركا". إن الموضوع الأساس الذي تطرحه إدارة بوتين، والذي يجد أصداءً دولية، أوسع وأهم بكثير من شعار"القومية الجديدة"في أميركا اللاتينية الذي يطرحه كل من الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز والبوليفي إيفو موراليس، وفحواه تغيير نصوص بعض الاتفاقات هنا أو هناك، أو تأميم بعض المصالح الأجنبية الصغيرة الحجم نسبياً مقارنةً بما هو متوافر من موارد طاقوية في روسيا. إن الشعار الروسي المطروح، عبر تصريحات الوزراء وكبار المسؤولين في الكرملين، هو أن الأمر لا يتعلق بغلق الأبواب أمام الشركات الدولية، بل التأكد من أن إدارة المشاريع النفطية والغازية الكبرى تبقى مملوكة من الأيادي الوطنية وتحت سيطرتها وليس من الأجانب. ويقول وزير الموارد الطبيعية يوري تروتنيف:"هذا ليس غروراً. إنه اهتمام باقتصادنا الوطني". وستتضح معالم الصراع بين موسكو والعواصم الغربية عندما يصوت الدوما قريباً على مشروع قانون"ملكية الموارد الطبيعية تحت الأرض". فبنود هذا القانون المقترح تنص على إبعاد الشركات التي يمتلك فيها الأجانب حصة أكثر من 49 في المئة عن تطوير حقول نفطية أو غازية تعتبر"استراتيجية". وتم تعريف"استراتيجية"في شكل مطاطي بحيث تشمل أهم المناطق الجيولوجية في البلاد. إن الصراع على ملكية الموارد الطبيعية، والنفط والغاز بالذات، هو جزء أساس من التنافس الدولي الجاري هذه الأيام بين الدول الكبرى، خصوصاً بعد أن تبين أن الطلب في ازدياد مع ولوج الصين والهند اقتصادات الدول الناشئة، وما تبين من محدودية الكلام عن توافر احتياطات ضخمة خارج دول"أوبك". وما الارتفاع المستمر لأسعار النفط إلا دليل واضح على أهمية هذه الموارد وضراوة الصراع عليها مستقبلاً.