التنمية معادلة دقيقة اهم مدخلاتها اعداد الطاقات البشرية بكل ما ينطوي عليه الاعداد من معاني تحسين المعيشة ومفاهيمها، وتوفير الخدمات الصحية والتعليم الجيد، الذي يرفع تطلعات افراد المجتمع. واذا احسن توظيف هذه المدخلات فإنها تدفع التنمية البشرية نحو بلوغ غايتها وتحقيق التغيير الذي ينقل المجتمع من طور التخلف ومن العيش في اسر قيود المرض والجهل والفقر الى رحاب المستقبل. ولكن لدينا قناعة ظلت تترسخ على مر الايام خصوصاً بعدما أسسنا برنامج الخليج العربي اجفند عام 1980، بتأييد قادة دول الخليج العربية ودعمهم. وملخص هذه القناعة ان التنمية تحتاج الى الافكار والمبادرات اكثر ما تحتاج الى المال. صحيح ان المال عنصر اساس للتنمية واقامة المشاريع، غير ان المال لا يتحرك ذاتياً، وبالتالي يفقد جدواه اذا لم يستخدم في ما يفيد الناس ويلبي احتياجاتهم التي تنبثق من واقعهم. فما الجدوى اذا لم يؤمن المال للتنمية الحقيقية التي تعنى بابسط مفاهيمه واعمقها التغيير الايجابي، الذي يؤدي الى توسيع الخيارات امام الناس وتمكينهم من التوافق مع محيطهم والتعاطي معه بكفاية من خلال الحصول على الفرص التي تفتح امامهم آفاق التغيير في انماط الحياة ووسائلها. من هنا ان التحدي امام القادة هو"جعل التغيير صديقاً وليس عدواً". وما يحقق هذا المفهوم ويشيع ثقافته بين قطاعات المجتمع وشرائحه ليس المال فقط، ولكن في الاساس الافكار الخلاقة المبدعة التي تتحسس احتياجات الناس وتلبيها بكفاية وبطريقة بسيطة، من دون اهدار المال والوقت. والتنمية وفق هذا المفهوم تتخذ من الناس، على تباين شرائحهم وفئاتهم وطبقاتهم، هدفاً ووسيلة في الوقت نفسه لتحقيق التغيير المرتجى، من منطلق ان هذه المهمة تضامنية وتشاركية لا يقوم بعبئها الحكومات فقط، بل المجتمع بمختلف تشكيلاته. وبناء على هذا المفهوم، فإن"أجفند"يختلف عن الكثير من المنظمات الانمائية الاخرى، لجهة تركيزه وتصميمه على استعمال كل الموارد، التي يمكن تعبئتها لتقديم اقصى المنافع للمستفيدين باقل قدر من الموارد. ولذا ادت اتفاقات التعاون الكثيف مع منظمات الاممالمتحدة وهيئاتها التي ابدت تقديرها لهذا الاسلوب الى نتائج ايجابية كبيرة خلال 25 عاماً منذ التأسيس. لقد عقدنا العزم على تركيز الاهتمام بمشاريع اجتماعية وذات بعد انساني في الدول الفقيرة تستهدف السكان الاشد فقراً، ولاقى هذا النهج قبولاً لدى الاوساط المهتمة بالتنمية لأنه يشكل جوهر التنمية البشرية. والمنظمات التنموية تنظر الآن الى توفير الاحتياجات التنموية للنساء والاطفال خصوصاً، سواء كان ذلك من الناحية الصحية او التعليمية، على انه يعد المجال الرئيس الذي يجب ان يلقى الاهتمام والرعاية اذا ما كان يراد تحقيق التنمية فعلاً. من اراد ان يستشرف مستقبل امة من الامم فعليه بالطفولة. ولأن الاطفال هم لبنات كل مجتمع ورصيده، فإن واقع الطفل وطموحات التنشئة خير ما ينبىء عن الاوضاع المستقبلية لمجتمع ما. ولذلك يوجه"أجفند"اهتماماً نوعياً للطفولة. فالمجلس العربي للطفولة والتنمية، احدى المؤسسات التنموية المتخصصة التي أنشأها"أجفند"، أوجد توجهاً جديداً يعنى ببرامج التنمية العربية الموجهة لسد احتياجات الطفولة من خلال البحوث والدراسات العلمية، والتنسيق بين القطاعات المعنية بشؤون الطفولة، ووضع القواسم المشتركة حول ما يجعل الطفل العربي عنصراً رئيساً في خطط التنمية ويسهم مستقبلاً في شكل ايجابي في تقدم مجتمعه. وهناك المشاريع القومية على مستوى العالم العربي التي يمولها"أجفند"ويقودها بمبادرات تنموية مثل مشروع"رياض الاطفال"الذي يتبناه ضمن استراتيجية تنمية الطفولة المبكرة، وينفذ الآن في تسع دول عربية. وكذلك مشروع"اطفال الشوارع"الذي تستفيد منه اربع دول عربية تعاني من تفاقم هذه الظاهرة فيها. بين التنمية البشرية المستدامة ومستوى الرعاية الصحية علاقة طردية ومتداخلة لا تفصم عراها. ففي حين تمثل الصحة اهم القطاعات التي تستهدفها التنمية، هي من جانب آخر تعد من اهم ركائز التنمية ودعائمها. وهناك حقيقة ملموسة هي ان من هم أوفر حظاً في الصحة والتعليم يتمتعون بالقدرة عل انتقاء خيارات افضل لاغناء حياتهم. من هنا، فإن السعي الى توفير الرعاية الصحية، وتوسيع مظلتها لتستوعب المجتمع بشرائحه المختلفة، هو من المقاييس الفارقة في تقدم المجتمعات. ولذلك ظللنا في"أجفند"نولي التنمية الصحية الاهتمام الذي يليق بهذا القطاع ودوره الحيوي بل المحوري في التنمية. وقناعتنا ان الصحة مطلوبة، ليس فقط في انتشارها وامتدادها الافقي بما يتيح ديموقراطية الخدمة الصحية وسهولة وصولها الى السواد الاعظم من افراد المجتمع. ولكنها مطلوبة ايضاً في نوعيتها ونموها الرأسي، بما يعني الجودة التي تتحقق من خلال تأهيل الطاقات البشرية وتدريبها في مختلف تخصصات المهن الصحية الاساسية والمساعدة. وهذه الرؤية للخدمة الصحية وضروراتها حاضرة في توجهات"أجفند"لجهة المساهمة في دعم وتمويل المشاريع التي تهدف، في المدى القصير، الى تعميم خدمات الرعاية الصحية الاولية، ونشر الثقافة الصحية في المجتمعات النامية عموماً، وفي المجتمعات العربية خصوصاً. ويسعى"أجفند"الى تحقيق اهداف استراتيجية بعيدة المدى عبر المساعدة في صنع السياسات والخطط الصحية في المجتمعات العربية من خلال التواصل التنموي مع مراكز القرار الصحي وعبر تبني مشاريع كبرى، مثل مشروع صحة الاسرة العربية، الذي يوفر بيانات تفصيلية عن المؤشرات الصحية لافراد الاسرة. كما يحقق جملة من الفوائد ويضع في مقدمها صورة واضحة امام جهات التخطيط والتنفيذ. ومن المنطلق نفسه، الذي يعنى ببعث الفكر التنموي المبدع ونشره على اوسع نطاق، وحفز التغيير الايجابي وقيم المشاركة في المسؤولية، تبنى"أجفند"اربع مؤسسات واطر تنموية اخرى الى جانب المجلس العربي للطفولة والتنمية وهي: - مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث كوتر مقره تونس. أسس"أجفند"هذا المركز بشراكة دولية ليكون مؤسسة اقليمية متخصصة في النوع الاجتماعي وتصحيح القصور في المعادلة المجتمعية تجاه المرأة واحتياجاتها الاساسية وقضاياها وحقوقها. ويعمل المركز على تعزيز القيم والمفاهيم الايجابية التي يدعو اليها الدين لانصاف المرأة وتمكينها من حقوقها المشروعة. وبات المركز مرجعاً استشارياً مهماً، وهو معتمد عالمياً من منظمات دولية وعالمية ولدى الحكومات العربية. - الشبكة العربية للمنظمات الاهلية، التي ينضوي تحت لوائها اكثر من 754 جمعية اهلية. وتحدث الشبكة بدورها في نشر الثقافة التنموية في اوساط المجتمع المدني نقلة في توجهات هذه المؤسسات من ممارسة العمل الانساني الخيري باسلوب تقليدي الى سلوك تنموي يحدث تغييرات جوهرية في سلوك الشرائح المجتمعية التي تتوجه اليها. - بنك الفقراء، وهو يعكس انفتاح"أجفند"على التجارب الناجحة. - الجامعة العربية المفتوحة مقرها الكويت ولها فروع في ست دول عربية، تسهم في الرقي بالتعليم العالي في العالم العربي من خلال نمط التعليم عن بعد الذي يستفيد من تقنية المعلومات. وهي بتوجهها غير الربحي تشكل امتداداً لسياسات"أجفند"في تمكين الانسان العربي من حقه في التعليم المنخفض الكلفة. - جائزة برنامج الخليج العربي العالمية للمشاريع التنموية. ما يبعث على الرضى ان"أجفند"واكب التغييرات التي شهدها العالم واثرت في الحراك التنموي، فتأقلم معها وتطور فكراً ورسالة وآليات عمل، وأصبح له مكانته بين مؤسسات العون العربي والمنظمات الاممية والدولية والاقليمية. ونحتفل اليوم بمرور 25 سنة على التأسيس، ونحن اقوى عزماً على العمل على هدي القيم الانسانية والتنموية التي آمنا بها، بتضامن مع صندوق الاوبك للتنمية الدولية والمؤسسات والصناديق العربية الوطنية والاقليمية، والتعاون والتنسيق الدولي والاقليمي والقطري، لاعادة الاعتبار الى ارادة المحرومين والفئات والشرائح الاكثر حاجة في المجتمعات النامية، وتعزيز العمل التطوعي، ودعم منظمات المجتمع المدني وزيادة الثقة فيها لتستعيد دورها الغائب او المغيب في تنمية المجتمعات العربية وتقدمها. وينبغي ان يكون ذلك نقاط ارتكاز المعنيين في شأن التنمية البشرية، من حكومات وقطاع خاص وقطاع اهلي ومنظمات للوفاء بمتطلبات تحقيق الاهداف التنموية للالفية. الأمير طلال بن عبد العزيز * رئيس برنامج الخليج العربي لدعم المنظمات الانمائية التابعة للأمم المتحدة