شهدت السنوات العشر الأخيرة ما يمكن وصفه بثورة إعلامية عربية سواء من حيث الكم والكيف، والشكل والمضمون، حيث برزت عشرات، إن لم نقل مئات محطات البث الإذاعي والتلفزيوني، وصدرت عشرات، وربما مئات الصحف والمجلات الرسمية والخاصة، وتوزعت الاختصاصات والاهتمامات على كل مناحي الحياة العربية المعاصرة والتراثية: الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والتعليمية، بحيث أصبح المواطن العربي يعيش في لجج إعلامية صاخبة ومضطربة تتقاذفه متى وحيث تشاء الى ما لا نهاية. وما تزال هذه الثورة مفتوحة على تفريخ المزيد من وسائل البث التلفزيوني والإذاعي باتجاه المواطن لتشكل له مظلة عقلية وبصرية وسمعية تحميه وتحول دون وصول مؤثرات غريبة إليه تحرفه عن السلوك القويم. مع انطلاق هذه الثورة واستمرار تدفقها بوتائر متسارعة، تزداد بالوتائر نفسها أعداد الإعلاميين العرب المؤسف أن اتحاد الصحافيين العرب لا يملك أرقاماً دقيقة عن أعداد هؤلاء الإعلاميين، وكذلك الحال بالنسبة الى الاتحادات والروابط الصحافية في كل بلد عربي، بحيث تبدو كليات الإعلام والصحافة في الجامعات العربية وكأنها توشك أن تصاب بالعجز عن تأمين الكوادر المطلوبة سنوياً لرفد هذه الثورة بالخريجين الأكفاء القادرين على التعايش معها وتلبية متطلباتها في تطورها العاصف. عانى خريجو هذه الكليات في السابق من البطالة شبه الكاملة، فالسوق الإعلامية الرسمية، وحتى الخاصة، لم تكن تتسع لاستيعاب أفواج الخريجين نظراً الى محدوديتها ولآليات التوظيف فيها. ويعاني خريجوها حالياً ليس من ضيق سوق العمل بقدر ما يعانون من تخلف المعارف والمهارات النظرية والعملية عن مواكبة متطلبات الثورة الإعلامية وجديدها. فهذه الكليات، وربما لكونها كليات جامعات رسمية، اعتادت على انتاج ما كان مطلوباً منها سابقاً لرفد الإعلام الرسمي بالكادر المناسب، تدرس مناهج ونظريات قديمة بأساتذة قدماء. والمؤسف أن غالبية أساتذة بعض هذه الكليات هم من خريجي كليات دول أوروبا الشرقية ولا يجيدون اللغة الانكليزية أو الفرنسية ليكون بمقدورهم متابعة تطورات هذه الثورة من مصادرها. وتكشف الحوارات مع هؤلاء ومع تلامذتهم المتخرجين وحتى مع أعداد كبيرة من الإعلاميين في مؤسساتهم المختلفة عن ضحالة مزرية في الثقافة الإعلامية. فمن يتخرج من كلية الإعلام ويجد عملاً في مؤسسة إعلامية، ينشغل أولاً بأداء العمل الموكل إليه في المؤسسة وتحسين دخله المادي وأحواله المعيشية، وقلما يتابع الاهتمام بتطور الثقافة الإعلامية نظرية وممارسة، ربما لأن المؤسسة التي يعمل بها قلما تحثه أو تشجعه أو تساعده على ذلك. على رغم توفر كم كبير من كليات الإعلام ومعاهد ومراكز التدريب والتأهيل الإعلامي، وعلى رغم توافر كم هائل من الخريجين والإعلاميين العاملين، فإن التساؤل عن ضآلة الثقافة الإعلامية عند الإعلاميين وندرتها عند غيرهم أمر مشروع وملح، باعتبار أن توفر هذه الثقافة هو المقدمة الضرورية لانتاج ثقافة إعلامية عربية، وبالتالي الاسهام الفاعل في الثقافة الإعلامية العالمية. ولكن هل يمكننا الحصول على هكذا ثقافة ونحن نفتقر الى مكتبة إعلامية عربية؟ إذ لو شئنا احصاء عدد الكتب المؤلفة عربياً وتلك المترجمة الى العربية، ومعها الكتب التي يتم تدريسها في كليات الإعلام، لن يستغرق ذلك منّا وقتاً طويلاً. والمحزن أن أكثر مؤسساتنا الإعلامية تفتقر هي الأخرى الى مكتبات إعلامية، وتفتقر حتى الى دراسات وكراسات إعلامية خاصة بها كمؤسسات. ربما كان السبيل الأسهل والأقرب والأسرع لنشر هذه الثقافة وجعلها في متناول الإعلاميين وسواهم يتمثل أولاً في تخصيص الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية صفحات لأحدث ما في الثقافة الإعلامية النظرية أو التطبيقية، وثانياً اصدار مجلات شهرية أو فصلية متخصصة في الشؤون الإعلامية، وثالثاً تأسيس مراكز دراسات وأبحاث إعلامية مهمتها نشر الكتب والموسوعات الإعلامية. * كاتب فلسطيني