استقرت المشاورات التي أجريت في اليومين الأخيرين، استعداداً لمعاودة مؤتمر الحوار الوطني اللبناني أعماله في جلسة مسائية تعقد اليوم، على قناعة المؤتمرين بضرورة استمرار الحوار بصرف النظر عن عدم توافقهم على مخرج دستوري - سياسي لتجاوز أزمة رئاسة الجمهورية من خلال تحضير الأجواء لانتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس الحالي اميل لحود. وإذ يتوجه المؤتمرون اليوم الى ساحة النجمة مسبوقين بتعذر الاتفاق على حل لأزمة رئاسة الجمهورية فإنهم في المقابل لن يستجيبوا لبعض الرغبات من خارج المؤتمر بتعليق جلسات الحوار. وفي هذا السياق قالت مصادر مقربة من قيادات بارزة مشاركة في الحوار ل"الحياة"أن الاتصالات تمحورت في الساعات الاخيرة حول تضييق رقعة الانقسام الناجم عن الاختلاف حول أزمة رئاسة الجمهورية والتخفيف من أضراره السياسية على البلد من دون أن يعني ذلك ان هناك صعوبة في العودة لاحقاً الى ملف الرئاسة عندما تسمح الظروف بذلك انطلاقاً من ان لحود باق في سدة الرئاسة الاولى حتى إشعار آخر ليس بالضرورة موعد انتهاء ولايته الممدد لها. واعترفت هذه المصادر بأن قوى 14 آذار حققت تراجعاً على صعيد ملف الرئاسة، لمصلحة بقاء لحود، لكنها رأت ان ذلك لا يعني تثبيته في موقعه بمقدار ما ان دمشق نجحت في رفع"سعره السياسي"على أمل مبادرة الدول العربية المهتمة بالوضع اللبناني الى طلب مباشر من المجتمع الدولي لمناقشة مصير رئيس الجمهورية في محاولة للتوصل الى تسوية يبدو ان الحديث مستحيل فيها قبل جلاء نتائج التحقيق، أو على الاقل أبرز العناوين الواردة فيه، في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكشفت المصادر عن محاولات كانت تتحضر القيادة المصرية للقيام بها باتجاه سورية، لكنها توقفت في اللحظة الاخيرة في ضوء ما توافر من معلومات عن أن الرئيس المصري حسني مبارك ارتأى تأجيل زيارته لدمشق التي كانت مقررة قبل استقباله الرئيس الفرنسي جاك شيراك في القاهرة. وبحسب هذه المعلومات فقد تقرر من حيث المبدأ الاستعاضة عن زيارة مبارك لدمشق بزيارة يقوم بها الرئيس السوري بشار الاسد للقاهرة، الا ان المسؤولين المصريين طلبوا بعض التريث وتمنوا تأخير الزيارة اذا لم يكن من نتائجها تحقيق التقدم المطلوب بالنسبة الى تحضير المناخ لزيارة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة لدمشق للبحث مع القيادة السورية في تطبيع العلاقات بين البلدين على قاعدة ما أجمع عليه مؤتمر الحوار في هذا الخصوص. لذلك فإن الأطراف الأساسيين في الحوار رأوا في ضوء تقويمهم للسلبيات المترتبة على تعليق الاجتماعات أن لا مصلحة لهم في نعي الحوار أو في تقديم رأسه على طبق من ذهب للأطراف المتضررين من دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى الحوار الذي باشر جلساته المتقطعة منذ 2 آذار مارس الماضي. واعتبر معظم الاطراف، كما تقول المصادر ل"الحياة"بأن البديل من تعليق جلسات الحوار سيكون جر البلد الى جولات من الفوضى السياسية التي يمكن ان تتجاوز تعليق الحوار الى تهديد مصير الحكومة، وهما مطلبان اساسيان يتولى بعض حلفاء سورية في لبنان ترويجهما. وتوقف هؤلاء الاطراف أمام التمايز القائم حالياً بين"حزب الله"وحركة"أمل"من جهة وبين حلفاء سورية الآخرين ومن خلالهم القيادة السورية، وقالوا انه يكمن في أمرين: عدم ترحيب دمشق ببدء الحوار الوطني ورفضها ادراج تحديد أو ترسيم الحدود بين البلدين وسلاح المقاومة على الطاولة واصرار التحالف الشيعي على البقاء في الحكومة وعدم موافقته على تطييرها في مقابل الالتفات الى الشأن الاقتصادي والاجتماعي لمعالجة المشكلات التي يشكو منها السواد الاعظم من اللبنانيين. ورأت ان الحديث عن التمايز بين الحزب والحركة من ناحية ودمشق من ناحية ثانية لا يأتي من باب الايقاع بين الاخيرة وحليفين اساسيين لها في الساحة اللبنانية وانما من زاوية ان الوقائع السياسية تؤكد أن القيادة السورية توجهت من خلال زوارها باللوم من التحالف الشيعي على قراره الرامي الى الانخراط في الحوار من دون التنسيق معها في جدول اعماله. وأكد هؤلاء الاطراف ان بعض حلفاء سورية الذين يستعدون للاعلان عن جبهة سياسية معارضة سيكونون اقرب الى وجهة النظر السورية الرسمية حيال الحوار من الحزب والحركة اللذين لا يتنكران لتحالفهما مع دمشق لكنهما يرفضان التعاطي معهما وكأنهما ملحقان بها ولا يحق لهما ابداء الرأي أو حتى الاعتراض على بعض الممارسات. كما ان التمايز بين التحالف الشيعي ودمشق لا يلغي أبداً المآخذ التي يسجلها هذا التحالف على ابرز القيادات في قوى 14 آذار وتحميلها مسؤولية استمرارها في شن الحملات الاعلامية والسياسية ضد النظام السوري التي ما زالت تحول دون تحضير الاجواء للبدء في مناقشة القضايا العالقة بين البلدين. وبالنسبة الى التوقعات للنتائج التي ستسفر عنها جلسة الحوار اليوم، أكدت المصادر أن هناك ارادة لدى معظم المؤتمرين بالانتقال الى البند المتعلق بوضع استراتيجية دفاعية للبنان وان لا مشكلة في مناقشته فور اعلان بري لتعثر الاتفاق على موضوع رئاسة الجمهورية. وأضافت ان من غير الجائز تجميد اعمال الحوار بسبب الاختلاف على رئاسة الجمهورية، مشيرة الى ان البنود التي اجمع عليها المؤتمرون في الجلسات السابقة كانت احتاجت الى ساعات من النقاش قبل التوافق عليها وبالتالي ليست هناك مشكلة في فسح المجال أمام مزيد من التشاور حول بند الاستراتيجية الدفاعية، اضافة الى ان استمرار الحوار قد يفسح المجال مجدداً للعودة الى البند الخاص برئاسة الجمهورية اذا ما سمحت الظروف السياسية المستجدة بذلك. وأكدت المصادر أن رئيس كتلة"المستقبل"النائب سعد الحريري على توافق مع الرئيس بري والأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصرالله على ضرورة استمرار الحوار والسعي ما امكن من أجل لملمة ما حصل من تراكمات سياسية منذ الجلسة الاخيرة للحوار حتى اليوم. وأوضحت ان القادة الثلاثة أجمعوا من خلال الاتصالات المباشرة أو الجانبية بينهم في اليومين الاخيرين على ضرورة امتصاص اجواء الاحتقان انطلاقاً من أهمية التمسك بالحوار واعطاء المزيد من الفرص لقطع الطريق على المراهنين على تعليق اعماله. وكشفت أن المشاورات بين بري ونصرالله والحريري تلازمت مع اتصالات اجرتها قيادة الحزب بزعيم"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون وأخرى مماثلة تولاها الحريري بقادة قوى 14 آذار علماً ان قنوات الاتصال بين بري ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط لم تتوقف وتحديداً بواسطة وزير الاعلام غازي العريضي. وأشارت المصادر الى رغبة المؤتمرين بالتخفيف من التداعيات السياسية للتراشق الحاصل وتحديداً بين الحريري وعون الذي بادر الى فتح المعركة عندما اتهم الحريري بأنه غير ناضج سياسياً وبأنه يمارس شيئاً من الديكتاتورية في تعاطيه السياسي، مؤكدة ان الحريري، وكما ينقل عنه زواره، لن يبادر الى طرح السجال على طاولة الحوار وانه قرر ان يتصرف وكأن ما حصل اصبح وراء ظهره وان ما يهمه استمرار الحوار وتثبيت ما أجمع عليه المؤتمرون في شأن تحديد الحدود بين لبنان وسورية واقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين وجمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومعالجته في داخلها لا سيما وان مهلة 6 اشهر التي اعطاها الحوار لإنهاء ملف هذا السلاح كافية للتوصل الى حل مع الفلسطينيين خصوصاً وان المؤتمرين أجمعوا عليه وان بري قال في إحدى الجلسات:"سأنزل بنفسي الى الشارع وأطالب بجمع السلاح في حال انقضت المهلة وبقي هذا الملف عالقاً".