وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد، أخذته العزة بالإثم، فهو لم تعجبه الرسالة فهاجم الرسول، ولو استطاع لقتله. الوزير ردّ على حملات الإعلام الاميركي قبل غيره عن ممارسة الولاياتالمتحدة التعذيب، وعن دسّها اخباراً مزورة بأجر مدفوع في الصحف العراقية، بمهاجمة الاعلام الاميركي لانتقاده تزوير الادارة والوزارة الحقيقة، فمنذ قال الرئيس بوش في اول أيار مايو 2003 ان"المهمة أكملت"ولا يزال اركان الادارة يصرون على انهم انتصروا في العراق فيما الحفرة التي حفروها لأنفسهم تزداد عمقاً واتساعاً. ورامسفيلد لا يستطيع مع الصحافيين الاميركيين ان يحاول القتل كما فعل مع مراسلي"الجزيرة"و"العربية"وغيرهم. بالنسبة الى رامسفيلد المشكلة ليست استمرار المقاومة والارهاب في العراق، وانما هي"ان اعداءنا اتقنوا بمهارة خوض الحروب في عصر الميديا إلا أننا كبلاد وحكومة قصرنا". وهكذا فالمطلوب منا ان نصدق ان اسامة بن لادن وأيمن الظواهري والزرقاوي وغيرهم من المتخلفين عقلياً وانسانياً ودينياً، يتقنون استخدام الإعلام أكثر من ادارة الدولة العظمى الوحيدة في العالم. رامسفيلد وقح بامتياز، فهو يتهم صحافة بلاده الحرة والمتنوعة جداً من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، بدل ان يعترف بالجريمة ويستقيل. وعندما سئل هل تغلق الحكومة الاميركية معتقل غوانتانامو رفض ذلك وزعم ان في المعتقل ارهابيين سيحاولون قتل الاميركيين. لا أذكر ان أحداً من المعتقلين في غوانتانامو دين بالارهاب في السنوات الخمس الاخيرة. ورامسفيلد يتهم الناس ويستبق القضاء، فيما هناك كل يوم خبر عن أبرياء في المعتقل من كل بلد تقريباً. وآخر ما بيدي هو عن خمسة صينيين مسلمين اعتقلوا في افغانستان ونقلوا الى غوانتانامو خطأ، ويبقى ان تعترف الادارة الاميركية بالخطأ وتطلقهم. الاسبوع الماضي كذب رامسفيلد في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، ثم كذب في مقابلة تلفزيونية زعم فيها ان الأخبار المنشورة مقابل ثمن في وسائل الإعلام العراقي توقفت نهائياً بعد الكشف عنها. الا ان الصحف الاميركية التي لا يحبها رامسفيلد كشفت فوراً ان مجموعة لنكولن التي"باعت"الاخبار المزيفة اعلنت بنفسها انها لا تزال تعمل في العراق، وان برنامج تسريب الاخبار المحسنة والمزوقة لا يزال قائماً. من يصدق القارئ، وزير دفاع وداعية حرب واحتلال أم الصحف الاميركية؟ وهل يصدق رامسفيلد أم الأممالمتحدة التي تحدثت عن التعذيب في غوانتانامو وطالبت باغلاق المعتقل؟ أو هل يصدق رامسفيلد أو مئات الصور الجديدة عن تعذيب السجناء في أبو غريب؟ وفي حين لا توجد صور مماثلة عن قاعدة باغرام في افغانستان، فإنني اسأل القارئ هل يصدق أن لا تعذيب يمارس فيها؟ ثم اسأله هل يصدق ان المعتقلين نقلوا بالطائرات الى اوروبا في سياحة واستجمام وليس لتعذيبهم في سجون سرية عند الحلفاء؟ الصحافة الاميركية حرة، والولاياتالمتحدة ديموقراطية، لذلك لا يستطيع وزير الدفاع كتم المعلومات كما يفعل بعض حكوماتنا. وقد سُرب الى الصحف تقرير عسكري اميركي عن التحقيق في فضيحة أبو غريب تبين منه ان هناك 1325 صورة لتعذيب معتقلين، و93 فيديو تعذيب و660 صورة جنسية، و546 صورة معتقلين موتى، و29 صورة لجنود يبدون كأنهم يمارسون الجنس. كنت اتمنى لو ان جريدتنا هذه تتسع لترجمة مقال كتبته نعومي كلاين في مجلة"ذي نيشن"فهي توضح ان العسكر الاميركي مارسوا التعذيب دائماً، منذ"مدرسة اميركا"في بنما 1946 - 1984، وفي فورت بيننغ، بولاية جورجيا، حيث انتقلت المدرسة بعد ذلك، وحتى اليوم. كما اتمنى لو يترجم الى العربية كتاب مقبل بعنوان"مسألة التعذيب"من تأليف ألفريد ماكوي الذي يقدم أدلة قاطعة على ممارسة اجهزة الاستخبارات والعسكر التعذيب واختراع اساليب"تكنولوجية في ممارسته". كذلك اتمنى لو أن كل قارئ عربي يقرأ تحقيقاً طويلاً في العدد الحالي من مجلة"نيويوركر"بعنوان"المذكرة"كتبته جين ماجر، ويتحدث عن مذكرة ارسلها البرتو مورا، المستشار القانوني للبحرية الاميركية الى رؤسائه ويظهر منها انه حاول قبل ثلاث سنوات منع تعذيب المعتقلين على ايدي العسكر الاميركيين، الا ان رؤساءه تجاهلوا المذكرة على رغم صحة المعلومات فيها ودقتها. وأختتم بالأمير خالد بن سلطان، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب تحرير الكويت، ففي كتابه"مقاتل من الصحراء"الصادر سنة 1995، أي قبل اكثر من عشر سنوات من الضجة الحالية، هناك كلام واضح عن رفضه السماح للحلفاء الغربيين، أي الاميركيين، باستجواب أسرى الحرب العراقيين،"بسبب الاستجوابات الفظة التي قد يتعرضون لها". وكان أن أمر الملك فهد، رحمه الله، والأمير سلطان، وزير الدفاع في حينه، بمعاملتهم كلاجئين، فاعطوا سكناً مريحاً ومرتبات شهرية، وبقي الأمير خالد يهتم بشؤونهم اهتمامه بالقتال. وقد رأى مندوبو الصليب الاحمر الدولي أسرى الحرب العراقيين في السعودية وأقروا بحسن معاملتهم. "واشنطن بوست"قالت قبل ايام ان فشل دونالد رامسفيلد كان يجب ان ينتهي باستقالته، وأرى ان الاستقالة لا تكفي، بل يجب ان يحاكم على ادارة الحرب والتعذيب، وعلى قتل عشرات الوف العراقيين مع الجنود الاميركيين. أطالب بمحاكمة رامسفيلد، وأتوقع ان يحاكم اذا كانت الادارة المقبلة ديموقراطية.