بعد أشهر الاشاعات المتناسلة عن تغيير او تعديل حكومي في الأردن، يبدو ان الملك الأردني عبدالله الثاني قرر إبقاء رئيس الحكومة الحالي معروف البخيت على رأس الحكومة مع اجراء تعديلات وزارية وادخال"مفاهيم جديدة لقياس اداء الحكومة تسهل الوصول الى أهداف محددة مرتبطة بفترات زمنية تنفذ ضمن الموازنة فتسهل عملية المحاسبة مستقبلياً"، بحسب ما اشارت مصادر اردنية. البخيت، الآتي من المؤسسة العسكرية، والأقرب إلى اليمين المحافظ، سيجري التعديل خلال"الاسبوعين المقبلين"، ليتزامن مع مرور عام على توليه رئاسة الحكومة التي عهد إليها إيجاد معادلة توازن شبه مستحيلة بين متابعة ملف الإصلاحات الشاملة وعصرنه الدولة، والحفاظ على الأمن بعدما ضرب إرهاب الزرقاوي ثلاثة فنادق في العاصمة عمان يوم 9 تشرين الثاني نوفمبر 2005. والنتيجة كانت أن"الأمن لا يزال العامل الحاسم في السياسة، ولن تتغير هذه المعادلة كثيراً، لا سيما مع دخول المنطقة في دوامات سياسية أخطر"، بحسب مسؤولين ونواب. وتشير مصادر اردنية الى ان"بعد الانتهاء من تقويم القصر لأداء حكومة الرئيس البخيت، استقر القرار على الإبقاء عليه قائداً للفريق الوزاري مع إخضاع فريقه لتعديل قد يطاول سبع أو ثماني حقائب، بعضها سيادي لكن غالبتها خدمية. وستكون أولويات المرحلة المقبلة تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي للأردنيين، خصوصاً أن غالبتهم لا تزال تشكو من عدم قطف ثمار مسيرة الإصلاح الاقتصادي التي بدأت قبل سبع سنوات". المطلوب من الحكومة القادمة او المعدلة، بحسب التوجه الجديد، العمل ضمن منهجية قائمة على ما يسمى ب"الإدارة المبنية على أهداف"محددة بمحطات زمنية ومربوطة بالموازنة، ما سهل عملية قياس الأداء والتقويم. ويرى صانعو القرار الأردني أن هذه الآلية ستقطع الطريق بعد اليوم على من يحاول التواري وراء القصر، او جهاز الاستخبارات، او يتبع سياسات جانبية للمماطلة والتسويف. وسيطلب من رئيس الحكومة تزويد الملك شخصياً تقارير دورية، ربما كل أسبوعين، تظهر حجم العمل المنجز بالنسبة الى الأهداف المستندة إلى استراتيجيات محددة. وتشير اوساط رسمية الى ان المطلوب اليوم هو تحقيق انجازات ملموسة على أرض الواقع لإرضاء الشارع ووقف التشكيك بالخطاب الرسمي وبوعود إصلاح بقيت غالبيتها تراوح مكانها منذ ان اعتلى الملك العرش عام 1999 بعد وفاة والده الذي حكم البلاد نحو نصف قرن. الهدف الأساس للتعديل يتمثل في تعزيز الجبهة الداخلية وتمتينها، لكي يتمكن الأردن من حماية نفسه من المخاطر الآتية من الشرق والغرب وسط تخبط الادارة الاميركية التي فقدت صدقيتها بينما تصنع لها إسرائيل غالبية سياساتها الخارجية، بخاصة ما يتعلق منها بالعالم العربي. الأهم أن الأجواء المتفجرة في محيط الأردن، وانعدام آفاق تسوية سلمية وانهيار الوضع العراقي والتقارب السياسي مع أميركا وإسرائيل في أجواء شعبية معادية للتوجه الرسمي، ستساعد على استثمار أجواء الإحباط العام لمصلحة خطاب المعارضة الذي بات ينافس الدولة في مفاصل كثيرة. ويبدو ان استمرار الوضع المعيشي على حاله، وبطء إنجاز برامج تنموية تحد من الفقر والبطالة، بحسب القراءة الرسمية، سيفتحان الباب واسعاً أمام المعارضة بقيادة التيار الإسلامي، وبمساعدة جهات خارجية تقف وراء بعض رموزه، للحراك لمحاولة ملء الفراغ، من خلال برامج موازية توفر دعماً مادياً مباشراً وغير مباشر مثل فرص تعليم وخدمات صحية للفئات الفقيرة والمحرومة. وسيكون خطاب محور الممانعة بقيادة ايران وعضوية سورية و"حماس"اقرب الى توجهات الشارع، بخاصة لجهة خيار المقاومة المسلحة. الاقتصاد الأردني، بحسب المؤشرات المتاحة، سيحقق نمواً يفوق 5 في المئة هذا العام. ومن الناحية النظرية، تظل المؤشرات الكلية للاقتصاد متينة، وسط حالة عمران غير مسبوقة تعززت مع توافد اكثر من نصف مليون عراقي على الاردن بعد الحرب الاخيرة، اضافة الى المال الآتي من الخليج. لكن المشكلة تكمن في تآكل المداخيل. فغالبية الأردنيين لم تشعر بثمار التحسن الاقتصادي الذي لمست ايجابياته شريحة معينة جنت أرباحاً طائلة من تجارة الأراضي والأسهم وغيرها من الأعمال. وستظل قضية الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وتعزيز الاستثمار العناوين الأساسية لعمل الحكومة المعدلة التي عليها أن تتحرك بسرعة وبفاعلية لإقناع شرائح المجتمع الأردني بأنها تعمل لخدمة مصالحها. فحتى الآن لم يلمس المواطن الكثير لجهة وعود مكافحة الفقر والبطالة ومواجهة التحديات الإستراتيجية الوطنية الكبرى سعياً لضمان الأمن الاجتماعي والاستقرار في محيط سياسي ملتهب ومجتمع مقسوم يطارده شبح غلاء الأسعار وتدني القدرة الشرائية إلى النصف تقريباً منذ مضاعفة أسعار المحروقات. ولأن موازنة الدولة لا تحتمل رفع الرواتب، تحرك الملك عبدالله الثاني لمنح موظفي ومتقاعدي الدولة 100 دينار مقطوعة مع نهاية شهر رمضان الفائت. لكن مثل تلك"اللفتات"غير قابلة للاستمرار، فهي قد تفاقم عجز الموازنة وتأتي على المنجز من الإصلاحات المالية والنقدية التي اعتمدت عقب أحداث شغب عام 1989. وسيطلب من الحكومة المعدّلة العمل على انجاز مشاريع إستراتيجية تراوح مكانها منذ سنين، مثل مشروع جر مياه حوض الديسي إلى عمان، والدفع أكثر باتجاه تحريك مشروع قناة إقليمية لربط البحر الأحمر بالبحر الميت لإعادة إحياء المنطقة اقتصادياً واجتماعياً وحماية البحر الميت من خطر الزوال بعد خمسة عقود من السياسات المائية الإسرائيلية وعوامل التبخر. وستظل السياسة الخارجية في صميم عمل مجلس سياسات الدولة الذي يجتمع أسبوعياً في الديوان الملكي برئاسة الملك، وبمشاركة أقطاب الحكم كافة بالتعاون والتنسيق مع المؤسسة الأمنية التي تظل اللاعب الاقوى. لكن ثمّة صعوبة متوقعة قد تنجم عن استمرار تجاذب خفي بين الحكومة ومراكز اخرى لصناعة القرار حول سرعة التنفيذ، والصلاحيات، بخاصة في ميدان السياسة الخارجية والشأن الاقتصادي. مجلس النواب سيلتئم في نهاية الشهر المقبل في آخر دورة من عمره منذ انتخابه عام 2003، عين المجلس على الشارع قبل الانتخابات، التي من المرجح أن تؤجل مع تمديد عمره لعام على الأقل، بسبب التداعيات الإقليمية وانعكاساتها على الظروف الداخلية. الى الآن لم يبت نهائياً في أمر تأجيل الانتخابات، لكن الشعور السائد في أوساط سياسيين وحزبيين ونواب أن الدولة لن تجازف في إجراء أي انتخابات قد تكون نتائجها غير مضمونة فقط لإرضاء واشنطن التي ثبت فشل سياساتها في المنطقة. ويخشى هؤلاء من اتساع نفوذ التيار الإسلامي ويعتقدون بأن شريحة من هذا التيار متحالفة مع محور التشدد في المنطقة بقيادة ايران. ف"بقاء الأردن"، بحسب مسؤول رسمي، بات أهم من أي اعتبار آخر في غمرة هذه الأوضاع غير المستقرة، وفي ظل تداعيات التغيير الذي سيعقب الانتخابات الأميركية نصف الدورية بعد أسبوعين. قد تحمل نتائج الانتخابات بوادر تحسن في الأجواء بين أميركا وإيران وسورية لضمان مشروع الإدارة الأميركية في العراق حتى ولو جاء ذلك على حساب مسعى السلام الذي سيصاب بشلل أكبر بعد انضمام حزب"إسرائيل بيتنا"إلى الحكومة الإسرائيلية المأزومة أصلاً. الخريف ثم الشتاء المقبلان سيكونان صعبين بالنسبة الى صانع القرار الأردني. النخبة السياسية والاقتصادية غير متحمسة أصلاً للبخيت لأنه لم يأت من داخلها كما جرت العادة. كما أن أجندته غير متصلة بحسابات هذه الفئة وقد تتعارض مع رغبتها في حماية نفوذها ومكتسباتها. وبالتالي، فإن هذه الشريحة لن تهدأ، وقد أثبت رموزها مهارات في توظيف الخلافات بين أركان الحكم، وفي لعبة التقاطعات وتغيير التكتيك مع كل حكومة. وستستمر اللعبة: هدنة موقتة تعطى للحكومة ثم تعميق الاختلافات في مؤسسات الدولة كافة، ثم تعديل، أو تغيير، وإجراءات جديدة لتصحيح المسار. مشكلة البخيت أو أي رئيس وزراء قادم لن تتغير. وهي تتعدى الصلاحيات إلى الآليات. المشكلة لن تحل من دون تعزيز دور السلطات، وقيام أحزاب أردنية ذات برامج انتخابية مقنعة قادرة على خوض الانتخابات وتشكيل حكومات وتقاسم المسؤوليات.