وسط المصاعب التي تواجهها الولاياتالمتحدة لاحلال السلام في العراق بسبب تصاعد اعمال العنف الطائفي، تزداد التوقعات بانقسام هذا البلد المضطرب الى دويلات متحاربة. وتسعى بعض الفصائل الى السماح لها بتشكيل أقاليم تتمتع بحكم ذاتي على أسس عرقية او طائفية في ظل اطار فيديرالي فضفاض، وتؤكد في الوقت نفسه على انها لا ترغب في تقسيم العراق. الا ان المراقبين حذروا هذا الاسبوع من انه اذا سمح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي او مؤيدوه الاميركيون بحدوث ذلك أو حتى التشجيع على حدوثه، فان النتيجة ستكون كارثة وحرباً اهلية تؤدي الى مقتل المزيد من المدنيين وزعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط كله. وقال دومينيك موازي من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ان نظرية تقسيم العراق"طرحت في السابق، ولكن السبب في عدم تشجيعها هو ان الجميع يعلمون ثمن التقسيم". وصادق البرلمان العراقي الشهر الماضي على القانون الاجرائي لتشكيل الاقاليم بعد 18 شهرا. وسيسمح هذا القانون بعد طرحه للتصويت في استفتاء شعبي لسكان المحافظات بتشكيل اقليم من عدد من المحافظات. ويحظى القانون بتأييد قوي من الاقلية الكردية في العراق التي تتمتع بحكم ذاتي في المناطق الكردية، كما يحظى بتأييد"المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق"بزعامة عبدالعزيز الحكيم. ويعتبر الحكيم من اكثر الشخصيات نفوذا في العراق، وتمكن"المجلس الاعلى"من اقناع صناع القرار بدعم القانون الذي يأمل الحكيم في ان يتم من خلاله دمج ثماني محافظات شيعية او اكثر في اقليم غني بالنفط جنوببغداد. وقال في كلمة لمناسبة عيد الفطر المبارك امام المئات من مؤيديه ان"الفيديرالية ستضمن بأن الظلم الذي وقع علينا في الماضي لن يتكرر على اولادنا ولا على احفادنا". اما الاقلية السنية التي لا تزال تعاني من تبعات خسارتها للنفوذ الذي كانت تتمتع به ابان حكم الرئيس السابق صدام حسين، فتخشى من ان تكون حصتها من العراق ارضاً قاحلة تخلو من النفط في وسط العراق وغربه. وبالنسبة الى الحكيم وانصاره من الشيعة، فان الحكم الذاتي سيضمن لهم عدم الوقوع مجددا تحت سيطرة السنة. والحكم الذاتي الفيديرالي هو اقل ما يمكن ان يقبل به الاكراد في مقابل التخلي عن حلمهم باقامة دولة كردستان المستقلة. ويرى بعض المراقبين الغربيين الذين يشعرون باليأس من العنف الطائفي والقومي الذي يعم مختلف المناطق، ان تقسيم البلاد الى اقاليم يعني نهاية الحرب. الا ان العديد من الخبراء لا يرون في ذلك الا كارثة. وتقول الدكتورة ليلى خليلي المحاضرة في سياسة الشرق الاوسط في كلية الدراسات الشرقية والافريقية في لندن"ان اجزاء كثيرة من العراق يسكنها خليط من مختلف الديانات والاتنيات العراقية". وتضيف"كركوك ليست حكرا على الاكراد، ففيها اقلية كبيرة من العرب السنة، وبغداد فيها اعداد كبيرة من الشيعة". وارتبطت معظم اعمال العنف الوحشية التي شهدها العراق هذا العام بالنزاع بين السنة والشيعة. وفي محافظة ديالى الخصبة شمال بغداد، على سبيل المثال اجبرت الجماعات السنية المتطرفة عشرات الاف العائلات الشيعية على النزوح من منازلها، فيما تقوم الميليشيات الشيعية بطرد عائلات سنية من عدد من احياء بغداد. الا ان النزاع لا يدور فقط بين السنة والشيعة، اذ يقول موازي ان"التقسيم لن يحل مشكلة النزاع بين الشيعة انفسهم". وترى الخليلي ان السبب الذي يجعل الحكيم يسعى الى الدعوة الى التقسيم، هو انه"يأمل في ان يهيمن المجلس الاعلى الذي يحظى بدعم ايران على الحكومة الاقليمية ويفرض سيطرة انصاره على حقول النفط الرئيسية والموانئ". اما الفصائل الشيعية القوية الاخرى ومن بينها الفصيل الذي يقوده رجل الدين الشاب المتشدد مقتدى الصدر وميليشيا"جيش المهدي"التابعة له، فهي اقل حماسة لأي خطة يمكن ان تهمش شيعة بغداد. ووقعت العديد من الاشتباكات الدامية بين ميليشيا"جيش المهدي"وبين قوات الامن الحكومية التي يعتقد انها مخترقة من قبل ميليشيات شيعية اخرى. وتثير مسألة التقسيم قضية الاستقرار في المنطقة. وقالت الخليلي"لا اعتقد ان الايرانيين او الاتراك يحبذون التقسيم لأن ذلك سيعني فورا ان الاكراد سيحصلون على دولتهم المستقلة"، معتبرة ان ذلك"سيثير مشاكل في ايران وتركيا نظرا الى الوجود الكردي فيهما". وحذرت من ان العديد من الاكراد يطمحون الى ان تضم دولة كردستان المستقبلية مناطق شاسعة من العراقوايران وتركيا وسورية. وبالنسبة الى موازي فان ايران قد ترغب في ان تقام منطقة حكم ذاتي شيعية تخضع لنفوذها، الا ان هذا يقلق بدوره الدول المجاورة للعراق. ويرى ان وجود دولة شيعية مجاورة لايران يمثل مصدر قلق كبير بالنسبة الى منطقة الخليج الغنية بالنفط. ولهذه الاسباب مجتمعة، قال الرئيس الاميركي جورج بوش الشهر الماضي ان تقسيم العراق سيخلق"فوضى اكبر من التي نشهدها حالياً". الا ان البعض يخشى من ان يكون جني التقسيم قد خرج من قمقمه وجعل هذه المسألة حتمية. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف"اذا لم يحصل اختراق ولم تبدأ وحدة حقيقية، فان هذا الوضع قد يصبح حقيقة".