من اللافت أن يجتمع الأب وابنته كمخرجين على خريطة درامية واحدة لهذا العام، ويكونا في طليعة المؤثرين في هذا السياق. إذ فيما يختار الأب هشام شربتجي أن يعيد الكرّة مع"مرايا 2006"، لياسر العظمة، تذهب الابنة رشا شربتجي الى"غزلان في غابة الذئاب"، وهي الغابة المحفوفة بالمخاطر لأكثر من سبب. المخرج هشام شربتجي باختياره، انما ينضم طواعية مرة أخرى الى قائمة المخرجين الذين يعملون لحساب مشروع العظمة الذي بدأ قبل عقدين من الزمن، وقد بات معلوماً للجميع، وهو أمر أكده مخرجون عملوا في"المرايا"من قبل حاتم علي- مأمون البني ان هذا المسلسل، هو شأن ياسر العظمة في الدرجة الأولى، وأن أي اضافة اليه تبدو مستحيلة، لأن الممثل النجم هو من يقرر كل شيء، ابتداء من اختياره النصوص والحكايا، وليس انتهاء بمن سيدور في"فلكه"من ممثلين. إذن يقبل الأب الإبحار مع"مرايا 2006"، التي يبدو كما لو أنها توقفت في"البحيرة الدرامية"ذاتها. فالقصص تتبدل، وكذلك الشخوص، ولكن الأفكار تراوح في مكانها، حتى بدا أن ما من لمسات اخراجية مميزة تغير ولو قليلاً في الشكل الذي استقر عليه الممثل القدير. يمكن القول، ان فرحتنا لم تكتمل، عندما أعلن ياسر العظمة منذ فترة انه سيغير في زاوية النظر التي اعتمدها طوال سنوات في مشروعه هذا، وأنه قد يوقف مراياه لمصلحة شيء جديد. كنا فرحنا حينها لأن ياسر العظمة موهبة مميزة من دون أدنى شك، وقلنا انه ما من خسارة في أن يعيد هذا الممثل حساباته بخصوص ماضيه الحافل، والذي أخذ يراوح مكانه من دون تقدم يذكر، اللهم سوى اثبات قدرته كممثل برع في التنقل بين كل الشخصيات التي اختارها لنفسه، والتي قد تبدأ هذا الموسم من عند حارس الملهى الليلي الذي يقطّع القلوب بسلوكه وهو يحاول عبثاً أن يجمع مبلغاً من المال ليجري عملية جراحية لابنته المريضة، ولا تنتهي بالطبع عند الرقيب صخر، الممعن في سادية مريضة ومهووسة صنعت منه بسلوكه مع السجناء مجرد نموذج مقولب لهذه النوعية من الوحوش الآدمية. بهذا المعنى،"مرايا 2006"لم تكن خيار هشام شربتجي، بل هي امتداد لخيارات ياسر العظمة التي كاد أن يتوقف عنها متأملاً، ولكننا فوجئنا بالعودة اليها، والعودة لم تكن موفقة، فما من سمكة تعود الى الصنارة ذاتها كما يقال، إن نجحت وأفلتت في المرة الأولى، وهذا قد ينطبق أيضاً على المخرج القدير هشام شربتجي الذي حسم خياره هذا العام بالعودة الى الصنارة ذاتها. تجربة الابنة رشا شربتجي وهي تدربت على يدي الأب أساساً، إذ عملت معه مخرجة منفذة في بعض أعماله - مضت في اتجاه مختلف أثبتت فيه مقدرة اخراجية واضحة، وقد تجلى ذلك في العام الماضي في مسلسل"أشواك ناعمة"، وهذا العام في مسلسل"غزلان في غابة الذئاب". وعلى رغم سيل الملاحظات على نصي المسلسلين، الا أن هذه الشابة، ربما تكون بمسلسليها أعطت اشارة مهمة بخصوص مقدرتها على المغامرة والتنويع أكثر من الأب الذي بدا مستسلماً أمام"تحولات"ياسر العظمة في مراياه التي لا تنتهي. من هنا ربما سيكون مطلوباً من الابنة أن تستعد لنصوص أكثر أهمية، نصوص تستحقها موهبتها الاخراجية، وهي برهنت عليها بامتياز، فيما يظل على الأب - إن أراد - أن يقنع ياسر العظمة بالعدول عن تفرده بكل شيء، لأنه موهبة كبيرة وامتياز كبير للدراما السورية التي لم تعد تحتمل النجم الواحد، فيما يتفق الجميع على أن العمل الدرامي السوري هو النجم بعينه!