ثمة ايجابيات كثيرة في خطاب الرئيس جورج بوش عن حالة الاتحاد، وهناك سلبيات، والمنطق يقول ألا نرى جزءاً من الخطاب ونغفل عن الآخر، أو ألا يقودنا رفض نقطة في الخطاب الى رفض الخطاب كله بما فيه من ايجابيات. الرئيس قال ان "هدف دولتين ديموقراطيتين، اسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً الى جنب بسلام ممكن التحقيق" أو في متناول اليد، وهو وعد بأن يطلب من الكونغرس 350 مليون دولار لدعم الاصلاحات الفلسطينية السياسية والاقتصادية والأمنية. كل هذا جميل، والى درجة ان اتجاوز معه ان الولاياتالمتحدة أعطت الفلسطينيين 75 مليون دولار في السنة توقفت سنة 2003، فيما كانت تقدم الى اسرائيل ثلاثة بلايين دولار وهي تقتل أطفالاً فلسطينيين في مدارسهم. هذا في الماضي، والمهم الآن الحاضر والمستقبل، واذا كان الرئيس بوش قدم رؤياه، فإن من اسباب توقع بعض النجاح هذه المرة, ان لم يكن نجاحاً كاملاً، هو وجود الدكتورة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية، وأنا أكتب هذه السطور وهي في طريقها الى اوروبا والشرق الأوسط، وستقابل أبو مازن وآرييل شارون، واعتقد بأنها تحمل تصوراً معها لخطوات عملية على طريق تنفيذ رؤيا الرئيس، بما في ذلك مراقبة جديدة لتنفيذ كل من السلطة الوطنية واسرائيل التزاماتهما. واذا زدنا الى ذلك قمة شرم الشيخ الأسبوع المقبل التي دعا اليها الرئيس حسني مبارك وتضم معه الملك عبدالله، إضافة الى أبو مازن وشارون، فإن عملية السلام تبدو وكأنها افاقت من نومة أهل الكهف. الاسرئيليون يبشرون بأن قمة شرم الشيخ ستعلن انتهاء الانتفاضة، وهذا غير صحيح، فالقمة قد تعلن انتهاء العنف المتبادل، لأنه اذا لم توقف اسرائيل جرائمها ضد جميع الفلسطينيين، من مدنيين ومقاومين، فإن المقاومة ستستمر، وكل حديث غير ذلك خرافة. وهكذا فالقمة ستعلن التزاماً من الجانبين, لا انتهاء الانتفاضة. ما اقول هنا من مصادري المباشرة, لا ما وصل الي بالتواتر: - مصر للفلسطينيين هي مثل الولاياتالمتحدة لاسرائيل. - أبو مازن طالب سلام منذ سنوات وعقود، وطلبه السلام ليس برنامجاً انتخابياً أو سياسة عارضة، وانما هو قناعة قديمة، فإذا لم يتوصل الاميركيون والاسرائيليون الى سلام معه فلن يتوصلوا الى سلام مع أي فلسطيني آخر. - يتبع ما سبق ان أبو مازن في بحاجة الى ان يقدم الى شعبه "انجازات", تؤكد ان طريق السلام افضل من طريق العنف، وليس المطلوب صعباً البتة, وانما هو خطوات لتحسين عيش الفلسطينيين، فلا يقوم شاب بعملية انتحارية لأن الموت أرحم. - اذا التزمت اسرائيل وقف العنف تلتزم فصائل المقاومة الاسلامية، فهذه هي القاعدة الذهبية الجديدة في التعامل بين الطرفين. ما سبق كله أضعه في خانة الايجابيات، ثم اتجاوز الاقتصاد الأميركي، فقد وجدت الرئيس يقول انه تعافى وينمو، مع ان الديموقراطيين يقولون ان البلد مدين بنحو 4,5 ترليون دولار، ستزيد ترليونين بسبب السياسة الاقتصادية للرئيس. هذا أمر اتركه مع الضمانات الاجتماعية للأميركيين، واثير مع الرئيس بوش نقطتين ادرجتهما في خانة السلبيات. هو قال ان "سورية لا تزال تسمح باستخدام الارهابيين اراضيها وجزء من لبنان لتدمير كل فرصة للسلام في المنطقة". لا أعرف أي "ارهابيين" تحدث عنهم الرئيس. اذا كانوا حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي، فهذه حركات تحرر وطني في وجه ارهاب اسرائيل. اما اذا كان يتحدث عن ارهاب القاعدة والزرقاوي وغيرهم، فهذا ارهاب حقيقي وواجب على العرب والمسلمين مساعدة الولاياتالمتحدة في محاربته. أسوأ مما سبق، ولعلها النقطة الوحيدة التي اعترض عليها بالكامل في خطاب الرئيس هي الموقف من ايران، فهو قال انها "لا تزال أكبر راعٍ للارهاب في العالم, وتسعى لامتلاك اسلحة نووية, فيما تحرم شعبها من الحرية التي يطلبها ويستحقها...". من قال للرئيس هذا الكلام؟ بول وولفوفيتز، أو دوغلاس فايث المستقيل؟ أو مايكل ليدين؟ أو هل هم الذين قالوا له ان في العراق أسلحة دمار شامل؟ أرجو من الرئيس ان يحذر، وان يصغي الى الدكتورة رايس، فإيران بلد شيعي ولا يمكن ان تكون له علاقة بالارهاب الدولي، من طالبان والقاعدة الى الزرقاوي. أما اذا كان يتحدث عن حزب الله، فانني أحيله الى رأيي كمواطن من الشرق الأوسط في الموضوع كما سجلته في السطور السابقة. وتبقى قصة برنامج ايران النووي، ورأي هذا المواطن الشرق اوسطي ان المنطقة كلها يجب ان تكون مجردة من الاسلحة النووية، ولكن اذا بقيت اسرائيل دولة نووية مع وسائل ايصال قنابلها النووية، الى اهدافها، فإن من حق ايران، وكل دولة في المنطقة, بل هو واجبها، ان تسعى الى امتلاك اسلحة نووية. وفي حين ايدت الرئيس بوش من دون شروط في حربه على الارهاب، فإنني أضع شرط تجريد اسرائيل من اسلحتها النووية لأسير وراءه ايضاً في موضوع ايران. مع ذلك الايجابيات غالبة، والرئيس بوش محق في حديثه عن ضرورة "الغاء الظروف التي تغذي الراديكالية وايديولوجية القتل". كل ما ارجو من الرئيس هو ان يدرك ان هذه الظروف ليست قصراً على ما تفرز أراضي العرب والمسلمين، وانما تشمل الاحتلال الاسرائيلي, فلعل دولة فلسطين المرجوة تقضي على الظروف المذكورة كلها.