أول ما خطر ببال المزارع التركي مصطفى اراوغلو وهو يشاهد صور رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان المنشورة على صفحات الجرائد والتي يظهر فيها يأكل دجاجاً مشوياً، كانت صورة مماثلة لوزير الزراعة السابق جاهت ارال نشرت له عام 1986 وهو يحتسي الشاي التركي ليؤكد خلوه من الاشعاع الذي تسرب الى منطقة البحر الاسود ? جنة مزارع الشاي في تركيا ? بعد انفجار مفاعل تشيرنوبل السوفياتي في ذلك العام. ما أثار قلق مربي الطيور التركي مصطفى اراوغلو هو ان حوادث السرطان التي انتشرت في التسعينات في منطقة البحر الاسود من تركيا كذبت الوزير ارال، فهل يصدق مصطفى اليوم اردوغان ويطمئن الى ان طيوره التي يربيها في محافظة بالكسير شمال غربي تركيا لن تنقل اليه عدوى مرض انفلونزا الطيور في حال اصيبت به؟. مصطفى واحد من شريحة كبيرة لا تزال لا تثق بالحكومات التركية و تدابيرها الصحية، ولذا قبل طواعية ان يسلم كل ما لديه من طيور للبلدية لتقوم بإعدامها، ولم لا طالما ان البلدية دفعت له وبشكل فوري ثمن تلك الطيور نقدا، فلم يخسر هو وغيره من أصحاب 9 الالاف طير تم اعدامها في تركيا كتدبير احتياطي أي شيء، اذ سارعت وزارتا الصحة والزراعة الى فرض حجر صحي على قرية كيزيكصا التي اكتشف فيها المرض، وبدأت عمليات اتلاف لجميع الطيور في 28 قرية مجاوره في دائرة قطرها 10 كيلومترات وتطعيم لجميع المواطنين هناك ضد فيروس الانفلونزا البشري، ومنعت صيد الطيور في جميع انحاء الجمهورية، وذلك على رغم ان الفحص العشوائي لتلك الطيور لم يكشف عن حادثة اصابة اخرى غير تلك التي اكتشفت في السابع من شهر تشرين الأول اكتوبر والتي ادت الى موت 2000 من طيور الديك الحبشي، وأكد الاتحاد الاوروبي ان الفيروس المسبب لها كان هو الفيروس القاتل H5N1. لكن خلافاً لمصطفى فإن البعض في القرى المجاورة لقرية كيزيكصا يرون ان ما تقوم به السلطات التركية مبالغ به، مثل عائشة التي تبلغ من العمر خمسين عاماً، فهي غير مقتنعة اولاً بأن الدجاج يمكن ان يصاب بالزكام، وحتى لو مرض، فإنها تؤكد قدرتها على ان تشفيه، وذلك بان تسقيه القليل من العيران أو اللبن المعتق الذي اعتادت ان تسقيه للحيوانات التي تربيها في حديقة منزلها كلما مرضت. ثم ان المبلغ الذي تدفعه البلدية ثمناً للدجاج المشتبه به لا يعوض عائشة عن البيض الذي كانت تحصل عليه يومياً من دجاجاتها والذي يكاد يشكل مصدر رزقها الاساسي. فكان من الطبيعي ان تماطل عائشة وغيرها في تسليم طيورها الى موظفي وزارة الزراعة الذين اضطروا لتفتيش منزلها واخراج الدجاج من قفص خبأته تحت سريرها بعد ان حذروها بأن كل من يمانع في تسليم طيوره أو يخفيها في تلك المنطقة سيعاقب بالحبس ودفع غرامة مالية كبيرة. وزير الزراعة التركي مهدي اكار اكد ان الحكومة اتخذت كل التدابير اللازمة لمحاصرة المرض ومنع انتشاره، واعتبر ان عدم وقوع اصابة جديدة بعد تلك الاولى دليل كاف الى نجاح حملته، وذكر ان وزارته كانت استعدت ومن خلال تدريبات عملية على مكافحة المرض قبل وصوله الى تركيا التي قال انها واحدة من بين 25 دولة شهدت اصابات بهذا المرض. الوزير اكار يدرك ان منصبه على المحك، خصوصاً وان الوزير الذي سبقه اقيل على خلفية اهماله حوادث اصابة الحمضيات التركية التي تصدر الى روسيا بذبابة الفاكهة، الامر الذي دفع روسيا الى فرض حظر على صادرات تركيا من الفواكه. وزارة الصحة افرجت عن الاشخاص الثمانية الذين وضعوا تحت الحجر الصحي تحسبا لاصابتهم بالمرض، وذلك بعد التأكد من سلامتهم ومرور اسبوع على مراقبتهم، اذ اكد مسؤولوا وزارة الصحة ان اعراض المرض تظهر خلال أربعة ايام على اقصى تقدير وان اياً من الاشخاص الثمانية لم يعان من اي اعراض مرضية خلال فترة احتجازه. الوزير اكار بدا واثقاً من خطة العمل التي اقرها وقال ان بلاده نجحت في منع انتقال العدوى من الطيور الى الانسان، وان لدى الحكومة كميات كافية من دواء تاميغلو المعتمد حالياً لعلاج المرض. جمعية الأطباء المعروفة بعدائها الشديد لحكومة"العدالة والتنمية"اشادت ولأول مرة بتصرفات الحكومة وطلبت من المواطنين تجنب الذعر واتباع سبل الوقاية والحذر، فيما لم يسجل سوى تراجع بسيط في ارقام بيع لحوم الطيور والبيض ما يعني ثقة المستهلك بالحكومة أو على الأقل ادراكه لحقيقة المرض في تركيا من دون تضخيم أو مبالغة. وهي مؤشرات تدل الى ان هذه الحادثة قد تعيد ثقة المواطن في الحكومة من جديد وتمحو من ذهنه مستقبلا صورة الشاي المسرطن وتثبت ان عهد الاتحاد الاوروبي بدأ يظلل تركيا ويحتضنها، اذ تعهد الاتحاد بدعم تركيا في مواجهة المرض وارسال اختصاصيين اذا لزم الأمر، لكن الحكومة التركية تقول انها قادرة على ان تنجح في أول امتحان تخوضه في علاقتها مع أوروبا وهي تستهل مفاوضاتها على العضوية في الاتحاد الاوروبي.