شعوران متناقضان تماماً عاشهما الشعب اليوناني امس، في اليوم الخامس من دورة الألعاب الأولمبية الصيفية ال28 المقامة حالياً في أثينا... توزعا بين حنين الماضي وأيامه المجيدة واحتفالاته الراسخة في الذاكرة، والأسى والأسف على حالة بطلين رمزيين... الى بلدة اولمبيا الواقعة على بعد نحو 400 كلم من أثينا، انتقلت الألعاب الأولمبية أمس، مجسدة القول بالفعل "ان الألعاب عادت الى مهدها"... هناك أقيمت مسابقة دفع الجلّة في الاستاد القديم البالغ طول مضماره 27،192م أو ما يعادل 600 مرة طول قدم هرقل هراقليس بحسب ما تقوله الاسطورة... والى الروابي الخضر المحيطة به عاد الصخب وخطت أقدام الرياضيين المكان للمرّة الأولى منذ عام 393 عندما أعلن الامبراطور الروماني تيودور الاول، الذي اعتنق المسيحية، وقف الألعاب لأنها تتناقض ومبادئ الايمان المسيحي". أمس، كانت مسيرة حجّ رياضية الى الينبوع، حيث بات الأوكراني يوري بيلونغ 16،21م والروسية ايرينا كورزهاننكو 07،21م "اولمبيونييكين" اي بطلين أولمبيين باللغة الاغريقية... مع اختلاف طبعاً في طقوسية المكان، فالألعاب القديمة كان محظراً حضورها على المتزوجات، وممنوعة على السيدات، وكان المشاركون يدخلون الميدان عراة ويتبارون عراة... وفي الدورة الأولمبية الحديثة ال28، اختلط الرجال بالسيدات وفاق عددهم 15 ألف متفرج تقدمهم رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الدكتور جاك روغ ورئيسة اللجنة المنظمة للألعاب جيانا انجيلوبولس دسكالاكي ورئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى لامين دياك. كما تبارت السيدات من دون أي عقد، وحظين بالتتويج بأكاليل من أوراق الزيتون من "كاهنات المعبد" بأثوابهن البيض في جو آسر وتحت شمس ساطعة... واذا كانت الاميركية كريستين هياستون اغضبت رموز اولمبيا بمشاركتها وفوزها في مستهل الدورات الحديثة، فإن مراسم امس كرست واقع العصر الحديث ودور المرأة الرئيس في الحقل الرياضي. ومن اجل رمزية المكان جزأت "ام الالعاب" التي تبدأ منافساتها غداً، وحطت دفع الجلة احدى مسابقاتها في رحاب مهد الانطلاقة الاولى. غير ان الاحلام الهادئة الزهرية عكرتها ومنذ الاسبوع الماضي قضية العداءين اليونانيين كوستاس كنتيريس بطل دورة سيدني في سباق 200م، وايكاترين ثانو ثانية سباق 100م. ومنذ عامذاك اصبحا رمزين وطنيين بعيدين من اي شبهة، لكن الحقيقة مختلفة تماماً، وكرمى لعيونها حجزت بطاقات سباقي السرعة كلها في الملعب الرئيس ضمن المجمع الاولمبي غير ان المتهمين الغامضين بتعاطي المنشطات والممتنعين عن الخضوع لفحص كشفها و"المتخفيين" بالإصابة من جراء حادث وقوع دراجتهما النارية فضلاً اخيراً، وربما كان هذا هو المخرج المدبر منذ البداية مع اولياء الامر اليونانيين لئلا يفتضح امرهما - الانسحاب من الالعاب، واعلن ذلك رسمياً بعد خروجهما مباشرة من جلسة الاستماع التي حددتها لهما اللجنة الدولية، والتي أحالت ملفهما في ضوء هذه الخطوة الى الاتحاد الدولي لاتخاذ الاجراءات المناسبة في حقهما لعدم فائدة اتخاذ اي عقوبة بعد قرارهما الشخصي بالانسحاب". سلم العداءان ومدربهما خريستوس تزيكوس بطاقات الاعتماد الخاصة بهما الى اللجنة الدولية، واعتذرا من الشعب اليوناني، "لحظات سود ومرّة فمن الصعب الانسحاب من الدورة عندما تقام في بلدك"... واكد كنتيريس انهاء تعاونه مع مدربه. وتنفس اليونانيون الصعداء من جهة، مع زفرات حزن عميق... غير ان ما استجد في الساعات الاخيرة "كان افضل الحلول لئلا تتعكر اكثر صفحة الالعاب وتهدأ النفوس" ودائماً هناك ايادٍ خفية تحرّك مصائر كثر من خلف الستارة هم جناة ام ضحية لا يهم، كنتيريس وثانو من بينهم.