أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه لوجه الله تعالى    ترتيب منتخب السعودية في تصفيات كأس العالم بعد الخسارة أمام اندونيسيا    ترقية 1604 أفراد من منسوبي ومنسوبات الجوازات    مؤسسة هيفولوشن الخيرية تخصص 400 مليون دولار لتعزيز الأبحاث العالمية في مجال إطالة العمر الصحي منذ بدء أعمالها في عام 2021    أمير المدينة يطلع على الجهود المبذولة في عمليات التسجيل العيني للعقارات    «الموارد»: السعودية خامس دول «العشرين» في انخفاض البطالة    الهيئة العامة للصناعات العسكرية تشارك في الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث    الأربعاء.. 3 مباريات من "مؤجلات" دوري يلو    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالحرمين الشريفين    الجامعة العربية تعقد مؤتمرًا دوليًا بالأردن حول دور المجتمع الدولي في تعزيز حقوق الطفل الفلسطيني    أرامكو ورونغشنغ توقعان اتفاقية لتوسعة مصفاة ساسرف    أمير القصيم يستقبل سفير أوكرانيا    مجلس الوزراء يوافق على الترتيبات التنظيمية لرئاسة الشؤون الدينية للحرمين وهيئة العناية بهما    محمد بن عبدالعزيز يطلع على جهود تعليم جازان لانطلاقة الفصل الدراسي الثاني    هوكشتاين متفائل من بيروت: هناك فرصة جدية لوقف النار    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي إلى 43972 شهيدًا    مجمع الملك فهد يطلق "خط الجليل" للمصاحف    في اليوم ال1000 لحرب أوكرانيا.. روسيا إلى عقيدة نووية جديدة    الهويّة السعوديّة: ماضي ومستقبل    «السعودية للكهرباء» و«أكوا باور» و«كوريا للطاقة» توقع اتفاقية شراء الطاقة لمشروعي «رماح 1» و«النعيرية 1»    مركز الملك سلمان للإغاثة ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة الأحد القادم    القبض على مواطن لترويجه 44 كيلوجراما من الحشيش في عسير    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2623.54 دولارًا للأوقية    سماء غائمة تتخللها سحب رعدية ممطرة على جازان وعسير والباحة    منتدى الرياض الاقتصادي يطلق حلولاً مبتكرة    «الجامعة العربية» تدعم إنشاء التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع    دراسة: القراء يفضلون شعر «الذكاء» على قصائد شكسبير!    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية الأمريكي    9,300 مستفيد من صندوق النفقة في عام    المشعل.. في الصدارة والكل من بعده    رينارد في المؤتمر الصحفي: جاهزون لإندونيسيا وهدفنا النقاط    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    العتودي الحارس الأخير لفن الزيفه بجازان    اتهامات تلاحق كاتباً باستغلال معاناة مريضة ونشرها دون موافقتها    بعد سيلين ولوبيز وكاميلا.. العالمي هوبكنز يعزف في الرياض    الأخضر «كعبه عالي» على الأحمر    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً لوزارة التعليم حول «الرخصة»    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1 %    إصابات الربو في الطفولة تهدد الذاكرة    في تصفيات مونديال 2026.. ميسي لتجاوز عناد «بيرو».. والبرازيل تسعى لنقاط أورجواي    سعادة الآخرين كرم اجتماعي    بيع ساعة أثرية مقابل 2 مليون دولار    وزير الدفاع يلتقي حاكم ولاية إنديانا الأمريكية    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مندوب تركيا    الاختيار الواعي    صنعة بلا منفعة    لبنان نحو السلام    الجودة والتقنيات الحديثة في تحقيق رؤية المملكة 2030″    مرحلة الردع المتصاعد    رسالة عظيمة    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية بالمملكة ترتفع إلى مليار ريال    ChatGPT يهيمن على عالم الذكاء الاصطناعي    (إندونيسيا وشعبية تايسون وكلاي)    المملكة ومكافحة مضادات الميكروبات !    الاكتناز    البرتقال مدخل لإنقاص الوزن    إطلاق كائنات فطرية بمتنزه الأحساء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا سنفعل حيال الإبادة الجماعية في دارفور ؟
نشر في الحياة يوم 25 - 04 - 2004

بين الخامس والسابع من آذار مارس الماضي، قام رجال الاستخبارات العسكرية السودانية بصحبة أعضاء ميليشيا الجنجويد الحكومية باعتقال مائة وثمانية وستين رجلاً من قبائل الفور الأفريقية المسلمة في دارفور بغرب السودان. وبعد تعذيبهم قاموا بقتلهم جميعاً رمياً بالرصاص. قبل ذلك ببضعة أيام قامت نفس الميليشيا بإحراق ثلاثين قرية في منطقة الطويلة شمالي دارفور، وقتل حوالى مائتي شخص واغتصاب أكثر من مائتي فتاة وامرأة، بعضهن اغتصبن على يد قرابة أربعة عشر رجلاً وعلى مرأى من آبائهن الذين قتلوا في ما بعد، إضافة إلى اختطاف مائة وخمسين امرأة ومائتي طفل من نفس المنطقة في 27 شباط فبراير الماضي.
هذه بعض الروايات التي خرجت للعلن على مدى الأسابيع الأخيرة في تقارير للأمم المتحدة ومنظمات العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وأطباء بلا حدود وغيرها. بقية الصورة قيام القوات الحكومية على مدى الشهور الخمس عشرة الماضية بتهجير ما يقرب من مليون سوداني من قراهم في دارفور غربي السودان، منهم 110 ألف شخص عبروا الحدود إلى تشاد، إضافة إلى قصف قرى شمال دارفور بالطائرات الحربية. في الوقت ذاته كان ما يقرب من عشرين ألفاً من رجال ميليشيا الجنجويد العربية التي قام نظام الإنقاذ بتجنيدها وتسليحها يقومون بعمليات قتل جماعي وإحراق لقرى بكاملها ليصل عددها إلى ثلاثمائة قرية ويبلغ تعداد القتلى ثلاثين ألفاً في أكثر التقديرات تحفظاً.
ووفقاً للأمم المتحدة تعرضت كل فتاة أو امرأة ليس لها أطفال في بعض هذه القرى لعمليات اغتصاب جماعي في معسكرات للجنجويد. وذكرت منظمة العفو الدولية أن حوالى ست عشرة امرأة في غرب دارفور كن يتعرضن للاغتصاب كل يوم في طريقهن لجلب المياه من الوادي. وكان على هؤلاء النسوة العودة في اليوم التالي للمصير نفسه، بسبب قراهن إلى المياه وعلمهن بأن رجالهن سيقتلون إذا ذهبوا بدلاً منهن لجلب الماء. اغتصابهن الجماعي المتكرر كان أهون شأناً من ترمّلهن وتيتّم أطفالهن. أما قصص خطف الأطفال فلا تقل ترويعا.
كانت خطيئة هؤلاء الضحايا الوحيدة الانتماء إلى نفس الأصل العرقي لحركتي "تحرير السودان" و"العدل والمساواة" المتمردتين في دارفور. وحتى بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 8 نيسان ابريل الحالي بين الحكومة والمتمردين، من المتوقع أن يلقى ما يقرب من مائة ألف شخص آخرين مصرعهم بعد أن قامت ميليشيا الحكومة بتدمير المحاصيل وتلويث منابع المياه وسرقة وقتل الماشية وإحراق الأراضي الزراعية أو تهجير سكانها عنها إلى العراء، ما يهدد المنطقة الفقيرة أصلاً والمعتمدة بالكامل على الزراعة بمجاعة وصفها مسؤول في الأمم المتحدة بأنها أسوأ كارثة إنسانية راهنة على الإطلاق.
ويبدو الآن من الواضح تماماً أنها عملية منظمة للقضاء على سكان الإقليم المتحدرين من أصول أفريقية، حيث أن تصعيد الهجمات على قبائل الفور والزغاوة والمساليت في الأسابيع الأخيرة، تزامن بتعمد واضح مع اقتراب موسم الأمطار في دارفور، الأمر الذي سيحرم سكان المنطقة تماماً من الغذاء ويقطع الطريق على وصول المساعدات الإنسانية للنازحين داخل السودان وبعد حدود التشاد.
لقد استغل نظام الإنقاذ الذي وصل إلى درجة مروعة من اللاإنسانية، انشغال المجتمع الدولي بقرب التوصل إلى اتفاق سلام مع متمردي الجنوب ليقوم بنقل قطعه الحربية إلى غرب البلاد وانتهاج نفس سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها من قبل في الجنوب للتخلص من جماعة عرقية مزعجة. ثم جاء اتفاق وقف إطلاق النار "الإنساني" الذي يجدد كل خمسة وأربعين يوماً ليضمن حرمان المليون المهجرين من العودة إلى منازلهم وأراضيهم التي لم تعد توجد أصلاً. وبينما يتفاوض النظام مع المتمردين في الشاد تستمر قواته وميليشياته في مهاجمة المدنيين في الإقليم المنكوب وخرق الاتفاق الذي خلا من أية آلية للمراقبة أو إشارة لحقوق الإنسان.
الحديث الآن في الأمم المتحدة وخارجها يدور حول حملة "تطهير عرقي" يقوم بها النظام ضد مسلمي دارفور الأفارقة. ولا خلاف على أن النظام يرتكب هناك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بشكل منهجي كما عرّفتها اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية. غير أنه ليس من الصعب إدراك أن المجتمع الدولي يتفادى تسمية ما يحدث باسمه الواضح: إنها جريمة إبادة جماعية بالمعنى القانوني الكامل.
فاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948 تنص، دون لبس، على أن الإبادة الجماعية تشمل قتل أعضاء من الجماعة، أو إخضاعها عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي "جزئياً أو كلياً"، أو إلحاق أذى جسدي بأعضاء من الجماعة، أو نقل أطفال منها عنوة إلى جماعة أخرى حين ترتكب هذه الأفعال "بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه".
وجاء توقيت تصاعد حملة الإبادة هذه والانتباه المتأخر للمجتمع الدولي إليها في غاية الدلالة على حالة الإنسانية عموماً والوضع العربي تحديداً. ففي الوقت الذي كانت تُرتكب فيه هذه الفظائع كان العالم ينكس رأسه خزياً في الذكرى العاشرة لمذابح رواندا وصحف العالم تسترجع الدروس المستخلصة من خذلان المجتمع الدولي للضحايا من التوتسي والهوتو المعتدلين، وتناقش ما يجب فعله لمنع هذه الكارثة من التكرار.
وفي الوقت ذاته كانت الجلسة السنوية للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة منعقدة في جنيف، حيث اجتهدت الدول العربية في حشد الأصوات لمنع صدور إدانة لانتهاكات حقوق الإنسان في السودان، ووقف الجهود من أجل تعيين مقرر خاص لمراقبة الأوضاع هناك. وبينما أصرت الكتلة العربية على عقد جلسة خاصة للجنة لمناقشة اغتيال الشيخ أحمد ياسين، فإن دولة عربية واحدة لم تتحدث عن مذابح دارفور.
وتصادف أن تشهد منطقتنا في الوقت ذاته تسارع الجهود المحمومة لعقد القمة العربية، دون أن يستغرب أحد خلو جدول أعمالها من أية إشارة إلى حقيقة أن نظاماً عربياً يعمل بجد على إفناء إحدى أقلياته في الوقت نفسه. وفي الغالب فإن ما سيناقشه القادة العرب بشأن السودان سيقتصر على جهود جمع الأموال لصالح "صندوق إعمار جنوب السودان" لتضمن بعض الدول العربية القلقة قدرة النظام السوداني على تقديم رشوة كافية لمنع سكان جنوبه من تحبيذ خيار الانفصال.
ولا تختلف الصورة كثيراً على صعيد المجتمع المدني العربي. فقد توالت بيانات المنظمات والاتحادات تدين بأشد الألفاظ، وبحق، اغتيال الشيخ ياسين، ثم أحداث الفلوجة، وبعدها خطة بوش بشأن فلسطين ثم اغتيال عبد العزيز الرنتيسي. ولم نرَ أي إشارة لما يحيق بمئات الآلاف من السودانيين باستثناء نبيل لجهد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. بل سارع بعض هذه المنظمات بالتطوع لتسمية أحداث الفلوجة جرائم إبادة جماعية واغتيال الشيخ ياسين جريمة ضد الإنسانية. وهؤلاء هم أنفسهم من عبروا علناً عن انزعاجهم العام الماضي عندما أسفرت التحقيقات عن كون أحداث مخيم جنين جرائم حرب فقط! وأصروا على كونها مذبحة. حتى إن بعض الكتاب العرب سارع إلى إدانة تهديد كوفي أنان بتدخل المجتمع الدولي لضمان وصول المساعدات الإنسانية لنازحي دارفور، هم الذين كانوا رحبوا بالتدخل الإنساني لحلف الناتو دون تفويض من الأمم المتحدة لنجدة ألبان كوسوفو الذين قدر عدد ضحاياهم بعشرة آلاف قتيل.
قد لا تكون أحداث دارفور في نفس الجاذبية الإعلامية لتطورات قضايانا "المركزية" كفلسطين والعراق، غير أن من الواجب تكرار هذه الحقيقة: هناك الآن نظام عربي يبيد إحدى أقلياته. وما سيخرج عن القمة العربية بشأن دارفور سيكون شهادة على مدى إنسانيتنا. كلنا مسؤولون عن وضع دارفور على جدول القمة ولو كان ذلك مزعجاً لقادتنا.
إن على المرء وهو يرى العرب يدفعون اليوم ثمن خذلان شيعة العراق وأكراده من قبل أن يتساءل: كم حلبجة أخرى وكم أنفالاً جديدة سيشهد العرب على ارتكابها على يد نظام عربي "شقيق" قبل أن يقرروا فعل شيء؟
مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.