الدنيا ربيع، والصيف على الأبواب، وإذا كان لنا أن نعمل بنصح الصحف البريطانية فقد نذهب الى ليبيا، أو أوزبكستان، وطبعاً فهناك مصر ذات النيل والهرم. كنت في نهاية الأسبوع الماضي وجدت ان ملحق السفر والسياحة في جريدة "الديلي تلغراف" خصص صفحته الأولى لتحقيق طويل، مصور جميل، عن السياحة في ليبيا شغل الصفحة الثانية أيضاً. وعدت الى ما عندي من صحف، ولاحظت ان الصحف الأميركية الكبرى، "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"لوس انجليس تايمز" ركزت على السياحة في نيويورك، إما للتسوق أو الاستشفاء، وفي هاواي للسياحة والغطس، وهي إذا ابتعدت عن الولاياتالمتحدة، فإلى أوروبا، وربما أميركا الجنوبية، مع أنها عادة كانت تنشر تحقيقات جميلة عن مصر وتركيا، وأحياناً سورية ولبنان. وكان ملحق نهاية الأسبوع الماضي في "كريستيان ساينس مونيتور" عن سويسرا ولا أدري اذا كان السبب الحرب على الارهاب، والخوف من السفر الى الشرق الأوسط. في المقابل الصحف البريطانية استمرت على اهتمامها بالسياحة في الشرق الأوسط، وما بعده، و"الديلي تلغراف" التي اعترضت دائماً على تغطيتها السياسة في الشرق الأوسط تعوض عن ليكوديتها السياسية بتغطية سياحية جيدة. التحقيق عن ليبيا يتحدث عن آثار رومانية في اويا والسربتة ولبتس ماغنا لبدة بالعربية وماغنا تعني كبيرة بالعربية لتفريقها عن لبتس ماينور قرب قرطاجة ويقول انها من مستوى عالمي، والزائر بعد سنوات العزلة والقطيعة، سيفاجأ بما يستطيع أن يقدمه بلد على بعد ساعتين الى ثلاث بالطائرة من أوروبا، فهناك مع الآثار طقس "أوسطي" وشطآن على مدى عشرات الأميال أو المئات من الرمل الأبيض الناعم. بعض الحاضرات التي بناها الرومان كان مسرح نفوذ وبذخ لم يفقه سوى ما عرفت روما. وكاتب التحقيق نايجل ريتشاردسون زار هذه الآثار التي تعود الى القرن الميلادي الأول قرب طرابلس التي بناها الفينيقيون قبل ذلك بقرون. ليبيا لا تعطي تأشيرات سياحية فردية، وانما لمجموعات من أربعة أفراد أو أكثر، وكان الكاتب ضمن مجموعة بريطانية مخضرمة ومجرّبة، ولاحظ البريطانيون بارتياح ان الطرق الليبية تخلو من لافتات الاعلان التي تشوه طرق أوروبا، الا انه كان هناك بدلاً منها لوحات للعقيد معمر القذافي. وتوقف ريتشاردسون أمام صورة للعقيد بنظارات قاتمة وغطاء رأس مزركش، قال انها كانت كما لو أن رئيس الوزراء توني بلير ارتدى من الثياب ما يرتدي المغني بوي جورج. السربتة مبنية بالحجر الرملي، وآثارها محفوظة، بما في ذلك المدرج حيث واجه المصارعون الأسود. ومرت مجموعة السياح في طريق العودة بالجنزور حيث اكتشف أخيراً قبر روماني محفوظ جيداً. السياح البريطانيون قاموا برحلة زادت على 500 كيلومتر الى غدامس في جنوب غربي البلاد قرب الحدود التونسية. وهم مروا في الطريق بقصور البربر، حيث لا تزال تقوم صوامعهم لحفظ الغلال وزيت الزيتون والفاكهة، وبعضها لا يزال مستعملاً الى اليوم. ويسجل التحقيق ان الحكومة نقلت حوالى ستة آلاف من سكان غدامس الى مساكن حديثة، الا انهم يفضلون المدينة القديمة بشوارعها الضيقة، ويقولون ان المباني الحديثة تتحول الى ما يشبه الأفران في حر الصيف. لم أزر ليبيا يوماً، غير ان المقال مشجع، وهو يضم أسماء شركات سياحة وسفر، ويوضح الأسعار، وكلها معقول، وقد راسلت اثنتين من هذه الشركات، والمعلومات متطابقة. طبعاً لا يمكن أن يكتمل موضوع عن السفر والسياحة من دون مصر التي أشعر أحياناً بأنه لم يبق شيء عن الآثار فيها إلا وكتب، وأعيدت كتابته ألف مرة. ومع ذلك يقع الواحد منا على جديد هو هذه المرة الباخرة "كريم" بين اسوان والأقصر. وثمة مئات القوارب على النيل، وقد استعملت بعضها، غير ان جان اثرنغتون في "الديلي تلغراف" تقول ان هذا القارب بني سنة 1917 في انكلترا، وكان هدية للملك فؤاد. وهو لا يزال يرفع العلم الملكي وغرفه وصالاته من دون تغيير، ولكن المطبخ جديد وهناك تهوئة مركزية. تشغل القارب شركة رحلات جول فيرن، وهناك رحلة طيران خاصة من مطار غاتويك قرب لندن الى أسوان. والسائح يرى أبو سنبل وجزيرة فيله، وادفو، وقد يقوم برحلة في بالون فوق وادي الملوك، أو يزور قبر رمسيس السادس، ويرى "كتاب الموتى" أي الدليل الى العالم الآخر. التحقيق في "الصنداي تلغراف" يتحدث كيف كان تحتمس الثالث يكره زوجة أبيه حتشبسوت، التي جعلت من نفسها "فرعونة"، وكيف دمر كل آثارها بعد موتها. كنت في الأقصر سنة 1997، وزرت معبد حتشبسوت وسمعت في ظله "أوبرا عايدة"، ولم تمض أسابيع حتى ضرب الارهاب المكان، وتعرض قطاع السياحة لأزمة خانقة احتاجت الى سنوات للخروج منها. وسجلت السنة الماضية رقماً قياسياً في عدد السياح، إذ تجاوز ستة ملايين، ويتوقع أن تسجل هذه السنة رقماً أعلى. مصر تستقبل السياح منذ ألف سنة قبل الميلاد، ولا يزال السائح يُنصح ألا يأكل السلطة، وان يغسل الفاكهة جيداً. الا ان لا مشكلة مع القارب كريم، فهو مزود بجهاز لتكرير الماء. ماذا يفعل السائح إذا كان زار مصر، واذا كان ينتظر بناء فنادق أفخم في ليبيا؟ "الاوبزرفر" تنصحه بزيارة اوزبكستان. وفي حين ان العاصمة طشقند دمرها زلزال سنة 1966، وأعيد بناؤها على الطريقة السوفياتية الكئيبة، فإن سمرقند وبخارى تستحقان الزيارة، والكاتب جيمس فلنت يقول ان بخارى ذكرته بليالي ألف ليلة وليلة. وثمة تفاصيل تشرح كيف يستطيع الزائر الانتقال من أوزبكستان الى طاجيكستان وتركمنستان وقرغيزستان وكازخستان. والخيار له فإما هذه أو الجلوس أمام التلفزيون في بيته.