سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الرجل الذي قاد البعث العراقي الى السلطة في 1963 يكسر عقوداً من الصمت ويفتح ل"الحياة" خزنة أسراره . حازم جواد : البكر طلب من حردان التخلص من صدام ليلة الاستيلاء على السلطة وعبدالسلام عارف كان حاول في 1963 تكليفه اغتيال عفلق والحافظ في بغداد الحلقة الثانية
الرجل الذي قاد "البعث" الى السلطة في 8 شباط فبراير 1963 كان "بريئاً" من عودته اليها بعد خمسة اعوام. لم يكن سراً ان احمد حسن البكر وصدام حسين كانا ينتظران اي سانحة للانقضاض على السلطة. ففي اواخر 1967 شارك حازم جواد في استقبال ضيف اجنبي والتقى البكر في المطار واصطحبه في سيارته في طريق العودة. وفي الطريق سأله البكر ان كان غيّر رأيه بالنسبة الى العودة الى الحزب، وحين أجابه بالنفي، اشار البكر الى دبابات للجيش، وقال لجواد: "انهم في انتظارك". كان الكلام دعوة الى المشاركة في انقلاب سيتمكن البكر وصدام من تنفيذه في 17 تموز يوليو 1968 بفعل تحالف غريب مع "مجموعة الرواد". بعد 13 يوماً فقط سيتآمر البعثيون على العسكريين الذين فتحوا لهم ابواب القصر. استدرج البكر رئيس الوزراء المقدم عبدالرزاق النايف الى غداء من لحم الغزال. دخل صدام بالرشاش واقتاد النايف الى المطار ودفعه الى المنفى. وفي الوقت نفسه أبلغ وزير الدفاع الفريق ابراهيم عبدالرحمن الداود الذي كان يتفقد القوات المرابطة في الاردن ان لا طريق امامه غير طريق المنفى فسلكه. قلت لحازم ان موسم الغدر بدأ باكراً فابتسم وقال: "قصة 17 تموز بدأت بالغدر والخيانة والرشوة وانتهت بما بدأت به". لم يكن جواد شريكاً او لاعباً بعد 17 تموز. لكنه كان يعرف اسرار النظام الجديد، فكبار العسكريين وبينهم البكر وحردان التكريتي وزير الدفاع وصالح مهدي عماش وزير الداخلية كانوا في المكتب العسكري الذي أداره على طريق 8 شباط 1963. والمدنيون جاؤوا من الحزب الذي كان يقوده وان كانت ادوار بعضهم متواضعة في ايامه. لهذا كان على اطلاع على ما يدور حتى في الحلقة الضيقة. شهد جواد قيام النظام الجديد الذي سارع في بيانه الثاني الى اعلان حجز امواله المنقولة وغير المنقولة على رغم معرفته بعدم وجودها. رأى آلة الرعب تنطلق وتصطاد اسماء أدت للحزب خدمات كبيرة. لم يأت صدام الى السلطة ليغادرها. سيطحن الحزب والجيش والدولة والشعب. ستنقض آلة القتل على من تحوم حوله شبهة معارضة او مجرد اعتراض صامت. وجود البدائل محظور. ذات جلسة فتحت مع حازم جواد حديث الاغتيالات، فانهمرت الجثث. ناصر الحاني وزير الخارجية العابر غداة 17 تموز، والعقيد عبدالكريم مصطفى نصرت الذي قاد الهجوم في 1963 على عبدالكريم قاسم المتحصّن في وزارة الدفاع، والفريق حردان التكريتي الحاضر في المحطات الكبرى وتحديداً ثورة 14 تموز 1958 وثورة 14 رمضان 1963 وانتهاء ب17 تموز 1968، وعبدالكريم الشيخلي وزير الخارجية وشريك صدام في محاولة اغتيال قاسم. ادار صدام آلة القتل لكن جواد لا يبرئ البكر "الماكر الكبير" الذي كان يفتعل البراءة احياناً محاولاً غسل يديه. وهنا نص الحلقة الثانية: ما هي ابرز الاغتيالات في عهد البكر - صدام؟ - الاغتيالات ملازمة لتاريخ العراق. في فترة العهد الملكي الطويلة، يمكن تسجيل حادثتين او ثلاث. لكن في عهد البكر صدام، اصبحت قاعدة وليست استثناء، فهما مارساها من اليوم الاول، واستطيع القول، استناداً الى مصادر ثقة، ان الرئيس احمد حسن البكر، وهذا سر قد تكون تسمعه للمرة الاولى، وفي ليلة التواطؤ لاحتلال القصر الجمهوري في 17 تموز 1968 خاطب حردان التكريتي قائلاً: "يا حردان هذا الولد صدام لم يدخل في عقلي فهل تخلصنا منه الليلة". رفض حردان تنفيذ هذا الطلب. وكان حردان رفض في مرة سابقة يوم 19 تشرين الثاني نوفمبر 1963 طلباً من الرئيس عبدالسلام عارف لاغتيال ميشال عفلق وامين الحافظ وجميع اعضاء الوفد القومي الذي كان موجوداً في بغداد يوم 18 تشرين الثاني 1963 يوم حسم عبدالسلام عارف الصراع على السلطة لمصلحته مخرجاً البعث منها. هذه الرواية موثوقة؟ - الرواية عن طلب اغتيال ميشال عفلق وامين الحافظ وايضاً صلاح جديد موثوقة مئة في المئة، وحردان رفض تنفيذها. اما الرواية الاخرى فأنا انقلها من مصدر ثقة، وقد ضمنها حردان في مذكراته التي لم يعثر عليها. وكان هدفه اثارة الشقاق بين البكر وصدام، لأن حردان حقد على البكر اكثر من حقده على صدام. قصة الاغتيالات حاضرة في عقلهم من الاساس وهي ليست شيئاً جديداً او ان الظروف اضطرتهم اليها. قتلوا يوم 17 تموز حزبياً من آل شوكت، وهو ابن شخصية عراقية معروفة، وقيل ان صدام ائتمنه على بعض اموال الحزب، وهي مبالغ بسيطة، وانكرها عليه عندما هرب من سجن عبدالرحمن عارف، فبيت له كميناً يوم 17 تموز، اي انه كان يمكن ان ينتظر ويعتقله. وهذا يعكس حبه للقتل. هل علم صدام ان البكر طلب من حردان قتله؟ - الصديق الذي نقل القصة قال ان صدام علم بها، وان ذلك كان من جملة اسباب الصراع بين الرجلين، وعدم الثقة الذي ساد بينهما منذ بداية السبعينات الى ان صفي البكر عام 1979. هل علم صدام بالحادثة بعد سرقة المذكرات؟ لا أعرف بدقة لكن هناك اجماع ان حردان ذكر الحادثة فيها وكانت المذكرات معه في الجزائر. اما العملية الثانية بعد حادثة شوكت، فكانت مصرع الدكتور ناصر الحاني الذي جاءوا به وزيراً للخارجية لفترة قصيرة ثم أُعفي من منصبه في 30 تموز وعين مستشاراً لاحمد حسن البكر. لماذا أتوا به ثم اعفوه؟، لا ندري، ولكن الخبر الاكيد، ان البكر كان يتظاهر امام الحاني بأنه هو المهدد من قبل "الاولاد" كما كان يسميهم، ويقصد صدام ومجموعته في العلاقات العامة، الذين هم ناظم كزار وعلي رضا ومحمد فاضل وسعدون شاكر وطاهر محمد امين وغيرهم. كان البكر عندما يأتيه الحاني الى غرفته ليتكلم في موضوع ما، يأخذه الى حدائق القصر ويقول له "أخشى ان يسمعنا الاولاد ويؤذوك". ويبدو ان الحاني كان مطمئناً الى رئيس الجمهورية، الى ان ذهب ثلاثة من مكتب العلاقات العامة واقتادوه في احدى الليالي وقتلوه ورموا جثته في احد شوارع بغداد في مكان محاذ لقناة الجيش، وسببت هذه الحادثة صاعقة لأهل بغداد، ليس لنوعية الدكتور الحاني وانما فقط لبداية ممارسات هذا النظام، لأنهم ادعوا في بياناتهم ان 17 تموز انقلاب ابيض او ثورة بيضاء، ثم ان المعروف عن الحاني انه شخص ديبلوماسي وليست له يد في العمل السياسي والتآمري اليومي. قد تكون عليه سمعة وارتباطات اخرى لا يعلمها الا هو والله، ولكن المعروف عنه انه من السلك الديبلوماسي العراقي وتعاون مع عبدالكريم قاسم وتعاون مع بعث 1963. اما الحادثة الثالثة التي اصابت حزب البعث بصاعقة هي مصرع العقيد الركن المظلي عبدالكريم مصطفى نصرت، الرجل الذي قاد الهجوم على ثكنة وزارة الدفاع يوم 8 شباط 14 رمضان، هذه الجريمة لا تقبل الجدل فهي كانت مرتبة، والسبب في ذلك، واذكرها للمرة الاولى، انني كنت طرفاً فيها. ففي احد ايام اواخر سنة 1968، وصل الى بغداد الصديق طلعت صدقي السوري الاصل، وكان يشغل في ذلك الوقت مكتب الشؤون العربية في رئاسة الجمهورية العربية المتحدة، وكان بيته ومقره قريبين من بيت الرئيس عبدالناصر، وكان مبعوثاً للاستطلاع او لكتابة تقرير، وهو صديق شخصي لي ويعرف عبدالستار عبداللطيف منذ ايام ثورة 14 تموز وثورة 14 رمضان، وله علاقات ايضاً مع صالح مهدي عماش والبكر وعلي صالح السعدي، وعلى رغم انه شخصية ناصرية الا ان له علاقة متشابكة مع البعث العراقي، هي علاقة ود ان لم تكن علاقة تعاطف. دعاه عبدالستار عبداللطيف، الذي كان متقاعداً في ذلك الوقت، الى عشاء في الساعة السابعة والنصف. وكان من المدعوين انا وعبدالكريم مصطفى نصرت وضابط او اثنان من معارفه. نصرت معروف بين اصدقائه وزملائه بدقته في المواعيد الى درجة عجيبة، فاذا كان موعده في السابعة، فلا يمكن ان يأتي بعدها بدقيقة او قبلها بدقيقة، وهو يسكن قريباً من بيتي، فأنا كنت اسكن في المنصور وهو في مدينة اليرموك. وكان من المفروض ان يمر علي، ونذهب الى الجانب الشرقي من بغداد الى بيت عبدالستار عبداللطيف، وعند الساعة السابعة بالضبط تلقيت هاتفاً من عبدالستار عبداللطيف يتوسلني كي اذهب الى فندق بغداد لجلب طلعت صدقي الى داره، ويبدو انه لم تكن هناك سيارة رسمية مخصصة لطلعت صدقي، قلت له وماذا عن عبدالكريم؟ قال اترك له خبراً عند السيدة الوالدة ليتوجه مباشرة الى هنا. حاولت الاتصال به مرتين وثلاثاً ولم يكن هناك اي رد منه، عندها تركت له رسالة عند امي، ان يلحق بنا. ذهبت الى فندق بغداد واخذت معي طلعت صدقي، وتوجهنا بعدها الى بيت عبدالستار عبداللطيف الكائن في منطقة الصليخ المشهورة، وبدأنا نتسامر مع بقية المدعوين والآخرين، وفجأة انتبهنا الى ان عبدالكريم تأخر على غير عادته، فاتصلنا به في بيته الا ان الهاتف بقي يرن ولا من يجيب. فاتصلنا بأمي نسألها ان كان قد جاء، فقالت لا، وبقينا الى حد الساعة العاشرة ننتظره ليأتي ويتعشى معنا، ولكن الهاتف ما زال يرنّ بلا جواب، عندها اعتقدنا ان شيئاً ما قد حدث قطعاً. تناولنا العشاء وغادرنا بيت عبدالستار بحدود الساعة الثانية عشرة، على امل ان نفهم في اليوم التالي ما حدث لعبدالكريم ودعاه الى الغياب. عاد معي طلعت لأوصله في طريقي الى فندق بغداد، وصلنا الى ساحة التحرير المشهورة، واذا بها محتلة من قبل عدد من المدنيين ورجال الشرطة والجيش وقد اختلط الحابل بالنابل، وكأن هناك مسيرة او تظاهرة. حتى تلك اللحظة كنت لا أزال معروفاً واسمي متداولاً، فوقفت لأنهم لم يسمحوا للسيارة بالمرور الى ساحة التحرير، سألت اثنين او ثلاثة مدنيين وقلت لهم انا فلان، ما الخبر؟ فقالوا ألم تعلم يا سيدي؟ قلت لا، فأجابوا: الليلة سيتم اعدام مجموعة من جواسيس اسرائيل، وستعرض جثثهم في ساحة التحرير، ولذلك فالطريق الوحيد هو ان تسلك شارع ابو نواس. استغربت وقلت ما هي قصة هؤلاء الجواسيس، اما طلعت صدقي فقد اصفرّ وجهه ولم يكن مرتاحاً للعملية، وكانت لديه حركة مشهورة عندما تخطر له فكرة او كذا كان يضرب على جبينه، ففي تلك اللحظة ضرب على جبينه بيده بشكل عجيب، فقلت له ما الامر، فقال بدأت الان اقلق على صديقك. طبعاً طلعت كان امضى حياته في الاستخبارات المصرية، وفي المكتب الثاني السوري، قلت له ولماذا؟ قال قلبي يقول لي ذلك، فأنتم تقولون عن هذا الرجل انه مضبوط المواعيد، واتفقتما ان يمر عليك، فما هو الهدف من هذا التوقيت؟ فقلت له ان هذه مجرد ظنون. على كل حال اوصلته، وذهبت انا الى البيت. في صباح اليوم التالي اتصل بي احد الاصدقاء هو الضابط عزيز شهاب وهو صديق قديم لعبدالكريم نصرت وللاسرة، وقال البقية بحياتك، عبدالكريم نصرت قُتل... فقلت له اعوذ بالله هل تتكلم بصدق؟ قال نعم. لقد اتصلت بي اخته في الصباح، وانا سأمر عليك. اخذتني المفاجأة، من الذي يريد قتله، وفوراً ربطت المسألة مع حادثة البارحة. اذاعة بغداد والتلفزيون باشرا منذ الصباح الباكر بالحديث عن اعدام 10 او 12 بينهم عدد من اليهود وجنود واصحاب مخابز، وهناك معلومات علمتها متأخراً من احد منظمي هذه العملية هو السيد علي رضا، ان هذه كانت كلها تمثيلية، وان هؤلاء كانوا معتقلين لدى عبدالرزاق النايف ايام عبدالرحمن عارف، وقيد التحقيق. استدعوهم من الاستخبارات العسكرية الى قصر النهاية، وبعد ذلك قاموا بهذه التمثيلية والغرض منها كما قال لي علي رضا الارهاب فقط. هذا يعني ان هؤلاء لم يقوموا بأي مؤامرة؟ - لا. فقد كانوا معتقلين من ايام عبدالرزاق النايف عندما كان مساعداً لرئيس الاستخبارات العسكرية. واعتقد انها القصة نفسها التي ذكرها لك المقدم ابراهيم الداود، في سلسلة "يتذكر"، حين قال انه بعد حزيران امسكنا بجماعة، فربما كان يقصد هؤلاء. كلّمت صديقاً او اثنين من اصدقاء عبدالكريم في وزارة الدفاع، وذهبت الى بيته. كان البيت مغلقاً، والشرطة العادية تتولى الامر، اي ليس الاستخبارات او اجهزة اخرى علماً ان الرجل شخصية بارزة من شخصيات حزب البعث وكان معتقلاً طيلة فترة عبدالسلام عارف وعبدالرحمن عارف، وعُذب وهو كان بطل محاولة الخامس من ايلول 1964 التي القي القبض فيها على صدام، فهو كان الرقم واحد. لم نستطع ان نفهم شيئاً، ولكن عرفنا من احد افراد عائلته ان الدخول ممنوع، وان الدولة وضعت يدها على البيت وان المغدور كان مصاباً بأكثر من طعنة بالسكين. وهل كانت له علاقة بأحداث 17 تموز 1968؟ - لا اعرف انا شخصياً، فقد ظهر لنا انه كان رئيس التنظيم العسكري الذي يتبع الفرع البعثي المؤيد لسورية بعد الانشقاق، وان احمد حسن البكر وصدام، بذلا معه جهوداً كبيرة قبيل 17 تموز لينضم اليهما، وكان عنيداً ويرفض عروضهما، ويقول لهما "انا لا اشتغل معكما او مع عماش وغيره، انا حزبي حقيقي". شاع الخبر في بغداد. نظمنا له تشييعاً في اليوم التالي وقراءة فاتحة في جمعية الاداب الاسلامية، وجاء ممثلون عن السلك العسكري العراقي، فقط غاب البعثي الرسمي الحكومي، اذ لم يأت احد منهم. الغريب انه اطلقت اشاعة في اليوم التالي في وزارة الدفاع وعلى عموم الحزب الرسمي ان عبدالكريم مصطفى نصرت كان رجلاً مخادعاً للحزب وللجميع وشاذاً جنسياً، وكان معه احد الصبيان عندما قتل، ويبدو ان هذا الصبي هو الذي طعنه وقتله وهرب بسيارته، لأن سيارة عبدالكريم لم تكن موجودة. طبعاً هذه عملية خسيسة، فهو كان في الجيش ولم يثر احد هذا الموضوع ولم نكن نسمع عنه هذه السمعة عندما كان في الخدمة العسكرية. كان نصرت أحيل الى التقاعد منذ ايام عبدالسلام عارف، اي بعد عملية 5 ايلول 1964 اذ اعتقلوه واحالوه الى التقاعد. وخرج الجميع من السجن قبله. عذبوه تعذيباً شديداً للبوح بأسرار التنظيم، وصمد صموداً عجيباً وغريباً، حتى انه كان يسحل، اذ يربط بسيارة جيب وتجره على طريق قناة الجيش، وكان ذلك في عهد عبدالسلام عارف، ورفض اعطاء اي كلمة، وكان صموده رمزاً لجميع البعثيين، لم يعترف مثل الآخرين كصدام الذي كشف ان الدراسة التي ضُبطت عنده وضعناها في القاهرة انا وطالب شبيب. وماذا عن الولد؟ - كانت اشاعة، وكنا نرد عليها بانها كذبة وافتراء. وفجأة قالوا امسكنا القاتل، وظهر على التلفزيون بعدما ضجت بغداد، بعد خمسة ايام من الحادث اذيع بيان يقول، ان القاتل اعتُقل في مدينة النجف ومعه سيارة عبدالكريم نصرت. وظهر شاب صغير، لم يتعرف عليه اي من المقربين من عبدالكريم نصرت، وادعى انه خادم نصرت، وانه قتله، ولمح الى شذوذه الجنسي، وانه كان على خلاف معه وطمع بسيارته. كان واضحاً ان الامر مرتب، واضطروا الى اعلان هذا البيان. والاذاعة السورية فتحت النار على بغداد بعدما اثارت قصة نصرت ضجة. وبقي هذا الولد معتقلاً بانتظار تقديمه الى محاكمة عادية، ثم اختفت آثاره. لم يقدم الى محاكمة ولم يُعرف شيء عن مصيره، وانقطعت اخباره الى اليوم. واغتيال حردان التكريتي؟ الآن قصة الفريق الطيار حردان عبدالغفار التكريتي، وهذا من تكريت اي من بلدة صدام، وهو ضابط مغامر، كان القاسم المشترك الابرز في الأحداث منذ يوم 14 تموز الى يوم مقتله، في كل المحاولات والمؤامرات التي حدثت في العراق، الناجحة والفاشلة . يبدو ان احمد حسن البكر كان يخاف منه. فجأة بدأ البكر وصدام في عقد ندوات للنخب العسكرية الموجودة في العاصمة. تلميحات الى تآمر على الحزب وبدا ان حردان هو المستهدف. كان حردان في الجزائر ويقال ان سعدون غيدان وضباطاً آخرين استدرجوه الى الكويت بذريعة انهم يهيئون لعمل انقلابي ويريدونه قريباً. يبدو انه تعذّر عليهم اغتياله في الجزائر فاستدرجوه الى الكويت. اصطحب السفير العراقي في الكويت مدحت ابراهيم جمعه الفريق حردان التكريتي الى المستشفى. وقبل ترجّل الاخير من السيارة عاجله مسلحون بالرصاص فقتل. الفضيحة هنا ان وزير الخارجية عبدالكريم الشيخلي توجه الى الكويت واصطحب المنفّذين معه في رحلة العودة. نحن قتلناه وسيلاقي الشيخلي المصير نفسه لاحقاً؟ شارك الشيخلي مع صدام في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم وانعقدت بينهما صداقة حميمة. صادفتهما معاً اكثر من مرة بينها واحدة قبل انقلاب 17 تموز 1968. ذات يوم كان الشيخلي في طريقه لدفع فاتورة كهرباء في بغداد ومعه عائلته في السيارة. أمطروه بالرصاص وقتلوه. في هذه الجريمة دخل صدام الى اجتماع مجلس قيادة الثورة وقال: "هذه المحاولة لا تنفوها. اذا سئلتم قولوا نحن تشتلناه قتلناه فهو يستحق القتل". وتابع المجلس اجتماعه برئاسة الأب القائد. استمرت آلة الاغتيالات تعمل في الداخل والخارج. قتل النظام عسكريين ومدنيين. قتل آية الله محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى. وقتل عبدالرزاق النايف في لندن في 1978. لا يتسع المكان لسرد كل التصفيات والاعدامات. ماذا عن قصة زيارة صدام للملحق العسكري البريطاني ومعه الشخص الغامض؟ هذه القصة سمعتها من ثلاثة او اربعة مصادر ثقة، اي اثق في نزاهتها لأن الرواة لم تكن لديهم مشكلة مع صدام. اولاً علي عبدالسلام من الشخصيات الغامضة في تاريخ الاربعين سنة الماضية. ثلاثة اطلق عليه الشخصيات الغامضة، الاول يدعى رشيد مطلق صديق عبدالكريم قاسم، وكان صاحب مطعم او له علاقة به واسمه "مطعم شريف وحداد" في بغداد، وهو مطعم منذ العهد الملكي، ويقال انه من كتلة "جماعة الاهالي" القديمة في الثلاثينات، ولكنه شخص لا تقرأ عنه ولا تسمع عنه. فجأة بعد 14 تموز 1958 بدأ يتبادل الزيارات مع عبدالكريم قاسم، وقيل انه الشخص الذي ارسله عبدالكريم قاسم لإبلاغ الحزب الشيوعي وكامل الجادرجي ان الثورة قريبة، بعد يومين او ثلاثة، واسموه مرة او مرتين "رسول الثورة"، وظل غامضاً الى ان عيّنه عبدالكريم قاسم في الايام الاخيرة لحكمه مدير السياحة والاصطياف، ولم يعيّنه في الاشهر الاولى وانما في نهاية السنة الاخيرة وسلّمه "قصر النهاية" ليكون مقراً للسياحة والاصطياف. والغريب مع رشيد مطلق انه في عام 1963 اعتقل وافرج عنه خلال شهر، فمن اخرجه؟ لا احد يعرف. اما الشخص الثاني، فهو عبدالجبار حمزة، الذي لم يُعرف ايضاً ما هو عمله، وهو من سكان الكرخ. وراجت اشاعة عنه انه مدير "استخبارات الحق"، وهذه تابعة لعبدالكريم قاسم كجهاز استخباراتي شخصي، وهذه قرأتها في لندن في كتب رموز الشيوعيين، فلقد وصلتهم الاخبار كما وصلتنا. وجند حمزة جماعات لخدمة عبدالكريم قاسم، وأحد الوشاة في تحرك الحزب الاخير رمزه "ع. ب" وهو قريب الى احد المنفذين، فهذا تطوع للذهاب الى عبدالجبار حمزة شخصياً وقال له ان هناك حركة ضد قاسم. وكان هذا يوم الخميس عشية 8 شباط، ولم يتمكن حمزة من ايصال الرسالة. قبل ذلك كان الرجل نفسه اخبر قوى الامن بالاجتماعات التي تعقد في منزل طالب شبيب ما ادى الى دهمه واعتقال بعض القادة وقد علمنا بها من احمد صالح العبدي. و"ع. ب" كان طلب انتقاله من سامراء الى بغداد، وكان يعلم بالحركة نتيجة ثرثرة احد الضباط المنفذين الذي يعرف عائلته، واعترف لي بذلك رئيس اركان الجيش احمد صالح العبدي الذي وجدته سجل اسمه بالصدفة فأخبرنا. فعبد الجبار حمزة خطر ايضاً، والشيوعيون يشتكون منه، ونحن امسكناه كجاسوس فمن المفترض ان يعدم، اعتقل واختفت قصته ثم أُفرج عنه. والشخص الثالث هو علي عبدالسلام، وهو من منطقة منصورية الجبل شمال شرقي بعقوبة، وهي منطقة تعج بمعسكرات الجيش، وهو يعمل اما مزارعاً او راعي اغنام ومهرباً، وله علاقات وطيدة مع ضباط الجيش العراقي ويعرف كثيرين منهم. فجأة برز اسمه في حركة عبدالوهاب الشواف، وفي محاكمات المهداوي التي تلت الاعتقالات، وجاء لاجئاً هارباً الى سورية. تعرفت اليه هناك، فهو كان مع الشواف ومن قادة الحركة وساهم في تهريب بعض الاسلحة وايضاً اجهزة الارسال التي زودت الجمهورية المتحدة العقيد الشواف بها، وعندما جاء الى سورية جاء كزعيم سياسي. جلست معه للتعارف فرأيته اكبر من حجمه بكثير، فمن هو وما هي كفاءته؟ لم نسمع بإسمه من قبل. ابتعدت عنه، وظل هو في سورية ويعتمد عليه "المكتب الثاني" الى ان عاد مع ثورة 14 رمضان، واذا ب"ابو ربيع" يعرف رئيس اركان الجيش طاهر يحيى واحمد حسن البكر، وطبعاً في هذه الاثناء وبصفته لاجئاً في الجمهورية العربية المتحدة تعرف الى صدام وعلي السعدي وفيصل حبيب الخيزران وجميع البعثيين، وهو اجتماعي ويتنقل من بيت الى بيت، فصار شخصية معروفة. وفي 18 تشرين الثاني 1963 يقال انه كان يرتدي بزة رائد، ومع طاهر يحيى وايضاً مع مجموعة صدام حسين التي واجهت الحرس القومي عندما قرر عبدالسلام عارف مواجهتهم. علي عبدالسلام كان مشتركاً متطوعاً. وبعدما استقر الوضع لعارف لم يقبل "ابو ربيع" الذي يرتدي بزة رائد. طرده، وطلب منه نزع البزة والرحيل وإلا سجنه. فنقم علي عبدالسلام على الرئيس عبدالسلام عارف، لكنه ابقى على علاقته بطاهر يحيى الذي عيّنه عبدالسلام عارف رئيساً للوزراء، ويبدو ان صدام في تلك الفترة كوّن علاقة معه، وكلّفه نقل بعض المعلومات او غير ذلك. لكن الحادثة التي نحن بصددها نرويها نقلاً عن حاتم حمدان العزاوي الذي كان هو ايضاً أحد اعضاء زمرة تنفيذ اغتيال عبدالكريم قاسم وكان هارباً الى القاهرة. يقول انه مطلع عام 1964 "فاتحني صدام لمرافقته الى البصرة مع علي عبدالسلام لأنهما يريدان مقابلة القنصل البريطاني وهو رافقهما وذهب متطوعاً. يبدو ان صدام كان يبغي طلب الحماية او وجود شهود، اذا حدث شيء. لا ادري لماذا لم يحضر العزاوي المقابلة. بعدها انشق الحزب الى جناح يساري والى الحزب القومي الموالي للقيادة القومية، وهو الاصلي. وقسم من جماعة علي السعدي انشقوا واطلقوا على انفسهم الحزب اليساري وانضم اليهم حاتم حمدان العزاوي، وكتب تقريراً لقيادة الجناح عن تلك الحادثة. اخبر عنها قيادة تنظيم القطر، اي جناح علي السعدي، وعلم اعضاء هذا الجناح بهذه الواقعة، وسُجلت نقطة ضد صدام. عرفت هذه القصة متأخراً في عام 1968 او 1969. سمعتها من هاني الفكيكي ومن حميد خلخال الذي كان ايضاً متعاطفاً مع علي السعدي على رغم انه تركه بعدئذ وعاد الى الحزب القومي، وسمعتها ايضاً من عبدالستار الدوري، وعلمت ان الرسالة التي كتبها حمدان كانت محفوظة عند السيدة زوجة علي السعدي، ولسبب ما ولظروف الارهاب، أتلفت الرسالة مع وثائق التنظيم الاخرى، خوفاً من ان تقع في يدي صدام وجماعته، وهذه الرسالة عقوبتها الاعدام. الذي لم استطع فهمه في كل هذه القصة ان حاتم حمدان عاد الى التعاون مع صدام وعيّنه في فترة رئيس ديوان رئاسة الجمهورية. هل يمكن ان يكون صدام اجتمع بالقنصل البريطاني مع علي عبدالسلام؟ نعم، ويبدو ان علي عبدالسلام هو القائد او المدبّر وهنا الغموض. فعلي عبدالسلام ابو ربيع يعرف الضباط ويشترك في عملية الشواف ويذهب الى الجمهورية المتحدة ويعود. في بعض العمليات تكون الامور متشابكة. طبعاً هو لم يذهب الى الشواف بصفته عميلاً بل بصفته قومياً ضد عبدالكريم قاسم ومع عبدالسلام عارف، فماذا تسمي هذا؟ على كلٍ، بعد عام 1968 وفي حملة الارهاب التي بدأت، اعتقل علي عبدالسلام، وكان من جملة ضحايا قصر النهاية، ولم يعرف سبب هذا الاعتقال، وقبل عام 1968 كان علي عبدالسلام لولب هذه الحركة، وكان يدعو بعض الضباط الى داره، حتى انه في يوم ما كان حماد شهاب قطب المؤامرة وآمر اللواء المدرع العاشر، في دار علي عبدالسلام. رجل بلا اسنان في اي عام اعتقل علي عبدالسلام؟ اعتقل بشكل مبكر في عام 1969، وعُذب تعذيباً شديداً، لم يُقتل وأُطلق سراحه بعد فترة. ولسبب ما زرته حتى التقط ماذا يحدث في قصر النهاية، فشكا لي وابرز فمه بلا اسنان. وقال لي: "هل تقبل بهذا، انا ماذا فعلت لهم؟ كنت دائماً اخدمهم". لم يصدق ما حصل له، فقد كسروا اسنانه ويديه ورجليه. سلّمت عليه وقلت له "انساها والحمد لله انك خرجت سالماً". وبعد يومين او ثلاثة من ذلك اليوم قرأت في الصحف عن اقامة الفاتحة على المرحوم علي عبدالسلام الذي توفي في حادث مؤسف. فسألت عنه فقالوا لي انهم أعادوا اعتقاله واطلقوا عليه طلقتين او ثلاث في الجمجمة ورموه قريباً من بيته، فكان اخراجه من السجن اما خطة او لتطمين جهة ما. فهذه قصة أحد الاشخاص الغامضين في مدة اربعين سنة. * غداً البيان الرقم واحد.