لمناسبة السجالات الحاصلة بين الجماعات العراقية اليوم حول الانتخابات والسلطة الجديدة وتركيبة النظام المقبل التي تطاول هويات وعقائد، ننشر في ما يلي نص ورقة كان أعدها العلامة الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الى مؤتمر للمعارضة العراقية عقد في بيروت من 9 الى 12 آذار مارس 1991. وفي حواشي الورقة آيات من القرآن الكريم لم نستطع تحديد مواقعها في السياق فنوردها تباعاً قبل بداية الورقة: "أذِن للذين يقاتلون بأنهم ظُلِموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حقٍ إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفعُ الله الناس بعضهم ببعض لهُدمت صوامع وبيعٌ وصلواتُ ومساجدُ يُذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقويٌ عزيز. الذين إن مكَّنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المُنكر ولله عاقبة الأمور". الحج 39 - 41 "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون". آل عمران 102 - 103 "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين". الأنفال 46 "واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطَّفكم الناسُ فآواكم وأيّدَكُم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون" الأنفال 26. إن الحركة الإسلامية اللبنانية التي تكونت في شعبٍ متنوع الانتماء الديني والمذهبي، ومتنوع الانتماءات الايديولوجية، والتي - بسبب ذلك - لا بد لها من أن تكيف نفسها لصيغة العيش المشترك وأسلوب الحوار... إن هذه الحركة تعي بعمق تنوع شعب العراق وتنوع المعارضة العراقية التي تمثله، هذا التنوع الذي لا بد أن يجد صيغته المثلى في التكامل الذي يعبر عنه هذا المؤتمر التاريخي. وإن الحركة الإسلامية اللبنانية التي خاضت - جنباً الى جنب مع سائر القوى السياسية الوطنية اللبنانية - المعارك ضد فساد النظام، وضد الغزو الاسرائيلي والاحتلال الاسرائيلي للبنان، تحيي تلاحم قوى الحركة الإسلامية العراقية مع سائر القوى السياسية العراقية القومية والوطنية العربية والكردية في مواجهة حكم الطغيان على أرض العراق. ان الحركة الإسلامية اللبنانية وفاءً منها لالتزامها الإسلامي تقف نفس الموقع مع شعب العراق المجيد الباسل في انتفاضته ومع المعارضة العراقية التي تقود هذه الانتفاضة. إن العراق ليس شيعياً وليس سنّياً، بل هو مسلم بعربه وأكراده، يتكون من مسلمين، منهم حركيون ومنهم قوميون ووطنيون. والمعارضة العراقية تعكس تكامل الشعب العراقي من خلال هذا التنوع. وإن الانتفاضة التي تتوهج الآن في العراق بعزائم وإيمان ودماء الشعب العراقي الزكية ليست إسلامية أصولية شيعية أو سنّية فقط وليست قومية عربية أو كردية فقط، بل هي تتكون من كل ذلك وهي كل ذلك، دون التقليل من حجم الكبار أو التهوين من أهمية الصغار، لأن الكل ضرورة للكل، فمشروع الشعب العراقي الآن هو التحرر وتحقيق الوحدة بالتكامل بين جميع فئاته ومجموعاته. وإذ نطل على العالم من هذا المؤتمر فيجب أن نطل بوجه واحد، وخطاب سياسي واحد ومشروع سياسي واحد للمرحلة يعبر عن تطلعات الشعب العراقي المسلم العربي - الكردي الذي يحتوي الإسلامية والعروبة والكردية على قاعدة الشورى/ الديموقراطية التي يخرج بها العراق من الديكتاتورية وحكم الطغيان الى آفاق الحرية المسؤولة الواعية. إن المشروع السياسي للنظام الجديد يجب أن يقوم على توزيع عادل وموضوعي للسلطة ينطلق من الواقع، على أساس التكامل بين المجموعات وليس على أساس اقتسام الحصص. وان المشروع السياسي للنظام الجديد يجب أن يتكلم بلغة مشتركة مع محيطه العربي الإسلامي، وان يتكامل مع محيطه العربي الإسلامي في قضايا المحيط السياسية الكبرى وفي مقدمها قضية فلسطين، وفي قضايا الأمن الاقليمي والتنمية، وبهذ التكامل مع المحيط ينفتح العراق الجديد على العالم باعتباره قوة اقليمية ذات شأن في النظام الدولي الذي يتكون الآن. إن محنة شعب العراق لم تنشأ من انعدام أو نقص الإسلامية فقط، ولم تنشأ من نقص أو انعدام العروبة فقط، ففي أسباب المحنة من هذا وذاك الكثير، ولكن علينا أن نعي العنصر الأكبر في أسباب المحنة وهو انعدام الديموقراطية، أعني الشورى في تداول السلطة، وانعدام الحريات العامة وحقوق الإنسان. ان مستقبل العراق العزيز القوي لا يمكن أن يقوم إلا على أساس التكامل بين التيار الإسلامي والتيار القومي، والعراقيين الأكراد والعراقيين العرب. والإسلام في قضية التكامل السياسي وغيرها واسع سمح يتسع لكل أحد، وقد أثبتت الحركة الإسلامية العراقية من خلال التجربة والمعاناة في داخل العراق وفي المنافي انها تتمتع بالنضج والورع، فلم تقع في أخطاء وقعت فيها حركات أخرى في ما بينها ضد نفسها، وفي ما بينها وبين الآخرين. لقد استشهدت الحركة الإسلامية العراقية من أجل قضية الإسلام في العراق، ولم تدفع بالشعب الى الاحتراب من أجلها. ومن هنا فإن أفقها رحب منفتح على التعاون والتكامل مع جميع القوى السياسية. وان ما يجب أن يحرك الانتفاضة والمعارضة ويقود خطاها هو الحب للإسلام وموالاة المسلمين والحب للعروبة والحب لشعب العراق، وليس الحقد على النظام. يجب أن يحركنا عامل الحب وليس عامل البغضاء، ولو لم تكن فينا إلا البغضاء لما تحركنا، فهي لا تستحق أن تسفك من أجلها الدماء، وهي لا تشرّف انسانية الإنسان.