قد يبدو غريباً أن يطرح مواطن عربي على نفسه وعلى أهل قومه هذا السؤال: ماذا يعني أن أكون عربياً؟ والغرابة في طرح السؤال إنما تكمن أساساً في الظروف التي تجعل هذا السؤال ممكناً. ذلك ان مرور الزمن، وحشد الأحداث التي شهدتها بلداننا فيه، هو الذي ولّد ويولِّد التساؤل الضمني عند المواطن العربي، التساؤل الذي لا يجرؤ أحد على الجهر به، عن هذا المعنى الذي تشير اليه كلمة العربي أو العربية، كصفة للمواطن الفرد، وكصفة لشعوبنا ولبلداننا بالمفرد وبالجمع. فإذا كان المقصود من صفة العربي أو العربية أو العروبة الدلالة على أن الموصوفين بها ينتمون الى قوم هم العرب، وأن انتماءهم القومي الى العروبة هو أصل التعريف بهم، فلماذا إذاً تأخرت، وما زالت تتأخر، الترجمة الفعلية لهذا الانتماء في صيغة من الصيغ المعاصرة على الأقل، حتى لا نقول الصيغ القديمة التي شهدتها أوروبا في القرن التاسع عشر على سبيل المثال، حين شكلت دولها القومية من مدن ومقاطعات مبعثرة؟ لماذا فشلت كل المحاولات التي جرت لتحقيق شكل من أشكال التعبير عن ذلك الانتماء في صيغة وحدة أو اتحاد؟ ولماذا فشلت الجامعة العربية التي ولدت في وقت مبكر 1944، أي في المرحلة الأولى من حصول عدد من البلدان العربية على استقلالها، لماذا فشلت في أن تتحول، حتى في ذلك الحد الأدنى من صيغة الوحدة، الى مركز حقيقي، أي غير شكلي، لمعالجة القضايا العربية، الخاصة والعامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية، وعجزت عن إحداث وتطوير أية صيغة من صيغ التعامل بين البلدان الأعضاء، ولو في صورة تدريجية، في هذه المجالات كلها؟ ولماذا سارت الأمور بالكامل في الاتجاه المعاكس لما هو مطلوب تحقيقه تلبية لحاجة موضوعية يعبِّر عنها ويشير اليها ويؤكدها انتماء البلدان العربية وشعوبها، في أكثريتها الساحقة، الى قومية واحدة، يشاركها في بناء دولها عدد متنوِّع من الأقليات القومية الشقيقة والصديقة لشعوبنا في تاريخها القديم والحديث؟ هذه الأسئلة وكثير غيرها هي التي تبرِّر طرح السؤال الأول عن معنى أن يكون حامل الصفة العربية عربياً! في الواقع، فإن كثرة من الأفكار تزدحم في مقاربتي للموضوع. وهي أفكار يعود بعضها الى ملابسات تاريخنا، وهي كثيرة. ويعود بعض آخر منها الى الخلل في فهمنا للانتماء القومي وللهوية الثقافية وللخصوصية، التي ندعي اننا نمتلكها، وانها تخصنا، واننا نعرّف أنفسنا بها. ويعود بعض ثالث منها الى خلل في وعينا لما يجري في العالم المعاصر من تحولات، والى تخلّفنا عن مواكبة هذه التحولات، وعجزنا عن تحديد موقعنا فيها، لا للاندماج بها كلياً، ولا للتمايز عنها كلياً، بل للتفاعل مع ما هو موضوعي وتقدمي منها، ومعارضة ونبذ ما هو رجعي ومتوحش ومدمِّر لبلداننا ولشعوبنا ولسوانا من بلدان وشعوب العالم. وتبرز في الحال، كمحصلة لهذه الأفكار، ثلاث قضايا تستحق، في تقديري لها، أن تكون مركز اهتمام أهل السياسة والمعرفة، وموضوع نقاش جدي ومسؤول عند الباحثين، نقاش خال من أي تعسُّف مما اعتدنا أن نمارسه ونعاني من نتائجه في حياتنا على امتداد عقود من تاريخنا المعاصر. القضية الأولى التي تحتاج أن يحسم النقاش في شأنها هي القضية المتصلة باتفاق سايكس - بيكو، الذي تقاسمت بريطانيا وفرنسا بموجبه بينهما تركة الرجل المريض السلطنة العثمانية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى. وكان من نتائج هذا التقاسم ان ولدت الدول العربية الحديثة: العراق وسورية ولبنان وفلسطين والأردن. ثم بدأت تنتقل تلك الدول من أشكال من الانتداب اختلفت صيغها من بلد الى آخر، الى مرحلة الاستقلال الذي اتخذ أيضاً صيغاً مختلفة بين بلد وآخر. ومعروف ان اتفاق سايكس - بيكو هذا كان ثلاثياً. إذ كان شريكاً للديبلوماسيين - البريطاني سايكس والفرنسي بيكو، ديبلوماسي روسي لم يجر تداول اسمه، إذ سرعان ما اختفى واختفت معه روسيا من المحاصصة، بعد انتصار ثورة تشرين الأول اكتوبر الاشتراكية، ونشوء الدولة الجديدة، حاملة راية الدفاع عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية وتمتعها باستقلالها الكامل عن الدول الاستعمارية. وكان من أوائل ما قامت به الحكومة الاشتراكية بقيادة لينين ان فضحت ذلك التقاسم الاستعماري البريطاني - الفرنسي للولايات العربية بعد انسلاخها عن الامبراطورية العثمانية المتهاوية، كنتيجة من نتائج انتصار الحلفاء في الحرب على المحور الذي جمع ألمانيا مع الامبراطورية العثمانية. أريد بهذا التدقيق في الحدث التاريخي أن أقول إن البلدان العربية قبل سايكس - بيكو لم تكن موحدة إلا في اطار الامبراطورية العثمانية. ولم يكن لها كيان عربي محدد وواضح، إلا من حيث كون شعوبها كانت تنتمي الى تاريخ قديم مشترك، في إطار الامبراطورية العربية المترامية الأطراف، أو في دويلات مختلفة بعد تفسُّخ تلك الامبراطورية، ولم تكن الدعوة الى قيام دولة عربية واحدة، في المؤتمرات التي عقدتها شخصيات عربية متعددة، في باريس وخارجها، في مطالع القرن العشرين، ولا كانت ثورة الشريف حسين التي رعاها الانكليز مع بداية الحرب العالمية الأولى من أجل كسب ود العرب في مقاتلة الامبراطورية العثمانية خلال الحرب، لم تكن لا هذه ولا تلك إلا إرهاصات، حقيقية بالتأكيد، للتحرر من السلطنة العثمانية باتجاه الوصول الى صيغة تحقق فيها شعوبنا شخصيتها وتحدد هويتها وتوضح انتماءها العربي خارج الاندماج في أية شخصية أخرى وفي أي انتماء آخر غير العربية، أو العروبة، لغة وثقافة وتاريخاً جامعاً لها. وظيفة هذا التوضيح للأحداث التاريخية هي تصحيح ما اعتدنا ان نردده عفوياً من أن اتفاق سايكس - بيكو هو المسؤول عن تقسيم الأمة العربية، كما لو أنها كانت موحدة في اطار دولة عربية واحدة قبل أن يتم تقسيمها. ووظيفة هذا التصحيح للوقائع هي أن تعاد الى الأشياء والتحولات والمفاهيم طبيعتها، ليتحدد، في ضوء ذلك، بواقعية، وليس بالأحلام والأوهام، طريقنا الى تحقيق وحدة بلداننا وشعوبنا في أفضل شكل، وأن يكون اختيارنا لهذه الوحدة اختياراً ديموقراطياً قابلاً للحياة، بمقدار ما يكون متصلاً بما هو موضوعي في عملية التطور، وليس بما هو ارادي وتعسفي وما هو مناقض لمنطق حركة التاريخ. بكلام أكثر وضوحاً، أريد أن أقول إن البلدان العربية التي تشكلت دولها في نهاية الحرب العالمية الأولى، بموجب اتفاق سايكس - بيكو، هي، اليوم، ومنذ ثلاثة أرباع القرن، دول حقيقية، لا يمكن تجاوزها تعسفاً، من أجل قيامة كيان عربي واحد، بحجة انها كيانات مصطنعة. فمثل هذا الكلام لا يتصل بالحقيقة، لا بالأمس، ولا اليوم، ولا لأمد طويل. وإضافة الى أن الزمن الذي مضى قد أعطى لهذه البلدان خصوصياتها، علينا ألا ننسى وألا نتجاهل ان بعض هذه الخصوصيات كانت موجودة، في أشكال ومستويات مختلفة، عند كل من هذه الشعوب، حتى في الوقت الذي كانت لا تزال خاضعة للسلطنة العثمانية وتشكل جزءاً من امبراطوريتها. وهي حقائق ينبغي أن تظل حاضرة في أية محاولة جادة لإقامة اتحاد عربي من نوع ما يقام في مناطق أخرى من العالم. القضية الثانية هي القضية التي تتعلق بوجود أقليات قومية في بلداننا، قوميات ذات تاريخ عريق وذات ثقافات خاصة بها تميزها عن سواها من القوميات، بما في ذلك عن القومية العربية التي تشاركها العيش في كيان دولي واحد، على رغم اعتناق بعض تلك القوميات الديانة الاسلامية، كالأكراد في العراق وسورية ولبنان، والأمازيغ في شمال افريقيا. بعض هذه الأقليات التي شاركت قوميتنا العربية في جزء كبير من تاريخها، وعانت معها كل أنواع الآلام في ظل السلطنة العثمانية وفي ظل السيطرة الاستعمارية الأوروبية، تعود في تاريخ وجودها الى حقبات سابقة بقرون عدة على ظهور الإسلام، الذي أعطي للقومية العربية وزنها ودورها على الصعيد الكوني، وقدّم لها عناصر أساسية لتكوين الحضارة العربية الإسلامية التي تصنف اليوم من بين الحضارات الانسانية الكبرى. وكان للمسيحية المشرقية دور في إغناء هذه الحضارة. ولم ينشأ في التاريخ العربي، الذي أدّت الفتوحات الإسلامية فيه الى انضمام شعوب ذات حضارات قديمة الى أسرة الشعوب العربية - هي شعوب شمال افريقيا الممتدة حدودها من المحيط الأطلسي الى البحر الأحمر - أي تناقض بين هذه الحضارات القومية وبين الحضارة العربية الجديدة. فمن أين، إذاً، جاء هذا التناقض الراهن الذي تحول الى حروب مدمرة، كانت ولا تزال حكوماتنا تستهدف من خلالها تعريب هذه الأقليات ودمجها في القومية العربية في شكل متعسف، وإلغاء خصوصياتها وثقافاتها، تماماً مثلما كانت تفعل السلطنة العثمانية في عملية التتريك؟ ألم يكن صلاح الدين الأيوبي الكردي هو أحد القادة الكبار في حروب العرب والمسلمين مع الصليبيين؟ ان هذا التناقض المفتعل بين القومية العربية والأقليات القومية هو الذي أدى ويؤدي الى تعثُّر عملية تكوين حقيقي ومتكامل للدول الوطنية في بلداننا والى التعثر الراهن في خلق الشروط لتكوين اتحاد حقيقي بين هذه الدول. القضية الثالثة هي القضية التي تتعلق بالسعي الحثيث منذ الأعوام الأولى للاستقلال، استمراراً لمراحل سابقة على الاستقلال، من أجل تشكيل دولة قومية غير متوافرة عناصر تشكلها، وذلك قبل أن تستكمل الكيانات الجديدة الناشئة عناصر تكونها. وكانت الدعوات الى الوحدة تنطلق من طموح عاطفي في اتجاه تجاوز المراحل الضرورية التي لا يمكن تجاوزها، في نوع من الوقوع في العدمية القومية التي لا تعترف بالشروط الموضوعية التي يشكل تمرحل التاريخ أبرز تعبير عنها. وجوهر هذا الموقف العدمي القومي تمثل في أن دعاة الوحدة العربية الاندماجية الفورية كانوا يرفضون الاعتراف بالكيانات العربية القائمة، زاعمين انها كيانات مصطنعة، هي وليدة اتفاق سايكس - بيكو، وانها يجب أن تزول لمصلحة الاندماج في الوحدة المنشودة. وكان ذلك الموقف عند هؤلاء الدعاة للوحدة مظهراً لطفولية سياسية أرادوا بها أن يستعجلوا الارتقاء الى صفوف الدول الكبرى من دون أن تكون لديهم فكرة عن معنى ان تكون دولة كبيرة مثل دولتنا الموحدة، دولة كبيرة، تمتد رقعتها الجغرافية من الخليج العربي الفارسي الى المحيط الأطلسي، وعلى طول الضفة الغربية للبحر المتوسط، وعلى جزء صغير من الضفة الشرقية منه، وصولاً الى القرن الافريقي، وعلى امتداد ضفتي البحر الأحمر. وهو طموح مشروع لا اعتراض مبدئياً عليه. لكن الطموح لتحقيق أمر ما هو شيء والعوائق التي يجب تذليلها والشروط التي يجب انضاجها لتحقيق ذلك الطموح شيء آخر. غير أن دعاة الوحدة هؤلاء لم يكونوا، بأحزابهم وتنظيماتهم، إلا جزءاً من المشكلة الكبيرة التي تولدت على امتداد العقود الستة التي انقضت، العقود التي تتشكل منها حقبة الاستقلال التي انتقلت اليها البلدان العربية تباعاً الواحدة بعد الأخرى. فقد كان الى جانب ذلك الشعور العاطفي والعفوي الى الوحدة طموح من نوع آخر عند بلدان عربية كبيرة، طموح كان يرمي أصحابه من ورائه الى تعزيز وتوسيع دائرة نفوذهم، باسم الوحدة، وذلك بضم دول عربية صغيرة الى بلدانهم. وعلى رغم ان اطلاق هذا الحكم يحمل بعض التعسف، اذا ما نحن أعطيناه صفة الإطلاق، فإننا لا نستطيع إلا ان نرى ان تطور الأوضاع والتجارب والأحداث والوقائع من قديمها الى حديثها قد حوّل ذلك الطموح القومي الى نقيضه. ولم تكن الوحدة العربية السورية الا نموذجاً لفشل التجربة الوحدوية الأولى من أساسها، بسبب التعسف في قيامها في تلك الصيغة الاندماجية التي لم تجر فيها مراعاة الشروط الموضوعية والخصوصيات التي لا يمكن تجاوزها. وتشير العلاقة الراهنة بين سورية ولبنان الى هذا المعنى القديم ذاته من الاشكالية والتعسف. أما غزو العراق للكويت فكان الأكثر تعسفاً والأكثر إيلاماً. وهي نماذج ثلاثة التقت، على رغم الاختلاف النوعي بين كل منها، في نهاية المطاف، عند نقطة أساسية واحدة، تتمثل في كونها أساءت الى المشاعر الشعبية المشروعة الخاصة بالوحدة، وأساءت الى فكرة الوحدة ذاتها، وخلقت بنتائجها صعوبات حقيقية حول قيام الوحدة وحول سبل تحقيقها، وحول الأهداف المرتبطة بقيامها. فضلاً عن انها شكلت تعارضاً مع ما تشير اليه تحولات العصر، التي تقود بلداناً عدة في مناطق مختلفة من العالم الى تشكيل وحدات كبرى مثل الوحدة الأوروبية، كأبرز وأرقى مثال لهذا النوع من الوحدات. وواضح، في ضوء معايشتي للتجارب الوحدوية ولأفكارها قديماً وحديثاً، ان سيطرة النماذج المشار اليها آنفاً في موضوع الوحدة قد أدت الى انكفاء الدول الصغيرة على ذاتها، ورفض الانسياق وراء أي من المشاريع الداعية لتشكيل دولة عربية موحدة أو اتحاد عربي من نوع الاتحادات الآخذة في التشكل. واتجه قادة هذه الدول في الحكم، أو في المعارضة، أو في كليهما معاً، نحو تعزيز كيانات بلدانهم، حتى في ظل أنظمة استبداد أو في صيغ أخرى أقل فردية وتعسفاً. لكن أنظمة الاستبداد، التي سيطرت بنهجها وبسياساتها على الحياة السياسية العربية برمتها، قد شكّلت السبب الأساس في تخلف دولنا وفي تدمير مجتمعاتنا. وأدت، في الوقت عينه، الى تراجع فكرة الوحدة الى آخر اهتمامات الشعوب العربية. وبقي الحديث عن الوحدة محصوراً في كواليس مجموعات محدودة، ظلت تحتفظ بعناد بالأفكار القديمة ذاتها، وبالشعارات، وبالأوهام، وتردد في الاجتماعات المتكررة التي تعقدها صدى أصوات خطابات أفرادها الرنانة المدوية. وبدا وكأنها لم تتعلم من كل ما حصل من هزائم ونكسات ومن تراجع وانهيارات وتخلف واستبداد، وما أدت اليه جميعها من استدعاء للقوى الخارجية الاستعمارية للتدخل الفظ في شؤوننا، والتحكم بمصائرنا. إلا أن الخطأ الفادح في كل مسيرة الوحدة إنما يتمثل في أمرين أساسيين من جملة أمور مهمة: الأمر الأول هو الموقف المتمادي في سلبيته عند دعاة الوحدة في التقليل من أهمية وضرورة احترام خصوصيات البلدان العربية والعمل على تطوير كياناتها، كشرط ضروري للذهاب في طريق الوحدة. الأمر الثاني هو إصرار هؤلاء على عدم الاعتراف للأقليات القومية بحقوقها القومية. علماً أن الاعتراف بهذه الحقوق هو شرط أساس لكي تندمج هذه الأقليات في بناء الدولة التي تشارك هذه القوميات القومية العربية في الانتماء اليها، بدل التفكير بالانفصال، كحق تعطيها إياه الشرعة العالمية لحقوق الانسان. وهذا الخطأ بشقيه، وأخطاء أخرى كثيرة تضاف اليه، هو الذي يجعل بلداننا، الأكثر حاجة الى تحقيق وحدتها في الصيغة الديموقراطية المعاصرة، بحكم الروابط القومية القائمة بينها، يجعلها الأكثر تخلُّفاً عن الدخول في العملية التاريخية القائمة حالياً، المتمثلة بإنشاء وحدات كبرى، والمؤدية موضوعياً الى الاسهام في عملية توحُّد العالم، ثم في مواجهة، أو محاولة مواجهة، الرأسمال المعولم المسيطرة عليه أميركا والمتحكمة به، تخفيفاً من الأخطار التي يحملها هذا الرأسمال المتوحش على البشرية وعلى مصائرها في المرحلة الحالية وفي المرحلة المقبلة. كل ذلك يستدعي من المناضلين الحقيقيين من أجل تحرر بلداننا من الاستبداد والظلامية، ومن أجل التقدم الاقتصادي والاجتماعي، أن ينخرطوا في عملية اعادة صوغ فكرة الوحدة على أسس واقعية ومعاصرة، ديموقراطية في شكلها وفي جوهرها، وإنضاج الشروط لإقامة"الاتحاد العربي"على غرار الاتحادات القائمة، والتي تتهيأ للقيام. وإني لأتذكر في هذا السياق من الطموح الى انشاء هذا الاتحاد ما دعا اليه الشيوعيون اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون في عام 1932، في اجتماع خاص عقدوه للبحث في المهمات المطروحة أمامهم في ذلك التاريخ. فقد دعوا بوضوح الى ضرورة ان يناضل الشيوعيون مع كل الوطنيين من أجل تحرير بلداننا العربية من الاستعمار، وإنشاء دولها المستقلة، وتشكيل اتحاد عربي على أساس الخيار الحر، وعلى قاعدة النضال من أجل الاستقلال ومن أجل التقدم ومن أجل حماية مصالح الشغيلة في المدينة والريف وسائر جماهير شعوبنا. وقد ظلّ هذا الموقف على الدوام موقف الشيوعيين في كل العهود، على رغم بعض مظاهر التزمت التي وقعوا فيها في بعض المراحل، ودفعوا ثمناً باهظاً من جرائها. الجواب، إذاً، عن السؤال الذي طرحته في مطالع هذا المقال، يتلخص في أن علينا أن نعرف كيف نثبت أننا عرب، لا بالكلام عن ماض قديم، ولا بالشعارات الفارغة من مضامينها، بل بالاتجاه على أسس واقعية وديموقراطية نحو إقامة"الاتحاد العربي". والواقعية والديموقراطية تشترطان القيام باصلاح سياسي شامل في جميع البلدان العربية، من دون استثناء، قبل الشروع في تأسيس هذا الاتحاد. * كاتب لبناني.