يبدو ان فتنة الاماراتيين بإيصال صوتهم وصورة جذابة الى العالم لا تقاوم حتى لو كانت في بعض الاحيان على حساب اولويات تنمية رياضتهم المحلية، وتطوير كرة القدم الاماراتية التي ترزح تحت عبء نقص الموارد وضعف القاعدة البشرية في غياب توجه جدي للعناية بالناشئين، لا شك أن من حق مؤسسات القطاع الخاص ضخ اموالها في الفضاءات المرتبطة باسواقها المهمة او المستقبلية، وبالتالي يمكننا ان نفهم رعاية شركة طيران الامارات للدوري الانكليزي في الوقت الذي يئن اتحاد الكرة المحلي تحت وطأة مديونية ثقيلة ونقص في الاموال، او الاستثمار في دورات للغولف في استراليا او بطولة الكريكت في الهند، فهذه اسواقها، وهذه صورتها نحو العالم، حتى وإن اقدمت في الايام الاخيرة على رعاية الحكام المحليين بتخصيص مبلغ ثلاثة ملايين درهم لانشطتهم التدريبية والتأهيلية على مدى ثلاث سنوات، فهذه مؤسسة تبحث عن المصداقية والربحية وتعلم جيداً أن اهم سلعة كروية اماراتية يمكن لها ان تكون ذات قدرات تنافسية حالياً، هي التحكيم بعد المسيرة الموفقة للحكم الدولي المعتزل علي بوجسيم. لا شيء تقريباً يجمع الاماراتيين بالايطاليين، سوى حب البيتزا، وعشق الجمال والموضة وسيارات الفيراري، الا ان فتنة الاماراتيين بالكالشيو الايطالي لا تقاوم فاغلب شاشات التلفزيون في المقاهي، معدلة على ايقاع الدوري المثير، ولو حدثت وسألت شاباً مواطناً عن آخر اخبار تنقلات النجوم داخله بل وتاريخ الاندية الايطالية لاجابك بيسر وسهولة في حين ربما تعثر في الكشف عن اسماء لاعبين في الدوري المحلي. تعد الجالية الايطالية هنا غير كبيرة او مؤثرة مقارنة بالجاليات الغربية الاخرى، ولكنك لن تندهش لو قرأت يافطة في احد ابراج مدينة الاحلام دبي، عن رابطة لمشجعي يوفنتوس، اما مواقع الانترنت المحلية، فإن ترتيب اولويات الاهتمام وغرف الدردشة، تكون للدوري الايطالي، فالانكليزي ثم الاسباني. لا شك أن هذا الهوس بالكالشيو الايطالي يعد موجة شبابية عربية من المحيط الى الخليج لم تفت فيها تدهور احوال الكرة في بلاد الطليان وتصاعد حالات افلاس الاندية، الا ان الخصوصية الاماراتية تكمن في تشبع المشهد التلفزيوني بفتنة الكالشيو الايطالي. فقبل ستة مواسم تعاقدت قناة ابو ظبي الرياضية، القناة الاولى في عالم الرياضة محلياً مع مؤسسة التلفزيون الايطالي RAI مالكة حقوق البث التلفزيوني على امتلاك ابو ظبي الرياضية الحق الحصري لنقل مباريات الكالشيو التي اصبحت الوجبة الدسمة لهذه القناة، وفي سعيها لتحصيل ايرادات تسهم في تحقيق المعادلة مع ملايين الدولارات التي دفعت لامتلاك هذا الحق، اعتمدت القناة استراتيجية التشفير... ولا يزال الجدل مستمراً حول نقاط الضعف ومكامن القوة في هذه الاستراتيجية، خاصة بعد اعتماد منافستها قناة الجزيرة الرياضية مبدأ الحق الحصري المفتوح في نقلها الدوري الاسباني، لتأتي المفاجأة هذه المرة من دبي. فقد شهد الموسم الجاري في ايطاليا توسعا في عدد اندية الدوري الممتاز الذي انتقل من 18 فريقا الى 20 ناديا يتنافس على اللقب وصعود ستة اندية من الدرحة الثانية من بينها مسيينا و فورنتينا ويبدو ان شركة ميديا بارتنز التي بدأت تتوسع بشكل كبير لامتلاك القطعة الاكبر من كعكة البث التلفزيوني الكروي عالميا تمكنت من الحصول على حقوق نقل مباريات الناديين من المؤسسة الام مؤسسة RAI لتبدأ بعدها لعبة القط والفأر في الامارات" فقد راهنت على قبول قناة ابو ظبي الرياضية شراء حقوق النقل التلفزيوني ليكتمل المشهد لديها عارضا مبلغا "كبيرا" قدر بمليون يورو لنقل مباريات ميسينا وفورنتينا على ارضيهما الا ان المسؤولين في القناة المالكة للحق الحصري اعتبروا ان هنالك مغالاة شديدة في السعر المعروض فانتبه الايطاليون إلى أن سوقهم الحقيقي لا يبتعد سوى 150 كلم تقريبا ليفاوضوا المسؤولين في قناة دبي الرياضية ويتبع القبول والايجاب في اطار خطة متكاملة تقوم بها مؤسسة دبي للاعلام لتطوير وسائلها الاعلامية ومن بينها قناة دبي الرياضية التي يبدو انها مقبلة على مرحلة موشمة بالمفاجآت السارة لجمهور المشاهدين. لا شك ان مدينة دبي كانت وما زالت مدينة العجائب والمفاجآت التي لا تمتلك الا من يحترم العقلية الاحترافية والانفتاح الكبير والخطط المستقبلية للقائمين على الشأن التنموي والاعلامي فيها الا ان هذه الصفقة ربما لاح فيها شيء من المغالاة وشطارة الطليان الا اذا كانت خطوة نحو انتقال حقوق البث الحصري في السنوات المقبلة من ابو ظبي الى دبي عندها لا شيء يقف امام فتنة الكالشيو ومدينة الدهشة دبي.