ما الذي سيفعله الرئيس بوش بنفسه وبنا وأميركا والعالم إذا فاز بولاية ثانية؟ قد لا تخرج الإجابة عن بديلين، أولهما أن يستمر بوش على النهج نفسه والسياسات نفسها، والثاني أن ينتقي من الولاية الأولى بعض إيجابياتها وعناصرها ويتخلص من سلبيات وعناصر أخرى. في حال البديل الأول لن يستغني بوش عن جماعة المحافظين الجدد الذين أحاطوا به أو اختطفوه في الولاية الأولى. وفي البديل الثاني سيدخل الرئيس تغييرات على طاقم الحكم قد يطاح فيها بعناصر رئيسية في هذه الجماعة - سمعت أن هذين البديلين متداولان في كثير من قصور الحكم خارج الولاياتالمتحدة ، خصوصاً في قصور عربية، حيث يتجه الرأي وربما القرار إلى بذل جهود مناسبة نحو تأييد الرئيس بوش. فإن كان ما يتردد صحيحاً، فلن يكون جديداً، فهذه سنة استنتها معظم الحكومات العربية على مدى انتخابات أميركية متعددة، حين كانت معظم الحكومات العربية تؤيد الرئيس القائم المرشح لولاية ثانية. تكثفت في الآونة الأخيرة جهود الديبلوماسية الأميركية من أجل دفع العواصم العربية والإسلامية إلى اتخاذ مواقف وسياسات توحي في جملتها إلى جماهير الناخبين الأميركيين بأن سياسات إدارة الرئيس بوش حققت أهدافها. ولا تخفي زيادة حمى المنافسات والسباقات لتأكيد أننا كمسؤولين عرب ومسلمين نؤيد سياسات الرئيس بوش، على الأقل في العراق وأفغانستان، ونحاول مساعدته في فلسطين وإن بمبادرات يائسة إحداها على الأقل أسعدت بوش وجماعته سعادة كبرى، كما نحاول إسعاده وجماعته بتنظيم مؤتمر يدعم انتخابات العراق. ونمارس الإصلاح الاقتصادي حسب الوصفة الأميركية، وكذلك إصلاح بعض المؤسسات والممارسات الدينية. يستطيع منظمو الحملة الانتخابية للرئيس بوش أن يعلنوا أن رسائل بوش التبشيرية وحروبه الاستباقية تحقق أهدافها بأكثر مما كان متوقعاً. ويتردد أن مسؤولين عرباً يتمنون لو أن الرئيس بوش أعلن أنه سيتخلص في حال فوزه من الجماعة المحيطة به ويقول أصحاب هذا التمني من أعضاء الطبقة السياسية العربية أن عناصر المحافظين الجدد استطاعوا وبنجاح كبير أن يكسبوا للولايات المتحدة كراهية قطاعات واسعة من الشعوب العربية والإسلامية خصوصاً بين المفكرين والمثقفين والإعلاميين. يقولون إنهم مقتنعون بأن الرئيس بوش بريء ولا يجوز أن يتحمل ذنوب هؤلاء"الأشرار". ورأيي في من يقول بذلك أنه ساذج أو واهم. فمن المشكوك فيه أن الرئيس بوش يستطيع أن يستمر في حكم الولاياتالمتحدة الأميركية في غياب الجماعة المحيطة به. إذ تتوحد المؤشرات التي كشفت عنها الكتب التي صدرت لتحكي السيرة الشخصية للرئيس بوش والمقالات التي درست تصرفاته وسلوكياته خلال السنوات الأربع الماضية عند أن الرئيس لم يحمل يوماً هذه الأفكار التي تحولت إلى سياسات في الأعوام الأربعة الماضية. لقد نبتت معظم هذه الأفكار في تربة كانت جاهزة منذ عهد الرئيس رونالد ريغان في عقد الثمانينات وترعرعت بالتدريج على أيدي تيار ظل ينمو بقوة وفي ظل تنظيم أخطبوطي. ويتضح من إعادة قراءة البرنامج الانتخابي في عام 2000 ومن اجتهادات الرئيس بوش الشخصية خلالها أنه لم يكن صاحب هذه الأفكار، أو أنه كان يعرف أنها ستصبح برنامجاً لولايته الأولى. لذلك لا أتصور أن الرئيس بوش مستعد للتضحية بهذه الجماعة أو حتى ببعض أعضائها، بل أعتقد أنه إن كان سيضحي فسيكون بشخص من خارج هذه الجماعة مثل كولين باول. لم تمر انتخابات أميركية سابقة، في ما أعلم، كان فيها العالم بأسره على هذه الدرجة من القلق. وأستعير هنا ما كتبه أحد المفكرين الأميركيين منذ أيام في وصفه لحال المواطنين الأميركيين. يقول عن هؤلاء المواطنين"إنهم لم يكونوا في أي يوم في حال أشد قلقاً، وشعوراً بعدم الارتياح وأكثر يأساً وخوفاً على مستقبل بلادهم مثل حالهم الآن. الأمة الأميركية تربط أطرافها ببعضها خيوط واهية قد تنقطع في اية لحظة، والدستور الأميركي فخر هذه الأمة جرى حرفه عن أهدافه نحو امتيازات ومصالح سياسية ضيقة وموقتة، وكل ما صنعه الأميركيون على مدى قرون من آليات لحماية أنفسهم من أنفسهم ومن الأخرين يجري حالياً تفكيكها وإعادة تركيبها لتوظيفها في خدمة حروب خارجية وأغراض حماسية". هذا الوصف نفسه يكاد ينطبق حرفياً على شعوب كثيرة في العالم الخارجي. فمنطقتنا من العالم وفيها فلسطينوالعراق وأفغانستان وباكستان والجزيرة العربية والسودان كلها تتعرض لأزمات بالغة العنف لم تتعرض لمثلها منذ مدة طويلة. في فلسطين، مثلاً، أظن أنه لا يوجد في قيادتها أو بين المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني من يطمئن إلى مصير هذا الشعب ومصير حقوقه خلال أربع سنوات أخرى يكون فيها بوش رئيساً في واشنطن، بعد أن حدث للفلسطينيين ما حدث على أيدي ولاية بوش الأولى. فقد كانت السياسة الأميركية خلال الولاية الأولى الأسوأ على الإطلاق في التاريخ الدبلوماسي الحديث وفي تاريخ هذه القضية ولا يوجد ما يبشر بأن المرحلة المقبلة مع استمرار شخوص الحكم في الولاياتالمتحدة سيكون أفضل حالاً. يتوقع الفلسطينيون الأسوأ، يتوقع بعضهم عودة القيادة ، أو ترحيلها، إلى تونس وتجري بالفعل استعدادات لاستقبالها ، ويتوقع آخرون صفقة دولية حول الشأن الفلسطيني يلعب فيها الإرهاب الفكري الصهيوني مع الإرهاب الأصولي الأميركي وحال الانحطاط العربي دوراً رئيسياً. وأي مستقبل للعراق في ظل ولاية ثانية لبوش؟ لن يسحب بوش قواته من العراق. فأهداف الحرب لم تتحقق بعد والعراقيون على اختلاف مشاربهم لن يقنعوا بالحل الذي اختارته أكثر من دولة خليجية بالنسبة لبقاء قوات أميركية على أراضيها ، ولن يهدأ لهم بال طالما استمر الاحتلال. ولن تترك الجماعة التي تتحكم في سياسة الرئيس بوش العراق سليماً معافى أو متحداً إن أجبرتها الحرب في العراق على الرحيل. والمؤشرات المؤيدة لهذا الاتجاه أكثر من مؤشرات العكس. إن الصورة في نهاية الولاية الأولى للرئيس بوش صورة بالغة القتامة بالنسبة للشعب العراقي ولا يبدو - من ظاهر الأحداث وتطورها - أن هذه القتامة مرشحة للانقشاع في حال ولاية أخرى للرئيس بوش. ويقول الرئيس بوش، وجماعته، إن الحرب ضد الإرهاب لانهائية. وأمام الرفض المطلق لوضع تعريف محدد للإرهاب، لن يكون صعباً على إدارة الرئيس بوش القادمة نشر الحرب في كل مكان بحجة وجود إرهاب، أو شبهة إرهاب، أو استعداد للإرهاب، أو حماية الإرهابيين وتمويلهم. سوف تستمر إدارة بوش الجديدة تعمل بكفاءة وتصميم لتوليد طاقة غضب هائلة في مناطق مختلفة من العالم، ولنقل صدام الحضارات من خيال النظرية إلى واقع التطبيق. ولا ننسى أن الإرهاب الحديث بدأ في الغرب، بدأ في إيطاليا وألمانيا والولاياتالمتحدة. ويستمر الإصرار على أن الإرهاب إسلامي فقط، بينما نراه ينتعش من جديد في كثير من دول أميركا اللاتينية، وتتخصب تربته بين السكان الأصليين في المكسيك وأميركا الوسطى وبوليفيا ويهدد بالتكاثر في إفريقيا كنيجيريا مثلاً. ولا نبالغ حين نقول إن سياسات، ولا سياسات، بوش مسؤولة إلى حد كبير. وبين أشد ما أخشاه أن تكون إدارة الرئيس بوش قد قدمت خلال السنوات الأربع الأخيرة نموذجاً سيئاً للديموقراطية الأميركية. من كان يتصور أن يأتي يوم تنظر فيه الشعوب الأخرى بشك إلى الديموقراطية الأميركية لأنه حين يفوز الرئيس بوش في الانتخابات المقبلة سيسأل الناس الذين يتلقون يومياً رسائل التبشير بالديموقراطية السؤال الآتي: كيف يجدد الشعب الأميركي في انتخابات حرة لرئيس ولإدارة كان أبرز أعمالها الحصول على أكبر نسبة من الكراهية عرفتها أميركا في سنواتها منذ استقلالها، وشق الحلف الأطلسي، وتقليص مساحة الحرية داخل أميركا ذاتها، وبث الخوف في كل مدينة وبيت وعائلة، واستخدام الوطنية والشعارات الحماسية لتقييد حرية التعبير، والوصول بصناعة الإعلام إلى وضع الأزمة. من ناحية أخرى لا أظن أن الرئيس بوش في ولايته المقبلة سيقلل من فرص استخدامه الدين في خدمة السياسة. سيستمر الرئيس يعتبر نفسه مبعوثاً تلقى شخصياً"مثل أجيال سبقتنا نداء من وراء النجوم"، ويشكر الرب الذي أنعم على أميركا بنعمة مقدسة حين اختارها"المدينة البراقة فوق التل"، بمسؤوليات محددة لقيادة هذا العالم . ومع كل زيادة في"تشغيل"الدين سياسياً، ستزداد قوة التيارات الأصولية ويتدعم التحالف الصهيوني - الإنجيلي. ولا أحد ينافس إدارة أميركية ترفع شعارات الدين إلا واضطر هو نفسه إلى رفع الشعارات نفسها، وهذا ما فعله المرشح كيري وهو ما تتوجه إليه قيادات الحزب الديمقراطي ضمن استراتيجياتها المستقبلية، وهذا ما تفعله أصوليات شتى في الخارج. سمعت أوروبياً يقول إن فوز كيري والديموقراطيين لن يغير الشيء الكثير، فأميركا كانت جاهزة لينفذ فيها بوش وجماعته ثورتهم المضادة. أميركا في السنوات الأربع المقبلة، مع بوش رئيساً أو كيري، امتداد للسنوات الأربع الماضية. لن يطرأ جديد سوى محاولات للتجميل هنا أو هناك أو محاولات لتأكيد القبح هنا وهناك. * كاتب مصري.