لا شيء يقف أمام طموح بعض اللبنانيين في تسويق أعمال فنية، وإن أدى الأمر إلى الاعتداء معنوياً على التاريخ والجغرافيا، فقد نقلت "وكالة الانباء المركزية" أخيراً خبراً هنا نصه: "تقرر اطلاق اسم نهر الفنون على نهر الكلب تيمناً بتحويل ضفتي النهر الى منتدى فني اقامه المخرج المعروف سيمون اسمر. ولوحظ ان مدارس عدة ادرجت اسم نهر الفنون بدلاً من اسم نهر الكلب في كتبها المدرسية"، من دون أن تذكر الوكالة مصدر الخبر. تحوّلت منذ سنوات طويلة ضفتي النهر الى ملتقى للسهر والغناء، وأطلق المخرج اللبناني سيمون أسمر قبل نحو خمس سنوات مهرجان الفنون الدائم في كازينو عند ضفة نهر الكلب سماه "نهر الفنون". لم توضح الوكالة مصدر الخبر أو من اتخذ هذا القرار الا انها استخدمت كلمة "تقرر"، علماً ان قراراً من هذا النوع يجب ان يقر بقانون، الا ان "الحياة" علمت من مصادر في الوكالة ان هدف الخبر "دعائي من المعنيين بنهر الفنون". فهل يمكن ان تغير أسماء مواقع تارخية وأثرية من أجل فن وغناء تجاريين؟ أو على الأقل هل يمكن ان يمر خبر من هذا القبيل في وسيلة اعلام مرور الكرام؟ اتصلت "الحياة" بمكتب أسمر طالبة التحدث اليه، الا ان موظفة انتدبت نفسها للاجابة بعدما اسوضحتنا، وقالت: "هذه المعلومة أخذت من كتاب جغرافيا صدر حديثاً، نشر مؤلفه فيه صورة لنهر الكلب واطلق عليه نهر الفنون". وعن اسم الكتاب او المؤلف قالت بعدما استوضحت أيضاً: "اعتذر، لا تفاصيل عندي". الكتب المدرسية في لبنان يصدرها المركز التربوي للانماء والبحوث الذي لم يُصدر حتى الآن كتاب التاريخ نظراً الى الاختلافات عليه. رئيسة قسم الاجتماعيات في المركز سهام خوري أكدت عدم صحة هذه المعلومة التي "لم ترد اطلاقاً في كتب المركز المعتمدة في المدارس الرسمية والمدارس الخاصة". ومن المستبعد ان يكون مؤلف كتاب جغرافيا ساذجاً الى درجة تغيير اسم نهر الكلب الذي يحمل قيمة تاريخية وأثرية فريدة. فصخوره تؤرخ بنقوش ل19 حقبة بدأت في القرن ال15 ق م مع رعمسيس الثاني وصولاً الى الأمس القريب، اذ نُقش عليها تاريخ الانسحاب الاسرائيلي من لبنان، الى جانب لوحة جلاء الانتداب الفرنسي. واسم النهر حفر في ذاكرة اللبنانيين وتاريخهم ولم يختلفوا عليه. وأوضح الدكتور في التاريخ عصام خليفة ان اسم النهر روماني وهو "ليكوس" Lycus ومعناها الكلب، لأن "خرير مياهه كان كالنباح". وقال: "ان تغيير اسمه جريمة تاريخية، ولا يحق لأحد ان يغيره".