أبلغت الحكومة المصرية الإدارة الاميركية "لاءاتها" في شأن المشاركة في إعادة اعمار العراق، في ظل الوضع القائم، وكذلك الدخول في منطقة تجارة حرة بمشاركة اسرائيل، ضمن طرح الرئيس بوش للمنطقة الاميركية - المتوسطية قبل نحو شهر، في اشارة الى أن مصر طلبت فترة للدراسة قبل الدخول في المفاوضات، وهو ما رفضته الادارة الاميركية، التي وجَّهت على لسان ممثلها التجاري روبرت زوليك انتقادات للحكومة المصرية لدى مشاركته في منتدى البحر الميت في الاردن الاسبوع الماضي وهي الانتقادات التي رفضتها مصر بشدة على المستويين السياسي والاقتصادي وردّت الانتقادات نفسها الى المسؤول الاميركي. شكّل المنتدى الاقتصادي العالمي الذي أنهى أعماله في البحر الميت في الأردن يوم الاثنين الماضي منعطفاً مهماً في تعاطي الحكومة المصرية مع الأوضاع الراهنة عالمياً وإقليمياً. فمنتدى "دافوس الأردن" كان الأهم من بين مشاركات مصر الفعلية في المؤتمرات التي نظمها المنتدى منذ انشائه عام 1970. وعلى رغم أن المنتدى نظمّ مؤتمرات الشرق الأوسط في الرباط عام 1994 والأردن 1995 ومصر 1996 ثم قطر 1998، إلا أن المؤتمر الاستثنائي في الاردن كان مختلفاً بالنسبة لمصر. ورأت مصر أنها ظلمت، في الأعوام الماضية، من خبراء وساسة بأنها مصر خاضعة للولايات المتحدة وتتحرك وفق أجندة أميركية في مجالات حيوية خصوصاً الاقتصادية. نتيجة ذلك رأت مصر في منتدى البحر الميت فرصة للإعلان عن موقفها في شأن قضيتين، الأولى المشاركة المصرية في إعادة إعمار العراق، والثانية المنطقة الحرة الاميركية - المتوسطية والتعاطي مع إسرائيل. بالنسبة للأولى، أوضح وزير الخارجية أحمد ماهر أهمية دور القطاع الخاص في هذا الشأن، لكن من الأهمية أيضاً معرفة في أي شكل وتحت أي سلطة سيتم ذلك، ومن الضروري أن تقوم الأممالمتحدة بدور رئيسي في هذا الإطار. وأهمية تصريح ماهر، كما أشار مسؤول بارز شارك في اجتماعات المنتدى، هو أن الوزير أبلغ الاميركيين بذلك، ما يعني أن هذا هو الرد الرسمي على المشاركة في إعادة إعمار العراق التي تحاول الولاياتالمتحدة جرّ دول عربية إلى المساهمة فيها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وفي مقدمها مصر، التي ترفض بالفعل المشاركة حتى الآن. والأخطر في كلام ماهر - كما يرى المسؤول - أنه استبعد تحقيق المنطقة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل تصرفات إسرائيل غير المسؤولة، متسائلاً ماهر: كيف يمكن للولايات المتحدة المطالبة بذلك والسلام يختنق من إسرائيل، لاپبد أولاً من إنهاء الصراع القائم منذ 54 عاماً ثم التفكير بذلك. أما في شأن القضية الثانية، فأعلنت مصر ترحيبها بالمبادرة الاميركية لإقامة منطقة تجارة حرة مع دول منطقة الشرق الأوسط، وتجري استعدادات حالياً للدخول في مفاوضات المنطقة الحرة، وتدرس آثار تطبيق هذه المنطقة، لكن مصر ترفض الشروط الاميركية "السياسية" خصوصاً التعاون مع إسرائيل أو دخولها - إسرائيل - كطرف ثالث في المشروع كما حدث مع الاردن. خبراء مصريون رأوا أن حديث السياسيين عن المبادرة الاميركية الأوسطية بات فاتراً عما طرحه الرئيس بوش مطلع حزيران يونيو، مقابل حماس رجال الأعمال والقطاع الخاص، الذي أحدث تغيراً طفيفاً في إمكان تعاطيه مع إسرائيل لدرجة أن هناك تساؤلاً بات يفرض نفسه داخل الوسط الاقتصادي: متى ستحصل مصر على امتيازات الأردن الاميركية؟ وهناك رهان على الإسراع بالمنطقة الحرة التي طالما بحثت فيها مصر مع الولاياتالمتحدة منذ عام 1995 وقت تولي الدكتور أحمد جويلي حقيبة التجارة الخارجية والتموين. في المقابل ترى الحكومة أنه على رغم ترحيبها باتفاق التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة إلا أنها تقدمت بطلب لمعرفة الشروط والمتطلبات الاميركية في هذا الشأن. وقال وزير المال مدحت حسانين، في رده على ما قاله روبرت زوليك في المنتدى، ان مصر تتباطأ في تطبيق اتفاق التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة، وان بلاده تقوم بتطوير شامل لقطاع الضرائب والجمارك والقضاء على البيروقراطية الحكومية وبناء الأطر المؤسسية اللازمة للدخول بقوة في اتفاق التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة. ورفض ما تردد عن تباطؤ بلاده في الاتفاق، قائلاً: "هذا خطأ، نحن نريد فقط أن نتروى فمن الصعب أن نفتح أسواقنا قبل أن نستعد جيداً، خصوصاً أنه في حال التعاون مع الولاياتالمتحدة فإن هذا التعاون يجب أن يكون مبنياً على أسس سليمة وأن يكون الاقتصاد المصري قادراً ولديه صناعة وسلع وخدمات يستطيع أن يقدمها". وأشار حسانين إلى أن مصر عندما دخلت في مفاوضات اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي استغرق هذا أعواماً ثم أقر في النهاية بما يخدم مصلحة الطرفين. انتقادات لزوليك في غضون ذلك بثت وكالة أنباء الشرق الاوسط يوم الخميس الماضي انتقاداً لما قاله زوليك، ونقلت عن دوائر اقتصادية دهشتها من التصريحات الصادرة عن زوليك كونه تجاهل حقائق عدة بالنسبة إلى الاقتصاد المصري والتي يعرفها كل من تعامل مع مصر وفي مقدمهم الولاياتالمتحدة التي تعرف جيداً سياسة مصر الاقتصادية. واضافت الدوائر ان هذه الحقائق تمثلت في مجموعة من التدابير اهمها: - اصدار قانون الملكية الفكرية. - قانون البنوك وغيره من القوانين. - إسهام مصر البنّاء في مفاوضات منظمة التجارة الدولية. - انضمام مصر الى اتفاقات الاتصالات وغيرها من القوانين وان الاتفاقات جزء من سياسة الاصلاح الاقتصادي المستمرة التي وضعتها مصر وتنفذها وتندرج ضمن النهضة الشاملة في جميع المجالات تحقيقاً لمصالح الشعب وتقدمه ورفاهيته. - الانفتاح على العالم، وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي، وارساء قواعد سيادة القانون واتخاذ الخطوات الاصلاحية المناسبة. وقالت الدوائر الاقتصادية إن هذا هو ما دعا دول العالم - ومنها الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي - الى الاقبال على التعاون مع مصر كشريك يعتمد عليه ويحترم تعهداته بكل دقة والتزام وينأى بنفسه عن الدخول في منازعات او ينحاز لمواقف ليس من شأنها ان تعزز مسيرة مصر الاصلاحية. وأكدت مصادر عليمة ان مصر مصممة على الاستمرار في نهج توفير متطلبات الاصلاح بالتعاون مع مختلف الدول وهي تعرف أن لكل ذي فضل فضله حين يسهم معها ويتبادل معها المنافع على اساس المساواة ولا تقبل أي ضغوط، وتعرف طريقها الى مشاركة حقيقية مع العالم. وبالنسبة إلى ما ورد في تصريحات زوليك في شأن منطقة التجارة الحرة بين مصر والولاياتالمتحدة، ذكرت الدوائر الاقتصادية في القاهرة ان الامر يلقى ترحيباً من ناحية المبدأ من الجانبين مع اتفاقهما على أهمية اجراء مزيد من الدراسات حتى يتحقق الهدف منها على ضوء اهتمام مصر بفتح اسواق جديدة امام منتجاتها.