اول ما لفت نظري، بل سمعي في المكان وأنا ادخله، الصخب. اصوات مرتفعة وأناس يتحدثون مع بعضهم بعضاً وفوق بعضهم بعضاً، ثم لفتني ان المتحدثين قاطبة من الشباب في العشرينات والثلاثينات من العمر. وسيمون بمعظمهم وشعرهم مصفف، ويرتدون ثياباً أنيقة على الموضة ويدل مظهرهم الى انهم من الطبقة المتوسطة في انكلترا على رغم اصولهم وألوانهم المتنوعة. وكأن الجمع حفلة مشتركة - لشركة او مكتب - على سبيل المثال لأناس يعرفون بعضهم بعضاً منذ زمن بعيد، فالكلام متواصل من دون انقطاع والضحكات تتعالى بين فترة واخرى ولغة الاجساد، كما يحبذ الغرب تسميتها، تدل الى الاسترخاء الذي يلاحظ فقط بين من يعرفون بعضهم او يودون بعضهم منذ مدة. منذ متى يعرف هؤلاء بعضهم بعضاً؟ سألت سالي، عريفة الحفلة وانا اقدم نفسي لها، "لثلاثة دقائق فقط" ردت بزهو. "لا يبدو الامر كذلك؟!" تساءلت في عجب. "هذا هو الجميل في الموضوع" ترد سالي: "لا وقت للخجل. لا وقت لضياعه. لا بد من استغلال كل ثانية للتعرف الى من قد يصبح شريك الحياة". حفلة استقبال للتعارف السريع بين الجنسين في ناد وسط لندن. وتقيم حفلات التعارف هذه بين النساء والرجال، او حتى الرجال فقط او النساء فقط!، شركة تدعى "أكس ديت" وهي شركة بريطانية تعتمد فكرة اميركية يهودية الاصل والمنشأ، ابتكرها كاهن يهودي رباي في نيويورك بهدف تعريف الشباب اليهودي الى بعضه بعضاً بغية الزواج قبل نحو عشرة اعوام، ثم تم تصدير الفكرة التي لاقت رواجاً وحققت نجاحاً منقطع النظير الى سائر ارجاء الولاياتالمتحدة، وإلى بريطانيا عام الفين بعدما ذاع صيتها. ويتم التفكير والتحضير حالياً لنقل الطريقة وتطبيقها في بقية مناطق اوروبا، بفضل رجال اعمال وجدوا ان هناك طلباً على هذا النوع من السلع في السوق وفراغاً تمكنوا من سده، محققين ثروات طائلة لم تكن لتحلم بها "خاطبة" ايام زمان. وقد تصل ارباح الشركات المنظمة لهذا النوع من العمل الى 150 الف جنيه استرليني في الاسبوع الواحد!. مبلغ لا بأس به. وتبلغ كلفة التسجيل لدى الشركة 15 جنيهاً استرلينياً للمرة الواحدة، مبلغ غير زهيد لكنه في نظر البعض يستحق اذا كان سيجلب شريك العمر. ما هي طريقة التعارف او الحب السريع كما يسميه البعض؟ كأي فكرة سريعة لا بد من ان تنشأ من شبكة الانترنت اولاً. التي باتت اسرع طريقة لتحقيق اي غاية على ما يبدو، حتى الصداقة او الزواج!. وتتلخص الفكرة بأن يتجه الشخص الراغب في التعرف لأجل الزواج او مجرد الصداقة البريئة، الى موقع "أكس ديت" على الانترنت ويسجل تفاصيل عامة كالاسم والفئة العمرية والجنس والمهنة. ولا تتعدى الاسئلة ذلك اذ لا تطلب المعلومات الخاصة كالعنوان او رقم الهاتف لحماية الشخص من اهتمام اشخاص غير مرغوب بهم. وطريقة التعارف السريع سبيد ديتنغ تجرى على شكل لعبة الكراسي الموسيقية تقريباً، وعلى النحو الآتي: "يدعى نحو 20-30 من الرجال والنساء الذين تم اختيارهم وفقاً للسن والمهنة، بعد تقديمهم طلبات التعارف في القسيمة الخاصة على الانترنت، الى حضور حفلة استقبال وتعارف في مطعم او ناد، يكون عادة مكاناً محترماً ومعروفاً، في تاريخ معين، ويعطى كل من يحضر ورقة صغيرة مكتوب عليها اسمه. ويتولى احد موظفي الشركة تعريف الجميع بعضهم ببعض في شكل سريع، ثم تبدأ الامسية. وتجلس النساء الى طاولات صغيرة على كل طاولة كرسيان، ولا تغير السيدة مكانها بينما يدور الرجال في دائرة فيجلسون الى طاولة قبالة السيدة لمدة لا تزيد على خمس دقائق، يتم خلالها التعارف، ثم يطلق العريف الصفارة فيستأذن الرجل ويتحرك الى يمينه ويتعرف الى السيدة المجاورة وهكذا يتعارف الشبان والشابات خلال الامسية. ولكي تبقى الملاحظات عن الشخص في الذاكرة ولأن العدد كبير، يعطى كل شخص في بداية الحفلة قسيمة مقسمة الى جداول: الاسم - ملاحظة - نعم - لا - صديق. وبالطبع فإن نعم تعني ان الشخص يطابق المواصفات المطلوبة ولا تعني العكس وصديق تبشر باحتمال تطور العلاقة الى صداقة او حتى حب مع مرور الوقت. وتعاد القسائم في النهاية الى العريف الذي يقوم بمطابقة القسائم فإذا تمت مطابقة نعم بنعم اي ان الشاب والشابة اعجبا ببعضهما بعضاً يتم تبليغهما وتزويدهما بأرقام الهواتف لكي يتسنى لهما الاتصال، هذا إن لم يستبقا الامر ويتبادلا الأرقام خلال الحفلة!. ويقول ماريو، احد مديري "أكس - ديت" ان ثلاث دقائق تكفي تماماً لمعرفة ما اذا كان الشخص مناسباً كصديق او زوج او لا، ذلك ان الانطباع الاول هو المهم. ويضيف ان ثلاث دقائق تعتبر عمراً بحاله اذا كان الشخص غير ملائم تماماً، وهي فرصة للتخلص من الملل الذي قد يسببه التعرف الى شخص ثقيل الدم! لكن لماذا يحتاج هؤلاء الشباب للتعرف الى آخرين بهذه الطريقة، والمجتمع الغربي يفسح بانفتاحه مجالات هائلة لقيام المرء بما يحلو له من دون رقيب او حسيب، كما ان نوعية الشباب، وغالبيتهم من الطبقة المتوسطة ومن حملة شهادات جامعية وموظفين في مختلف المجالات من مدرسين الى مهندسين فأطباء، وأشكالهم لا تدل الى انهم في حالة عوز لصديق او حبيب. تجيب سالي عن ذلك قائلة: "بل لأنهم موظفون محترمون ويعملون ساعات طويلة وربما كرسوا جزءاً كبيراً من حياتهم للتحصيل الدراسي فقد وجدوا انفسهم في نهاية العشرينات او الثلاثينات او الاربعينات من دون شريك وأن غالبية اصدقائهم تزوج وأنجب. ولأنهم لا يمتلكون الوقت الكافي او الجرأة في هذه السن على التعرف مرة بعد اخرى الى اناس ليكتشفوا بعد مدة عدم صلاحيتهم، فإنهم يجدون التعارف السريع افضل وسيلة للتعرف الى اكبر عدد من الناس في وقت قصير، ولأننا نحاول ان نوفق بين اعمار ومهن واهتمامات كثيرة في هذه الامسيات، تصبح فرصة التعرف الى شخص مناسب واردة جداً". ويبدو ان كلامها صحيح، اذ بدا جلياً من تفحص الوجوه ومن طريقة الكلام والجلوس، من اعجب بمن. ولم ينته المساء الا وقد انفصل ثلاثة ازواج عن بقية المجموعة ليكملوا حديثهم ويتبادلوا ارقام الهواتف. وكانت علامات الرضا بادية على وجوه البعض فيما لم يوفق العدد الاكبر في التعرف الى شريك العمر. "لا بأس" تقول لي احداهن: امضيت امسية جميلة وتعرفت الى فتيات يمكن ان تكون لي معهن صداقة جيدة. والحقيقة انني شعرت بارتفاع في معنوياتي وثقة اكبر في النفس لأن ثلاثة من الرجال اعجبوا بي وأشاروا بنعم امام اسمي!". ويبدو ان التعارف السريع نوع من انواع العلاج لمن فقدوا الثقة في قدرتهم على جذب الاهتمام ، وبخاصة النساء اللواتي اجتزن عمراً معيناً وبدأ اليأس يدب في اوصالهن باحتمال لقاء الشريك. مايك، في اواخر الثلاثينات، يقول انه جرب حظه ثلاث مرات في الحفلات ولكنه لم يجد حتى الآن التي يبحث عنها. هل لأن شروطك لفتاة الاحلام صعبة؟ "كلا ولكن لأن كل الفتيات جميلات فأطمع بأن اجد في كل مرة واحدة اجمل! أقول لك الحقيقة، يستطرق قائلاً: "انني وحيد فأنا اسافر كثيراً وأصدقائي تزوجوا وانشغلوا عني وأجد في حضور هذه اللقاءات متعة وفرصة للتعرف الى اصدقاء من الجنسين، ومن يدري ربما شريكة العمر".