تتسارع محاولات ملء الفراغ الذي خلّفه سقوط نظام الرئيس صدام حسين في المدن العراقية. ففي النجف وكربلاء، المدينتين الشيعيتين البارزتين اللتين جالت عليهما "الحياة" في اليومين الماضيين، تشكّلت إدارتان مدنيتان تتوليان الإشراف على تنظيم الأوضاع الأمنية والحياتية. لكن في حين تشكّلت إدارة في النجف مستقلة عن المرجعية الدينية وعلى اتصال مباشر بالأميركيين، فشلت إدارة أخرى شكّلتها قوات التحالف في كربلاء ووجهت بتظاهرات معادية لواشنطن. لم تتدخل "الحوزة العلمية" الدينية في النجف في تشكيل مجلس الادارة المحلي في المدينة، مما جعل تنظيماً جديداً يُطلق على نفسه اسم "تجمع الوحدة الوطنية العراقية" يُشكل مجلساً محلياً يتولى ادارة المدينة ومحافظتها وحمايتهما. لكن في كربلاء كان الوضع مختلفاً، إذ تدخل ممثلو "الحوزة العلمية" من المشايخ في تشكيل مجلس محلي يُمثّل اهالي المدينة بهدف ادارتها وحمايتها، وذلك بعد تنظيم تظاهرات ضد المجلس المحلي الذي عينه الأميركيون. ويتولى تنظيم "تجمع الوحدة الوطنية العراقية" في النجف شؤون الأمن وادارة المدينة. ومن هذا "التجمع" تشكّل مجلس محلي اختار العقيد عبدالمنعم عامر عبوش رئيساً للمجلس المحلي ومحافظاً وقائداً للشرطة في المحافظة. وقال العقيد عبوش، في لقاء مع "الحياة"، "ان التجمع كان تنظيماً سرياً في زمن الحكم البائد. وعندما وصلت القوات الأميركية الى ضواحي النجف قام ثلاثون شخصاً من الضباط والدكاترة والمهندسين المعروفين والاعضاء في هذا التجمع بانتفاضة على قيادة حزب البعث في المدينة واستولوا على مباني الادارات الحزبية والحكومية وطردوا البعثيين منها". والأرجح ان الذين قاموا بالانتفاضة وسمّوا انفسهم "تجمع الوحدة الوطنية" استغلوا فرار القيادات البعثية والعسكرية للنظام السابق من المدينة ووجدوها فرصة ليمسكوا بزمام الأمور والمحافظة على الأمن بالتعاون مع القوات الاميركية الغازية. وبعد ذلك شكلوا المجلس المحلّي وشكلوا وحدات مسلحة من افراد من الشرطة السابقة ومن غيرهم. وبعد سيطرتهم على المدينة، يعمل مسؤولو المجلس المحلي حالياً على تأمين حمايتها وأمنها بعيداً عن تدخل "الحوزة العلمية". وقال العقيد عبدالمنعم عبوش: "اننا نعمل على اقامة المؤسسات الادارية في المحافظة وتعيين مدراء الدوائر والوحدات الادارية. وهذه المرحلة موقتة الى حين استقرار الوضع في العراق وبناء المؤسسة الدستورية". وسألته "الحياة" عن علاقته ب"الحوزة العلمية" في النجف، فأجاب: "لقد حضر اجتماع اختيار المجلس المحلي العديد من المشايخ، ونحن نحترم الحوزة العلمية ورأيها. لكن الحوزة لا تتدخل في أمورنا. وهي مرتاحة الى تسلمنا الإدارة المحلية والى جهودنا في حفظ الأمن والاستقرار في النجف". وبدا واضحاً ان القوات الأميركية في المنطقة تدعم المجلس المحلي والاداري للنجف، وهذا ما لاحظته "الحياة" من الاجتماعات المتكررة للمحافظ مع الضباط الاميركيين في المنطقة. وقال عبوش: "الاميركيون موجودون لمساعدتنا في حفظ الأمن والنظام، ونحن نشكرهم لمساعدتنا في تحرير العراق". والمُلاحظ انه في الوقت الذي ينتشر فيه مسلحو "تجمع الوحدة الوطنية" في النجف بوصفهم رجال شرطة لحفظ الأمن والنظام، يتمركز "المقاتلون العراقيون الأحرار" التابعون ل"المؤتمر الوطني العراقي" بزعامة أحمد الجلبي في معسكر في "حي الثورة" داخل النجف. وحين سألت "الحياة" أحدهم لماذا يوجد هنا، أجاب: "نحن أتينا مع القوات الاميركية ووضعونا في هذا المعسكر". كربلاء أما في مدينة كربلاء، التي شاهدت "الحياة" فيها أمس عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين يؤمونها سيراً على الأقدام، فيسيطر على المدينة حالياً مجلس ادارة محلي من عشرة أعضاء اختاره المشايخ وعلماء الدين من ممثلي "الحوزة العلمية" في النجف لإدارة المدينة وحماية أمنها. وجاء تشكيل هذا المجلس بعد تنظيم تظاهرة في كربلاء ترفض المجلس السابق برئاسة يوسف الحبوبي الذي عينته قيادة القوات الاميركية في المدينة. وذكر أحد ممثلي "الحوزة العلمية" الشيخ عبدالمهدي الكربلائي الذي التقته "الحياة" في جامع الحسين أمس "ان التظاهرات الشعبية في كربلاء أجبرت القيادة العسكرية الأميركية على الاعتراف بالمجلس المحلي الذي اختاره الاهالي بعدما رفضوا المجلس السابق. والآن تتولى دوريات مشتركة من رجال الشرطة وشباب المدينة حفظ الأمن فيها. والمجلس المحلي الذي لم ينتخب له رئيس حتى الآن يتولى ادارة شؤون المدينة حالياً". وعلى بوابات مسجد الإمام الحسين ومسجد اخيه أبو الفضل العباس شاهدت "الحياة" اوراقاً معلقة لفتاوى العديد من المراجع الدينية في النجف، وكانت بينها فتوى للعلامة كاظم الحائري ترفض وجود القوات الأميركية في العراق وتدعو الى رحيلها وتصفها بأنها قوات احتلال. وقال الشيخ الكربلائي معلقاً على هذه الفتوى: "نحن نطالب بالعمل بأسرع ما يمكن على تشكيل حكومة وطنية تمثل الشعب العراقي من أجل ان تخرج قوات التحالف من العراق بعد ذلك ولا يبقى لها مبرر للتواجد على ارضنا". ورأى الكربلائي ان الولاياتالمتحدة اسقطت نظام صدام حسين "ليس لمساعدة الشعب العراقي، ولكن لمصالح معينة لها في العراق وفي المنطقة". واكد ان ترتيب المستقبل السياسي في العراق يجب ان يتم "من العراقيين لا من الاميركان، كما فعلوا من خلال عقد مؤتمر الناصرية". وعلى رغم ان اربعينية الإمام الحسين، وهي احتفال سنوي لاحياء الذكرى الاربعين لمقتل الامام الحسين بن علي تقام الاربعاء المقبل، إلا ان الآلاف من الشيعة بدأوا يتوافدون على كربلاء منذ الآن. وتوقع الكربلائي ان يشارك في هذا التجمع الذي دعا اليه "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" في العراق نحو خمسة ملايين عراقي.