يتجاوز الدور الذي ستلعبه تركيا في مساعدة القوات الاميركية في حربها على العراق مجرد السماح باستخدام ممرين جويين لعبور طائرات التحالف فوق أراضيها. ومن المنتظر أن تقود القوات الأميركية عملياتها في شمال العراق انطلاقاً من الأراضي التركية، كما ينتظر أن تجد الطائرات الأميركية التي تعرض كثير منها الى اصابات مباشرة من الدفاعات الأرضية العراقية، مهبطاً آمناً في المطارات العسكرية التركية. وعلى رغم ما قيل عن رحيل آخر قوات الفرقة المدرعة الرابعة من تركيا قبل أيام، إلا أن معدات كثيرة لا تزال تصل الى تركيا، وهي معدات ترمي الى دعم الحملة العسكرية الاميركية، ومنها 82 حاوية كبيرة مليئة بالتجهيزات الالكترونية أنزلت في مرفأي الاسكندرون ومرسين الاربعاء الماضي. كما أنزلت سفينة "رسوليكا دي روما" التي بقيت راسية تنتظر 12 يوماً في مرفأ الاسكندرون، ست طائرات هليوكوبتر من طراز "بلاك هوك" ستخصصها القوات الأميركية لعمليات البحث والتقصي والاخلاء، بالاضافة الى معدات الكترونية قيل انها ستخصص لتطوير مستوى العمليات في المرافئ البحرية والقواعد العسكرية التركية. وكانت طائرة "اف - 18" أميركية أصيبت قبل يومين بنيران المضادات العراقية اضطرت الى الهبوط في قاعدة انجرليك التركية، إثر عودتها من غارة على شمال العراق، بعدما عجزت عن إكمال طريقها الى حاملة الطائرات "ثيودور روزفلت" المبحرة في البحر الأبيض المتوسط. كما سمحت السلطات باستخدام محدود لقاعدة انجرليك التي يتمركز فيها نحو أربعة آلاف جندي أميركي وبريطاني، ومنها انطلقت أربع طائرات تورنيدو بريطانية محملة بالقنابل الموجهة أول من أمس لشن غارة على المواقع العراقية. وتقول المصادر ان التنازلات التي قدمتها تركيا سعت اليها حكومة طيب رجب اردوغان، فيما عارضت توسيعها القيادة العسكرية التركية التي أصرت على أن يكون أي نشاط عسكري يسمح للأميركيين والبريطانيين بالقيام به له طابع موقت ولا يحتاج الى تجديده تلقائياً، وعلى ألا يتجاوز المرور في الأجواء أو الأراضي التركية. ويفسر هذا الأمر منح البرلمان التركي مطلع الشهر الجاري تسهيلات انزال وتحميل للقوات الاميركية لمدة ثلاثة شهور قابلة للتجديد، شرط العودة الى البرلمان. كما ان البرلمان عاد ووافق يوم الجمعة الماضي على السماح للقوات الاميركية والبريطانية باستخدام ممرين جويين يتم من خلالهما نقل القوات والمعدات المستخدمة في الهجوم على شمال العراق. وجرى في هذا الاطار أيضاً خزن بعض المعدات والمركبات العسكرية الاميركية الثقيلة في المناطق التركية القريبة من الحدود مع العراق، وبمحاذاة مناطق تمركز قوات الجيش الثاني التركي. وقالت المصادر ان المؤسسة العسكرية التركية التي قامت بدراسة الوضع الاستراتيجي والميداني داخل العراق والمنطقة، هي التي أوصت الحكومة بعدم الموافقة على طلب الولاياتالمتحدة استخدام تركيا معبراً لحربها على العراق. وأشارت الى أن حكومة أردوغان كانت متحمسة للعرض الأميركي، إلا أن الجنرالات قدموا دراسة سرية للحكومة تشير الى أن توقعاتهم للحرب ومضاعفاتها تقول ان الاميركيين سيخوضون مواجهات طويلة في العراق، ستستدعي منهم البقاء فترة طويلة في العراق عسكرياً وسياسياً وأمنياً. وذكرت الدراسة ان اعطاء القواعد التركية للقوات الأميركية سيؤدي الى ضغط واشنطن للبقاء فيها لاحقاً، مما يعني ان القوات الأميركية ستتمركز داخل تركيا وستحول البلاد الى منطقة نفوذ مباشرة للولايات المتحدة، بعيداً عن قدرة تركيا المهددة اقتصادياً على رفض الارادة الاميركية، أو رغبة تركيا في المحافظة على حريتها في منطقة ستدخل بغالبيتها، بعد حرب العراق، تحت المظلة الاميركية المباشرة من دون منازع، ومن دون مراعاة المصالح الاستراتيجية لدولها.