يبدو "النجم الطائر" الهولندي يوهان كرويف سعيداً وهانئاً في حياته، وهو يستعيد شريط ذكرياته الكروية من دارته الفخمة "الرابضة" على مرتفعات بانانوفا المطلة على برشلونةالمدينة التي أحب و"أمّن" لفريقها الشهير لقباً أوروبياً. وإذا كان أسلوب كرويف الهجومي يبقى في البال ويشغل تحليلات المقارنة، فقد أصبح مستشاراً "ثميناً" للمدربين، حتى أن اللاعب البلغاري السابق هريستو ستويشكوف الذي لعب في صفوف "برسا" ولم يكن "يهضمه" البتة، يسارع دائماً لطلب نصيحته. ولم يخفِ الرمز الهولندي أن برشلونة الذي يعاني الأمرّين في الدوري الإسباني "يحاول الصمود وتنشّق الحياة في مهب العاصفة". يرى النجم الهولندي السابق يوهان كرويف بمسابقة كأس أبطال أوروبا حبل النجاة لفريق برشلونة الذي بلغ دورها ربع النهائي في ظل تعثره المحلي، علماً أنه لم يلتق بعد بالمرشحين الكبار. ويعارض كرويف النظام الحالي للمسابقة الأوروبية "لأن المباريات كثيرة والفائدة قليلة" مفضلاً العودة إلى النظام السابق واعتماد مرحلتي ذهاب وإياب بدءاً من ربع النهائي. وعزا كرويف ما يحصل في النادي الكاتالوني إلى سوء التخطيط وحصرالقرار بشخص واحد لم يفقه الشيء الكثير بكرة القدم "أنا لم أكمل دراستي وكان الشارع جامعتي، واختصاصي الأهم تعلمته من الحياة اليومية. ولاعب الكرة مهما برع وعلا شأنه لا يجرؤ على القول إن في استطاعته إدارة مصرف، علماً أن أي مصرفي يطمح إلى إدارة ناد... ولو كان رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز يخطط وحده، على رغم شهرته ونجاحه كمقاول، لكان فريقه حصد الفشل. غير أن اللاعب السابق فالدانو بجانبه وهو بارع في الإدارة الرياضية". ويضيف: "للأسف في أحيان كثيرة يحمل الاسم الكبير عظمة وهالة تفرضان وجودهما في الأندية، وقد تقود العظمة إلى الكارثة...". قبل فوات الأوان ويتابع كرويف "كنت دائماً "روبن هود" الفريق وقائداً أطالب بحقوق المجموعة ولم أطلب يوماً شيئاً لنفسي لأننا لم نفز يوماً في مباراة بفضل جهودي فقط. أما الآن فقد اختلفت الصورة. لم نعد نلاحظ مثل هذه الثورات لأن الولاء اختلف ومديري اللاعبين يتولون المفاوضة". ورفع كرويف الصوت لتستقيم الأمور قبل فوات الأوان "ما يحصل في إدارة برشلونة حالياً مغاير تماماً لما كنت أدافع عنه، لذا تجدوني حالياً في موقعي الطبيعي إلى جانب عائلتي بعيداً من النادي، يجب إعادة روح اللعبة إلى أروقته. هناك أصدقاء لي فيه قادرون على ذلك وأنا مستعد للتعاون معهم إذا طلبوا مني ذلك". ويبدي كرويف حزنه الشديد لما آلت إليه الأحوال "لقد نبّهت لما يحصل منذ خمسة أعوام. والرئيس غاسبارت ليس وحده المسؤول عن الحال الراهنة، فهو مُنتخب من الأعضاء، وقبله تولى نونيز المهمة، واضمحلت أحوال النادي في السنتين الأخيرتين من عهده، لقد فرّط برونالدو وتركه يغادر ولم يقبل التعاقد مع زين الدين زيدان، وهناك أمثلة كثيرة على بطولاتهم في التخّبط المستمر". ويقترح كرويف "إعادة بناء برشلونة من جديد، صندوقه خاو حالياً على غرار ما كان عليه حين تسلمت مهماتي في عام 1988، وربما كان أسوأ حالاً، وعلى رغم هذا الوضع الحرج أحرزنا كأس أوروبا 1992، اللقب الوحيد في سجله". ولا يخفي كرويف أنه كان مدرباً متسلطاً "لكن ما هو الحل الأنسب لضبط الإيقاع بين 35 لاعباً، كان ستويشكوف ذئباً يريد دائماً الحصة الأكبر لكنني وضعت حداً له. وقد شكرني كثيراً بعد ذلك لا سيما عندما أصبح مدرباً وبات يستشيرني، إذ أصبح ينظر إلى الأمور بمنظار مغاير...". وتمثل كرة القدم بالنسبة إلى كرويف 55 عاماً هاجساً أكثر منها عشقاً يومياً "حتى الآن لم يستطيعوا التأثير عليّ للتخفيف من متابعتي لتفاصيلها". ويكشف أن حالته البدنية "حديد" على رغم الأزمات القلبية التي تعرّض لها "لياقتي عالية وأزاول التزلج خمس ساعات متواصلة أحياناً ومن دون أي طعام. المهم إتباع حمية معينة ونظام مراقبة". يزاول كرويف الغولف ويشارك في أربع أو خمس دورات سنوياً، ويتولى مهمات المراقبة وإعداد التقارير الفنية لمصلحة عدد من الأندية والتعليق للتلفزيون الهولندي. وعلى رغم أن الاتصالات وعروض التدريب تنهال عليه من كل حدب وصوب، يبدو مكتفياً بالاستشارات الفنية المحددة والاهتمام بمدرسة الإعداد التي أطلقت نشاطها ب20 طالباً وتضم حالياً ألف منتسب، وانتشرت فروعها في برشلونةومدريد وفيغو وأمستردام ولشبونة وقريباً في المكسيك. وتعتني هذه المدارس بالمواهب وإعداد رياضيين من مستوى عال ومنحهم الزاد اللازم لمواجهة الحياة خصوصاً بعد اعتزالهم. ويقول كرويف: "كنت في سن ال12 عاماً عندما توفي والدي، وأصبحت محترفاً بعد أربعة أعوام وكنت أنال نحو 400 دولار شهرياً عام 1964. تيتمي باكراً جعلني لا أخشى شيئاً، صرت قاسياً مع نفسي وأكثر تصميماً وتطلباً وأشد إصراراً، رأسمالي الموهبة الكامنة في قدميّ وعلي تدبير نفسي. وعندما كنا نلعب في الشارع أحياناً ضد من هم أكبر منا سناً كان يسود قانون الأقوى، هذا الصراع جعلني متمسكاً بما أفعله...". ويرى كرويف أن ابنه جوردي المحترف في آلافيس "ربما دفع ضريبة شهرتي فالجميع قارنوه بي...". وينادي كرويف بالعودة إلى الكرة الشاملة "لأن المباراة هي عرس وليست مأتماً، حتى إن البرازيل أصبحت تفتش عن الفوز ولا شيء غيره!" ويخالف رأي من منح رونالدو لقب أفضل لاعب في العالم العام الماضي "لا يجوز ذلك إذ لعب أربعة أشهر فقط، الإسباني راوول غونزاليز يستحق الكرة الذهبية نظراً لمزاياه الفنية...". ويرى أن سر سعادته وقوته كامن في عدم أسفه على شيء قرر التخلي عنه، "دائماً، كان جوابي نعم أو لا من دون أي تردد".