لم يثن غياب الأمل وفجر الغد الذاوي النساء العراقيات عن كتابة الرواية والشعر. وتنسب إنعام كجه جي، وهي صحافية عراقية حائزة دكتوراه في تاريخ الصحافة، إرادة العراقيات وإقبالهن على الكتابة الى رفضهن الصمت، والى ميل متأصل فيهن منذ ما يزيد على أربعة آلاف عام، فتجعل كجه جي، في كتابها الصادر بالفرنسية بعنوان "كلام عراقيات" أو "عبارات عراقية" دار سربان أو بلوم، باريس من أنغيدوانا، ابنة الملك سرجون الأكادي، رائدة شاعرات بلاد ما بين النهرين. والنساء العراقيات اليوم إذ يرفعن تحدي الكتابة، يدخلن في مواجهة مع رقابة أجهزة الدولة والدين والقيم والعائلة. وكذلك ترد إنعام كجه جي صدور كتابات العراقيات في الداخل الى حربي الخليج المنصرمتين اللتين زرعتا الخوف والوحدة في حياة النسوة الداخلية. وبين الماضي الأصيل ومعاناة الحرب لا يبقى لمبادرة مَنْ حَمَلَ القلم مسوغ فردي، صادر عن قرار كائن حي استقاء حوادث حياته اليومية ومتاعبها لبناء عمل أدبي يولي حياة الناس الأفراد أهمية. وتعطف إنعام كثرة أعمال الروائيات العراقيات في الداخل على نشر صدام حسين ثلاث روايات وعلى إصداره أمراً بكتابة روايات "مستوحاة من واقع الحياة في ظل الحصار". وينتقص ما ورد في هذا العطف من نسب هذه الروايات الى إرادة صاحباتها الكتابة ورغبتهن فيها بدءاً بميسلون هادي وسهام جابر وابتسام عبدالله وحياة شرارة وريم قيس وبثينة الناصري ولميعة عباس عمارة ولطيفة الديلمي وهيفاء زنكة وإرادة الجبوري وعالية ممدوح، وصولاً الى نهى الراضي. وعلى رغم هذا المأخذ، نجحت إنعام في سعيها إلى إبلاغ الغرب بمعاناة شعب العراق، فقدمت، في كتابها، فصولاً من أعمال العراقيات اللواتي تقدم ذكرهن. فابتسام عبدالله تروي، في روايتها "المرآة"، أثر الالتحاق بالجيش في حياة زوجها الداخلية. فالزوج هذا بات يعجز عن التعرف إلى صورة نفسه في المرآة ويخشى مأذونيات العودة الى المنزل الزوجي. وفي هذا المنزل يشده الهدوء والرغبة في السعادة الى البقاء والتخلي عن الجندي الذي هو عليه والذي يسعى الى إنزال فعل القتل بغيره أو أن يسلبه الغير حياته. أما حياة شرارة، فتروي، في "إذا الأيام أغسقت" التي سبق أن كتب عنها في "الحياة"، شظف العيش وصعوباته التي يعجز المرء عن تعليلها. فواحدة من شخصيات حياة شرارة لا تفهم كيف ارتفعت الأسعار خلال أربع سنوات ارتفاعاً خيالياً - فالأسعار تضاعفت ألف مرة - حتى أمسى المرء يعتبر نفسه محظياً إن كان في إمكانه شراء الفاصولياء وغيرها من الحبوب. وتعرض شرارة مرارة اكتشاف أستاذ جامعي سخرية زملائه منه لأنه يتمسك بالمعايير الجامعية والقيم التي ألغتها سطوة العنف. أما بثينة الناصري فتنقل الى عالم الرواية أسى والد عاد من الأسر ليجد حلول التغير في ما ألفه. والأب يجد الولد الذي تركه جنيناً غريباً في العاشرة من عمره. ولا يلبث هذا الوالد الذي تعرض للتعذيب والأسر أن يترك البيت، الذي طالما حلم بالعودة إليه، بعدما أفصح ولده عن تفضيله موت والده على وقوعه في الأسر الموسوم بالجبن. وعن الأسير الذي تخلت عائلته عنه عند عودته تعرض فصلاً من رواية لطيفة الديلمي. فتسجل هذه الأخيرة انتظار أم عودة ابنها من تغربه في بلاد بعيدة ومواساة هذه الوالدة ابنتها التي تنتظر حبيبها الذي هاجر بعد أن وعدها بالزواج. لا يفقد الأهل أولادهم في المهجر فقط. فهيفاء زنكة تسرد تفاصيل إصرار والدتها على العثور عليها بعد اعتقال السلطات لها. وثابرت هذه الأم على افتراش مدخل وزارة الداخلية أسابيع طويلة في محاولة لإقناع السلطات بإبلاغها المصير الذي منيت به ابنتها: الموت أو السجن. وتروي زنكة حادثة الاعتداء التي تعرضت لها على يد سجانيها يوم كانت ابنة عشرين عاماً. فاضطرابها دفعها الى الابتسام الأصفر والمرير عندما لمس السجان جسدها العاري. تروي إرادة الجبوري وحدة رجل وعزلته بعدما فضلت شقيقته البقاء في المقابر الى جانب زوجها المتوفى عوضاً عن البقاء الى جانب أخيها الحي والمريض. وليست الروايات المصدر الوحيد الذي تعتمده إنعام في كتابها، إذ ان دفاتر اليوميات شكلت مصدراً يؤرخ المعاناة التي عاشها العراقيون خلال حرب الخليج الثانية. فنهى الراضي سجلت في دفتر يومياتها الخاص تفاصيل حياة أسرتها على وقع غارات الطيران الحربي. والحرب تفقد المنازل طابعها الخاص، إذ يسكن المعارف والأقرباء البيت الذي يرون فيه صفات الأمان ويحشرون أنفسهم في غرفة واحدة حُصِّن سقفها بالباطون المسلح.