ثنائي أطلق مخيّلة العالم ورومانسيته في القرن العشرين ولا يزال يثير التساؤلات إلى اليوم، حتى بعد غياب عنصريه. هو الملك البريطاني إدوارد الثامن الذي سمح لنفسه بأن يقع في الحب... وهذا أمر يعتبر من الكماليات غير الضرورية بالنسبة إلى ملك، خصوصاً متى كانت حبيبته مطّلقة مرتّين وأميركية، ما أدخله التاريخ لأنه أول ملك بريطاني يتخلى عن عرشه. أما هي فواليس سيمبسون موضوع الحب التي لا تملك اي عنصر من مسبباته، ليست جميلة أو جذابة أو شابة أو فائقة الذكاء... وقد لا تستأهل حقاً أن يتم التخلي عن العرش من أجل عينيها... غير الجميلتين. تحارب العالم وحيدة بيسي واليس وارفيلد هي السمراء التي احتلت عناوين الصحف لسنوات عدة خلال حياتها، وحتى بعد وفاتها مثيرة مزيداً من التساؤل عن صدقية حبها للملك. فهي منذ أن ولدت... بعد 7 أشهر على زواج والديها، كادت تثير فضيحة في عائلة أهلها المحافظة، خصوصاً أن والدها توفي ولم تكن بعد بلغت عمر الخمسة أشهر، ما اضطرها، هي ووالدتها، إلى أن تستندا إلى "هبات" مالية من أقارب ميسورين كي تتمكنا من العيش بكرامة. ولم تكن ظروف الحياة مثالية بالنسبة إليها، ما دفعها إلى الهرب من محيطها عبر الزواج من طيّار في البحرية، ما لبثت أن طلقّته كونه كان سكّيراً وعنيفاً. ثم أنشأت علاقة غرامية ظرفية وقصيرة مع ديبلوماسي أرجنتيني قبل أن تقيم علاقة ثالثة في عمر الثانية والثلاثين مع رجل الأعمال البريطاني- الأميركي المتزوج إرنست سيمبسون الذي ما لبث أن طلق زوجته ليتزوجها، فكتبت لوالدتها قائلة: "لقد تعبت من محاربة العالم كله وحدي، ومن دون مال". وهي اضطرت أحياناً الى المقامرة لتكسب عيشها، كما كتبت في سيرة حياتها "وللقلب أسبابه". وعادت مع زوجها الجديد ليعيشا في لندن حيث تعرفت بعد 3 سنوات إلى ولي العهد البريطاني إدوارد... الذي يطلق عليه اسم دايفيد في عائلته. زير نساء... متزوجات أما إدوارد فكان من المحتم عليه أن يكون وريث عرش بريطانيا وملكها في ما بعد. نشأ في قصر والديه "الباردين" وكان يخاف كثيراً من والده صغيراً "لأن استدعاءه إلى المكتبة كان يعني دوماً القصاص". التحق بمعهد البحرية البريطانية ولم يبلغ بعد الثانية عشرة من عمره. فقصد دائماً أن يعامل كما رفاقه من دون أي تمييز لمرتبته الملكية. ولم تكد تمضي ثلاثة أعوام حتى توفى جدّه الملك، فتلاه والده وبات هو الأمير والوريث الشرعي للعرش. واندلعت الحرب العالمية الأولى العام 1914 فطلب إدوارد التوجه إلى الجبهة للمشاركة في المعارك... التي بقي بعيداً منها مسافة مئات الأميال خوفاً من أن يقع في قبضة العدو. ولم تكد تنتهي الحرب حتى انصرف إلى التمتع بالحياة الإجتماعية الأرستقراطية اللندنية وعرف فوراً ميله الجامح إلى "السيدات المتزوجات". فهو أمير وسيم، ابن 23 عاماً، أزرق العينين وذو طلة شابة لم تفارقه حتى عندما شاخ. وما لبث أن أقام علاقة مع فريدا التي كانت من عمره ومتزوجة منذ 5 سنوات... وبقيت عشيقته طوال 16 عاماً. وتقاسمته في السنوات الثلاث الأخيرة مع لايدي تيلما فيورنيس التي كانت السبب المباشر للقائه واليس في إحدى السهرات التي أقامتها. والتقى إدوارد وواليس بعد أربعة أشهر في مناسبة إجتماعية مماثلة. فلم تعن له كثيراً هذه المرأة المتزوجة العادية في شكلها وذكائها، ثم دعي للعشاء إلى منزلها بعد 7 أشهر... فبقي ساهراً حتى الرابعة فجراً. وبدأت واليس تدرج في لائحة مدعوي الأمير العادية لسنتين متتاليتين من دون أن تتحول علاقتهما الى أكثر جدية. لكن لايدي تيلما فيورنيس اضطرت إلى السفر إلى الولاياتالمتحدة الأميركية... وعادت بعد 3 أشهر لتكتشف أن واليس احتلت كل المساحة في حياة الأمير من دون أن يبقى اي مكان حتى لاتصالاتها الهاتفية أو اتصالات غريمتها فريدا. فحاولت واليس الإمساك بالرجلين معاً، زوجها وأميرها، كما أسّرت مرة لخالتها. وبدأ إدوارد علاقة حب جامح مع واليس وكأنه بات "مسحوراً بها، يتبعها اينما كان ويرافقها في كل المناسبات. فهي أصبحت "بمثابة إمبراطورية كاملة يكتفي بها وحدها"، كما قالت مرة لصديقتها، شاعرة بالإختناق والخوف من هذا الحب المجنون. أما البلاط الملكي فبدأ يشمئز من تلك السيدة المتزوجة التي هي "أدنى من أدنى شيء" كما وصفتها الملكة والدته فيما منعه الملك من دعوة "هذه المرأة" إلى القصر الملكي. إلا أن الأمير المفتون بحب واليس اضطر لاعتلاء العرش في كانون الثاني يناير من العام 1936 بعد موت والده المفاجئ، فتحولت علاقته بحبيبته فضيحة متنقلة على كل لسان في بريطانيا. ولم تكد تمضي عشرة اشهر حتى بدأت واليس معاملات الطلاق للمرة الثانية، آملة في قرارة نفسها بالتحوّل ملكة على رغم أن لا الحكومة ولا البلاط الملكي سيسمحان لها باعتلاء هذا المنصب، هي الأميركية المطلّقة مرتين. وأصبحت حرة رسمياً في أيار مايو 1936، مستعيدة اسمها الذي كانت تملكه عزباء، وباتت تبقى الى جانب إدوارد معظم الوقت. سافرا معاً إلى البلقان على متن يخت فخم جداً، أهداها أغلى العقود والحلى من مجوهرات "كارتييه" في باريس، ومعاطف الفرو من لندن. وأصبح الملك أمام معضلة مستعصية: عليه أن يختار بين عرشه وبلاده من جهة وحبيبته من جهة ثانية... وكان الحل الأسهل بالنسبة اليه هو أن يكسر عنقه، كما قال سكريتره وصديقه في تلك الفترة. وبقي إدوارد يفكّر في قراره 7 أشهر، حتى أعلن في كانون الأول ديسمبر من العام ذاته أنه قرر التنازل عن العرش الذي اعتلاه فترة لم تتعد السنة الواحدة، مشكلاً سابقة في تاريخ الملكية البريطانية، وأصبحت ولايته بالتالي ثاني أقصر ولاية ملكية بريطانية. وغادر بريطانيا وحيداً مع واليس في رحلة طويلة من النفي، رفض خلالها أي من معاونيه مرافقته فيها. فورث أخوه العرش، وأعلنه دوق وندسور... لكنه حرم واليس من تسمية "جلالة" التي حافظ عليها إدوارد. دوقة... وليست جلالة الملكة ستة اشهر أخرى مرت على الحبيبين في باريس حيث استقرا قبل أن يتزوجا في "قصر كانديه". وباتت واليس تشكل فلسفة في حد ذاتها، إن كان من حيث أسلوب حياتها أو ملابسها. فهي تتبع شروط ميولها ونزواتها فقط، وكأنها تضع القوانين الخاصة بها. تجعل إدوارد يزور ألمانيا النازية ويلتقي هتلر، عدو بلاده. وكشفت المعلومات التي سمح قصر باكنغهام أخيراً بإعلانها أنها زعمت خطياً لرئيس الحكومة البريطانية قرار تخلّيها عن فكرة زواجها من الملك... قبل إعلانه التخلي عن العرش. وأضافت تقارير ال"إف بي أي" أنها كانت عشيقة سفير ألمانيا في لندن - وزير الخارجية الإلمانية في ما بعد في خلال الحرب العالمية الأولى، مسرّبة إليه معلومات خاصة عن الحلفاء... كما أقامت علاقة غرامية بعد 13 عاماً على زواجها من إدوارد مع شاب عمره 34 عاماً وكانت في الخامسة والأربعين. أما إدوارد فبقي متعلقاً بها حتى آخر رمق من حياته، يزور لندن وحيداً وظرفياً في المناسبات المهمة... إلى أن عاد إليها نهائياً بعد وفاته العام 1972. فرافقته حبيبته للمرة الأخيرة إلى مثواه الأخير، ونزلت في قصر باكنغهام. ثم عادت لتعيش في باريس وحيدة، فاقدة شيئاً فشيئاً السيطرة على قراراتها اليومية لأنها أقعدت في السرير بفعل التقدم بالعمر. والتقت إدوارد مجدداً العام 1986 بعدما فارقت الحياة في عمر ناهز التاسعة والثمانين، فدفنت إلى جانبه في المدافن الملكية في وندسور، وباتت عضواً في العائلة المالكة البريطانية... متحدية مرة جديدة الجميع حتى بعد وفاتها.