زيلينسكي يرى أن عضوية الناتو ستُنهي المرحلة الساخنة من الحرب    التعاون يتغلّب على الرائد بهدف " في ديربي القصيم    أسباب آلام البطن عند الرجال    الدموع    هدنة لبنان يهددها إطلاق النار الإسرائيلي المتقطع    ضبط (5) يمنيين في جازان لتهريبهم (100) كيلوجرام من نبات القات المخدر    تحركات دبلوماسية تركية روسية إيرانية لاحتواء الأحداث السورية    شخصيات دينية إسلامية تثمن جهود المملكة    "الجوهرة وأسيل" في المركز الأول عربيًا والتاسع عالميًا في الأولمبياد العالمي للروبوت WRO 2024    معرض المخطوطات السعودي يروي حكاية التراث ويكشف نفائس فريدة    دوري روشن: سافيتش يقود الهلال للفوز على الشباب وتضييق الخناق على صدارة الاتحاد    حلول مستدامة لتطوير قطاعي التمور والزيتون    استقلالية "تخصصي العيون".. دعم للبحث والابتكار    مهرجان للحنيذ بمحايل    دورة للإسعافات الأولية    الاتحاد «حاد»    الكويت: صدور مرسوم بسحب الجنسية من الفنان داود حسين والمطربة نوال الكويتية    تركي بن محمد بن فهد يستقبل سفير قطر    ميداليتان عالميتان لأخضر الباراتايكوندو    المركز الإعلامي في حلبة كورنيش جدة.. مجهر العالم لسباق سال جدة جي تي 2024    الأمير تركي بن محمد بن فهد يستقبل سفير قطر لدى المملكة    دوري روشن: ديربي القصيم يبتسم للتعاون بهدف دون رد امام الرائد    قطار الرياض.. 85 محطة منها 4 رئسية تعزز كفاءة التنقل داخل العاصمة    الجمارك تحبط تهريب أكثر من 480 ألف حبة كبتاجون إلى المملكة    مطارات الدمام تشارك في المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير    «سلمان للإغاثة» يدشن المشروع الطبي التطوعي لجراحة العظام في بورتسودان    جامعة الملك عبد العزيز تكمل استعداداتها لإطلاق مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    "الشؤون الإسلامية" تودع أولى طلائع الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين إلى بلدانهم    مجلس الشؤون الاقتصادية يتابع خطوات استقرار أسعار السلع    هل ترى هدنة غزة النور قبل 20 يناير؟    الذهب يرتفع مع تراجع الدولار    "ميسترو".. يوصي بالذكاء الاصطناعي لتحسين العلاج الإشعاعي    قرية القصار التراثية.. مَعْلَم تاريخي وحضاري في جزر فرسان    «الداخلية»: ضبط 19024 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الكشافة السعودية تستعرض تجربتها في مكافحة التصحر بمؤتمر COP16    "التعاون الإسلامي" تشارك في اجتماع التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين في بروكسيل    "بلاغات الأدوية" تتجاوز 32 ألفًا في شهر واحد    ختام نهائيات الموسم الافتتاحي لدوري المقاتلين المحترفين في الرياض    «فيفا» يعلن حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034 على أعلى تقييم في التاريخ    أستراليا تحظر «السوشال ميديا» على الأطفال    «الإيدز» يبعد 100 مقيم ووافد من الكويت    باكستان تقدم لزوار معرض "بَنان" أشهر المنتجات الحرفية المصنعة على أيدي نساء القرى    انطلاق فعاليات معرض وزارة الداخلية التوعوي لتعزيز السلامة المرورية    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    مدني أبها يخمد حريقًا في غرفة خارجية نتيجة وميض لحظي    ندى الغامدي تتوج بجائزة الأمير سعود بن نهار آل سعود    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس واعضاء مجلس ادارة جمعية التوحد بالمنطقة    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    بالله نحسدك على ايش؟!    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعض أحوالها في أقطار متفرقة من عالم اليوم ... سوقاً وانتاجاً وقراءً وكتابة . الصحافة اليومية مرآة حاجات المجتمعات وقرينة على المكانة التي توليها الحرية في "المعرفة"
نشر في الحياة يوم 18 - 12 - 2003

عوض القيام ب"رحلة حول العالم في 80 يوماً" تدعو الصحيفة اليومية الفرنسية "لوموند" قراءها الى رحلة او "جولة" في العالم نفسه، وليس حوله، "في" 80 صحيفة يومية، او بواسطة ثمانين صحيفة. فيجول القارئ في مكاتب الصحف ومطابعها، ويتنقل بين شاشات الحواسيب والهواتف النقالة او الثابتة. ويرصد وكالات الأنباء الكبيرة ومراسلات المراسلين المستقلين او المبتدئين. ويدخل غرف الاجتماعات المغلقة ويسمع التراشق بالكلام الصاخب والمندد قبل ان تنتهي المناقشات الى اجراءات إدارية و"أخلاقية" مهنية، او تتبدد في الصمت والحرج والنسيان. ويجمع، في نظر واحد، طرفي عمل الصحافة بين مبتدأ التمويل والرسملة والتداول في البورصة أو تلقي العطايا والمنح وبين التوزيع والبيع في الأكشاك او من طريق الاشتراكات.
ويتعدى التوزيع الى المرتجع من الأعداد غير المباعة وتدويرها، شأن نفيات اخرى اقل مرتبة وشرفاً. وتتخلل حلقات السلسلة الصحافية هذه، بين اولها وآخرها، تمويلاً وتحريراً وتوزيعاً، مسألة علاقة الصحافة بالسلطات والسياسات والإدارات والرقابات والجماعات والجمهور. ويترجح الأمر بين إحجام عن الملاحظة والمراقبة يمليه ظرف استثنائي و11 ايلول/ سبتمبر لم يعف عن الصحافة طبعاً، وبين خوف من الاغتيال والقتل لم تتورع عنهما جماعات "خفية" من العسير إثباتها، على رغم كثرة القرائن عليها. وبين الحدين تكبل الصحافة مناهج عمل وتأهيل، او ثقافات صحافية، تحملها على الصمم والسكوت أو على التلميح والغمغمة عوض التصريح.
والصحف الثمانون صحيفة اسم على مسميات يكاد لا يجمعها قاسم مشترك. فمن وجه اول تدخل تحت الاسم وكالة بلومبرغ للأخبار الاقتصادية والمالية. وتبث الوكالة، من نيويورك، خمسة آلاف برقية في اليوم الواحد، مصدرها 126 بلداً. ولا ينقطع البث طوال الساعات الأربع والعشرين اليومية. وتنقل البرقيات احوال الأسواق والعمليات والشركات وأخبارها حال حدوثها وتقلبها في نواحي العالم "الأربع" يوم كان إحصاء النواحي جائزاً. ويعمل في مرافق الوكالة المتفرقة 8200 موظف، في 110 مكاتب، بينهم 1600 صحافي في 94 بلداً، وألف مهندس معلوماتي مقرهم في برينستون، بولاية نيوجيرزي. ويتابع المشتركون اخبار الوكالة على 165 ألف شاشة، معظمها في المصارف وشركات الأسهم والسندات والصرافة. ويبلغ عدد الشاشات 37 في المئة من جملة الشاشات الاقتصادية والمالية. وتملك الوكالة، الى هذا، عشر اقنية تلفزيونية عاملة، وتذيع برامجها من طريق 750 محطة في العالم، وتنشر خمس دوريات اقتصادية في الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، وتطبع كتباً متخصصة. وأخيراً يترجح تقدير قيمة الوكالة الإجمالية، بعد 22 سنة على إنشائها، بين 7 بلايين دولار و15 بليوناً.
ومن وجه ثان، تدخل تحت الاسم نفسه صحيفة "كيليد" المفتاح اليومية الأفغانية. فهذه الصحيفة انشئت في آذار مارس 2002 بكابول، بعد أربعة اشهر على طرد طالبان وحكمهم من العاصمة، ويسهم الاتحاد الأوروبي بثمانين في المئة من تكلفة الصحيفة، وتتولى وكالة غوث الأمم المتحدة المحلية العشرين في المئة الباقية. وتطبع "كيليد" اليوم 25 ألف نسخة في اليوم. ويبلغ عدد صفحاتها 58 صفحة، تحسب فيها 8 ملاحق محلية تتناول اخبار ولايات كابول ومزار الشريف وهراة وقندهار وجلال آباد وغارديز وطخار والفارياب. وتباع في 510 أكشاك، في معظم افغانستان، لقاء 5 أفغاني 16 سنتيماً. وهي كانت تقتصر على 24 صفحة، و5 آلاف عدد، ويتولى العمل في اقسامها كلها 70 شخصاً، فيهم 31 صحافياً وصحافية ثلاث، متوسط سنهم 30 عاماً، ومتوسط راتبهم الشهري 200 دولار. وانفصل، اخيراً، من جسم الصحافيين، المحررين والمراسلين، ستة ندبوا الى إصدار دورية اسبوعية نسائية، هي مرسال"، تطبع منذ اليوم 15 ألف نسخة.
وما يبدو، قياساً على الظلمة الطالبانية، نوراً خالصاً - وهو نور لا شك فيه - يكدره ما يتعثر به "بناء" افغانستان، او تجديد بنائها، من عقبات. فما ان تناولت الصحيفة موضوعاً شائكاً هو الزعامات العشائرية العسكرية، وأوكلت الى رسام كاريكاتورها اليومي بصدر صفحتها الأولى، رسم بعضهم، حتى طرق باب "كيليد" زوار خرجوا من سيارات من غير لوحات وقاتمة الزجاج، غطت وجوههم نظارات لا يقل زجاجها عن زجاج السيارات قتامة، وطلبوا مكالمة الصحافيين اللذين كتبا المقالات في أسياد الحرب و"شيوخها" و"خاناتها". وكان الكلام مقتضباً وقاطعاً وهامساً.
ولكن الهوة العريضة بين وكالة مايكل بلومبرغ وبين صحيفة شاهر شاهين، وهو رئيس تحرير "كيليد"، لا تفصل مهنتين الواحدة من الأخرى، او عالمين. فهي فرق ما بين ضفتين من نهر واحد او بحر واحد. ونشر الوكالة اسعار الأسهم والفوائد وحسم السندات، وتقارير الشركات والمصارف اليومية والأسبوعية، وبيانات الجمعيات العمومية ومكاتب المحاسبة والميزانيات ومجالس الرقابة والأحكام في دعاوى الموجبات والعقود - وهي مادة البرقيات اليومية وبنك المعلومات والمعطيات الاقتصادية الذي يختصرها ويبوبها - لا يجعل النشرُ من الوكالة غير وكالة اعلامية وإخبارية متخصصة في مجتمع او مجتمعات تولي هذا الضرب من الأنشطة محلاً متصدراً وبارزاً. وتتردد في الأخبار المالية والاقتصادية، النيويوركية واللندنية والباريسية وفي تلك التي مصدرها شانغهاي أو كوالالمبور، طوكيو او جوهانسبورغ او موسكو، اصداء الأخبار الأفغانية التي يرويها صحافيو "كيليد" وصحافياتها.
وإذا كان صحافيو وكالة بلومبرغ، او "نيويورك تايمز" او "ذي اوستراليان" او "يومييوري سيمبون" اليابانية او "غازيتا ويبورتشا" البولندية او "بيلد" الألمانية أو "التايمز" البريطانية...، لا يخشون تهديد رجال أمن ملثمين بالنظارات وبسيارات من غير لوحات - ولا الاغتيالات التي اودت بألكسي سيدوروف وبيوري تشيخوتشيخين الروسيين المعارضين هذه السنة - فهم يتعرضون لمخاطر من ضرب آخر ليس القتل صورتها الماثلة. ولكنها قد تفضي ببعضهم الى مصائر قاسية، من غير ان تعني المقارنة التقريب المتعسف والجائر بين احوال مختلفة.
فالصحافة، على ما تشهد عليه "الجولة" او "الرحلة" الطويلة، لا تنفك في احوالها كلها تزن عملها في ميزان الوقائع والحقائق والحوادث، سرداً ووصفاً وجمعاً وتعليلاً متفاوت الإحكام والتماسك. وهي، في احوالها المتفرقة، توازن بين اثر القراء وميولهم وإقبالهم أو صدوفهم وهذا هو السوق الذي تتبعه شركات الإعلان، وبين رأي اهل السلطة الذي يصدر عنهم مباشرة - على ما هي حال الصين وصحفها الجديدة "شين جينغ باو" أو "اخبار بيجينغ" الجديدة التي تجمع بين ملكية الدولة - الحزب وبين التمويل الإعلاني والسوقي - أو يصدر من طريق ساسة الدولة العامة والطارئة، على ما هي حال السياسة الأميركية الخارجية منذ عامين والمقارنة لا تعني التسوية على حد واحد.
فمن طريق الصحافة، ومبانيها وصورها المتفرقة والمتباينة، "تقول" المجتمعات حاجاتها وقدراتها وتوقعاتها، من غير شك. ولكنها تقول، على نحو أوضح وأقوى ربما، المكانة والمحل اللذين توليهما للقول نفسه، اي لحريته، وموارده و"الحق" فيه وإعماله في وجوه فعلها وسعيها ومنازعاتها وعلاقتها بنفسها، من طريق السلطة والسوق والثقافة.
الحدود و"الحرام"
وهذا، اي المكانة والمحل، هو ما تنم به ولو مواربة ارقام التوزيع وأنواع الموارد. فعلى وجه اول، تتصدر اليابان ارقام التوزيع الخام، إذا جازت العبارة. فالمراتب الخمس الأولى على سلم توزيع الصحف اليومية، في العالم، تعود الى الصحف اليابانية. وتتصدر الصحيفتان الأوليان، "يومييوري شيمبون" و"أساهي شيمبون"، صدارة مطلقة ارقام توزيع انواع الصحافة كلها، اليومية والدورية. فتطبع الأولى 2،14 مليوناً، والثانية 3،12 مليوناً. والصحيفة، اليابانية كذلك، التي تحل المرتبة الثالثة، "ماينيشي شيمبون"، "يقتصر" توزيعها على 6،5 ملايين نسخة يومية بفرق يبلغ اكثر من الضعفين تخلفاً عن المرتبة الثانية. ويفوق الرقم الأول اعلى توزيع تبلغه اوسع دورية اميركية انتشاراً، وهي "ريديرز ديجيست" الشهرية. فهذه تحصي 12 مليون نسخة و558 ألفاً، فتتقدم "أساهي شيمبون" الصحيفة اليابانية الثانية، بنحو ربع مليون نسخة.
ولا تماشي ارقام الفئة الثانية، فئة الملايين الأربعة الى المليونين، إلا "بيلد" الألمانية 2،4 ملايين و"ذي صن" البريطانية 4،3 ملايين و"يو إس اي توداي" الأميركية 6،2 مليونان، و"كاناكو تشياتشي" الصينية 5،2 مليونان، و"شوزين ايبو" الكورية الجنوبية 4،2 مليونان. وتحل الهند مع "تايمز اوف انديا" 1.2 مليونان المرتبة الخامسة عشرة. وتعود اليابان الى المراتب الثامنة والثانية عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة والواحدة والعشرين. فتحوز وحدها عشر مراتب من المراتب الخمس والعشرين، لقاء حيازة الصين اربع مراتب، ثلاثة منها في المراتب الدنيا من الترتيب. ولا يتقاسم هذه المراتب، على تفاوت كبير في الحصص يبلغ 8،8 اضعاف بين المرتبة الأولى والمراتب الثلاث الأخيرة 6،1 مليون، الى اليابان المبرزة، غير ثلاثة بلدان غربية الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وثلاثة بلدان آسيوية الصين والهند وكوريا الجنوبية.
وتتصدر الولايات المتحدة الأميركية الدوريات الأسبوعية المراتب الأربع الأولى من ثمان، وتتقاسم مع الصين المرتبة الخامسة وفرنسا المراتب الثلاث الأخيرة الصدارة. ويتفاوت التوزيع من 129،4 ملايين "تايم" الى 536 ألفاً "نوفيل اوبسرفاتور"، اي بنسبة 1 الى 7،7 اضعاف. ومن ثماني دوريات شهرية، او اسبوعية شعبية او تصدر مرة في الشهرين، ثلاث اميركية "ريدرز ديجيست"، وهي مرت، و"ناشينال جيوغرافيك" و"بيبول ويكلي"، وواحدة الرابعة هولندية "كامبيون" 684،3 ملايين، واثنتان صينيتان، وواحدة ألمانية، وواحدة الثامنة اميركية، "سميثسونيان"، وتطبع في الشهر 034،2 مليونين. ولا تتقاسم دورية نسائية غير اميركية المراتب الثماني الأولى التي تنفرد بها كلها الدوريات الشهرية الأميركية. فتتقدم المجموعة شهرية المنازل والحدائق "بيتير هومز اند غاردنز" 603،7 ملايين نسخة، وتحل المرتبة الثامنة "أو، ذي اوبراه ماغازين" 641،2 مليونان. والفرق بين الأوسع توزيعاً والأضيق 87،2 ضعفان، وهو الفرق الأضعف.
وإذا كان سبق الصين والهند، النسبي، في مضمار القراءة اليومية ناجماً عن الثقل السكاني قياساً على البلدان الغربية، فالسبق الياباني والكوري الجنوبي ليس مرده الى عامل السكان، بل الى انتشار القراءة في مجتمعين نجحا في محو الأمية محواً تاماً من غير بقية، وإلى اخذ اهل المجتمعين بالتأهيل المستدام على ما يقال في التربية. ومحو الأمية والأخذ بالتأهيل الفردي المستدام ليسا، بعد، من انجازات المجتمعين الصيني والهندي ولا من منازعهما. وعلى رغم التحسين الكبير الذي طرأ على صحافة الصين، مادة وصياغة، فهي لا تزال، على خلاف نظيرها الياباني والكوري، مقيدة بمعايير سياسية واجتماعية يكبل ثقلها المحررين والقراء، ويضيق انتشارها.
فصحيفة "بيجينغ كينغيان باو" "جريدة شبيبة بكين" كانت تطبع 400 ألف نسخة يوم كان في مستطاعها تناول مسائل مثل بيع الدم والإتجار به في الأرياف الصينية، او المخدرات وتعاطيها في اوساط الفتيان والفتيات. فلما حيل بينها وبين كتابة تحقيقات في هذه المسائل تردت مبيعاتها. ولا تقيد مثل هذه القيود الصحافتين اليابانية والكورية الجنوبية طبعاً. فإلى شبكة توزيع "اخطبوطية" تتمتع بها المطبوعات اليابانية 21 ألف شركة او منشأة توزيع باليد تتولى توزيع الصحف اليابانية، يعمل فيها 470 ألف موزع، مئة ألف منهم يتولون توزيع الصحيفة اليابانية الأولى، وإلى شبكة مطابع تبلغ 26 مطبعة مبثوثة في المحافظات والجزر اليابانية تملكها الصحيفة الأولى، يعزو مراقبون سبق "يومييوري شيمبون" الى سياسة تحريرية كتابية تتوجه الى الجمهور الأعرض، وتجعل بمتناوله الموضوعات كلها من غير إسفاف.
ولا تحجم الصحافة اليابانية الجماهيرية، شأن زميلتها الكورية، عن الانخراط في مناقشات تقسم الرأي العام والجمهور مثل تعديل الدستور "المسالم" وإيلاء القوات المسلحة دوراً ابرز في الديبلوماسية اليابانية الدولية. وتذهب احدى صحافيات الصحيفة، آكسوكو كوباياشي، الى ان "اختصاصها" في بعض وجوه العلاقات الاجتماعية المنسية او المهملة مثل معاملة المسنين ووحدتهم جعل من المسألة باباً ثابتاً في الصحيفة.
وهذا ما لا يسع الصحافة الصينية الإقدام عليه. فيوم حاول صحافي تحقيقات في زينغزو، عاصمة هونان، معالجة موضوع "الإيدز" في المحافظة، ضيقت عليه السلطات المحلية، واضطرته الى الهجرة الى بيجينغ. ويقبع اربعون صحافياً في السجون جراء تناولهم موضوعات الفساد والهجرة الداخلية والبطالة والمنازعات العقارية.
وعلى رغم تمتع الصحافة الهندية بحرية اوسع بكثير من حرية الصحافة الصينية، وبعراقة راسخة بعض الصحف الهندية، شأن "ذي هندو" في مدراس عاصمة ولاية تاميل نادو، يعود إنشاؤها الى 1878، ويتولاها اولاد منشئيها وأحفادهم، إلا ان خلافاً سياسياً حاداً قد يؤدي الى محاكمات ودعاوى. وتحمل هذه الإدارة على "الاعتدال"، على ما حصل. فتتلجلج الصحيفة في تناولها المسائل المحلية او العامة، إذا كان مدار الخلاف على مسائل عامة مثل حرب العراق او مثل سوق السلاح وعمولاته، أو تُقدم، وتترك التلعثم. ولما اقدمت "ذي هندو"، وعين مجلس الإدارة رئيس تحريرها احد الوارثين "المشاغبين"، اضطر وزير الدفاع الهندي السابق، جورج فرنانديز، الى الاستقالة. وحافظت على توزيع عال خسرت بعضه في طور من اطوار المنازعة مع حاكمة الولاية.
"معدل النفاذ"
فإذا خلص مما تقدم الى ان حرية الصحافة وشجاعتها وإقدامها على معالجة المسائل التي تشغل مجتمعاتها عامل راجح في انتشارها، وتعاظم توزيعها، كرر الخلوص هذا رأياً معروفاً وشائعاً. ولكن إقبال الجمهور على موضوعات اقتصادية وعلمية، تقنية، او على موضوعات مثل الصحة والأناقة، جراء انخراط المجتمع كله في سيرورات تحديث وتجديد وانفتاح، شأن الصين في العقدين المنصرمين، باعث على القراءة لا يتأخر عن الباعث السياسي والاجتماعي والثقافي. وتشترك في هذا انماط مجتمعات مختلفة. فيقيس "معدل النفاذ" وجهاً آخر من علاقة المجتمعات بالصحافة والقراءة، لعله اقرب الى قياس محل الصحافة ومكانتها. فما خلا اليابان، ليست الصين ولا الهند ولا كوريا الجنوبية بين البلدان التي تتمتع بنسبة قراء عالية. وتقاس النسبة هذه، او المعدل، بحمل عدد نسخ الصحف المطبوعة والموزعة على ألف قارئ قادر على القراءة.
فيأتلف سجل آخر من مراتب هذا المعدل. فتتصدر النروج الستة وعشرين بلداً المتصدرين. ويبلغ عدد نسخ الصحف الموزعة 704 قراء في الألف قارئ. وتحل اليابان المرتبة الثانية 653 نسخة. وتفوز بلدان شمال اوروبا فنلندا والسويد وبريطانيا بالمراتب التالية. وتحصل بلدان اوروبا عموماً، غرباً ووسطاً وجنوباً، على حصة كبيرة من المراتب الأولى. وقد يسهم عدد السكان القليل، بأستونيا والدانمارك وسلوفينيا وبلجيكا وهولندا والنمسا، الى انتشار التعليم من غير شك، في رفع "معدل النفاذ". ومن خارج أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوستراليا، يستوقف حيازة البيرو اميركا اللاتينية وسنغافورة وهونغ كونغ آسيا وتركيا الشرق الأدنى أو الأوسط، مراتب متقدمة هي، تباعاً، 9 و10 و16 و24. وقد يقيس تأخر فرنسا الى المرتبة الثالثة والعشرين، وإسبانيا الى الخامسة والعشرين وإيطاليا الى المرتبة السادسة والعشرين - والبلدان الثلاثة لاتينية على ما تلاحظ الصحيفة الفرنسية - بعض الترهل الثقافي في بلدان ثقافات عريقة. وذلك على نحو ما تفيد مجتمعات "شابة"، مثل تركيا والبيرو، او قريبة العهد بدخول اوروبا المجر وتشيكيا واستونيا وسلوفينيا او قوية الاختلاط والمثاقفة كندا وأوستراليا والولايات المتحدة، من احوالها هذه.
وتقود هذه الوجوه، الاجتماعية والمتحدرة من تاريخ سابق، إلى قلب مشكلات الصحافة الداخلية. وليس مفاجئاً تماماً ان تبرز هذه المشكلات في مجتمعات لا تعوق رقابة سياسية او اجتماعية، او معوقات تقنية ومالية، انتشار صحافتها وتجددها. ففي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأوستراليا وفرنسا والبرازيل والمكسيك وبولندا، على سبيل المثال، تنزع الصحافة "العامة" او العمومية الموضوعات، والعالية المرتبة او "الشريفة"، الى بعض الضمور. فينافسها ضرب آخر من الصحافة - وليس التلفزيون على ما قيل من قبل، ولا "الإنترنت"، على ما خُشي في الأعوام الأولى من عمر "الوسيط" الجديد - هو صحافة الإثارة، من طريق اخبار النجوم والفضائح و"المتفرقات" الاجتماعية، والعزوف عن السياسة العامة والقضايا الاجتماعية "الكبيرة".
ولعل الصحافة البريطانية، في الأعوام العشرين الأخيرة، هي الاختبار الجلي لهذه الظاهرة. فاضطرت "ذي اندبندنت"، صحيفة يسار الوسط، الى الصدور، منذ اليوم الأخير في ايلول سبتمبر المنصرم، في شكلين او "حجمين". الأول هو الشكل المعتاد والسائر للصحف، والثاني هو الشكل المختصر الذي يقتصر على ثلثي طول الصفحة وعرضها، او على نصفهما. ويتبع الاختصار الشكلي هذا ضرب مختلف من التحرير. فالصفحة الأولى يتصدرها عنوان واحد لافت، تقتصر الصفحة عليه، وعلى صوره الفوتوغرافية والملونة، ويحسن بالصور، بهذه الحال، ان تكون "معبرة". وأوكل الى الصيغة الثانية هذه رفع التوزيع من 180 ألف نسخة يومية إلى فوق المئتي ألف. ويبدو ان الصيغة الجديدة، بعد شهرين ونصف الشهر من اختيارها، زادت المبيع السابق 45 ألف نسخة يومية.
وأصابت "حمى" صحافة الإثارة وحجمها "التابلويد" صحفاً أخرى محافظة، مثل ال"ديلي تلغراف"، أو عريقة، مثل ال"تايمز" وال"غارديان". فإلى اختصار الشكل، "تزين" صور نساء جميلات بعض الصفحات. وتتناول صفحات أخرى الموضوعات المثيرة، ويعالج الموضوعات هذه "أسلوب" سريع وقاطع، يعتمد السخرية والتلميح المتواطئ. ويترك التحرير معالجة الموضوعات السياسية العامة، أو الدولية، من باب الديبلوماسية وعلاقات الكتل والمصالح. فيقدم أبوابَ معالجة مثيرة تتناول الارهاب، والتعقب البوليسي، والتحقيق الجزائي والمالي. وتحوز الرياضة قسطاً عريضاً من الموضوعات، ويمزج تناولها وقائع الرياضة نفسها بأخبار الرياضيين ونسائهم وأولادهم وأعمالهم التجارية، وأخبار النوادي التي يتنقلون بينها لقاء أثمان كبيرة، ومن طريق مفاوضات معقدة. ويصرف شطر آخر من الأخبار والتحقيقات الى الحوادث التي تنظر فيها المحاكم ودوائر الشرطة. وتغلب المحافظة السياسية والاجتماعية على هذا الضرب من الصحف. فهي توقر الهيئات والمؤسسات، وأقامت على توقيرها الى ان أمست العائلة المالكة طريدة الأخبار المثيرة الأولى. وبعض السبب في هذه الفروق، أو التجديدات، قراءة الصحف في أثناء الانتقال بالمترو أو الحافلات أو الترام، والاقتصار على محل جلوس ضيق.
ويقرأ صحافة "التابلويد" البريطانية 27 مليون قارئ نظير 5،9 ملايين نسخة، أي بريطاني من اثنين. ويعزو أحد مؤرخي الصحافة البريطانية رواجها إلى استجابتها انتشار التعليم في صفوف "الطبقات" العاملة، وهي شطر كبير من المتقاعدين والمسنين والنساء المعمرات لاحقاً، وتوسل العمال القراءة الى إرساء ارتقائهم الاجتماعي على ركن ثقافي. وإلى هؤلاء أقبل الشباب، أولادهم، على القراءة، والنساء. والقراء الجدد، على خلاف القراء التقليديين، يُقبلون على إعلام أوسع دائرة، وأكثر تنوعاً، وأقرب الى المشاغل اليومية من معظم الإعلام التقليدي، المترفع والخطابي.
وهم اشترطوا ضمناً، من طريق السوق على صحافتهم الكتابة السهلة المأخذ، والمختصرة، والمعالجة التي تتناول مسألة واحدة مفردة، إلى اشتراطهم الموضوعات "الخفيفة" التي مرت. وبعض التحول إلى جمهور القراء الشعبي والعريض جاء عن يد مستثمرين جدد أولهم ريبرت موردوك. فرجل الأعمال الأوسترالي - الأميركي - وهو اليوم أكبر ناشر صحافة عامة، مرئية ومكتوبة في العالم - حوَّل ال"صَنْ" من صحيفة يسارية صارمة تخسر كثيراً من المال الى صحيفة تتصدر السوق، ولا يكتبها صحافيوها لزملائهم بل لقراء المشترين. ولا قيد على النشر ما خلا ثلاثة: الامتناع من العري التام و"الوقوف" عند العري النصفي، ومن الشتائم المقذعة، ومن تسمية الأفعال "خلاف الطبيعة" باسمها الصريح. وعلى خلاف التوقع، لم تؤد سيطرة موردوك على الدوام إلى محافظة متحجرة و"رجعية". فصحيفته الأولى الأوسترالية، "ذي أوستراليان" بكانبيرا، انتقدت من غير محاباة سياسة جون هوارد، رئيس الوزراء المحافظ، في مسألة الهجرة واستقبال المهاجرين. ويخدم التحرير الصحافي، على معناه المحصور، إخراج تقني لا عيب فيه. فالصحيفة اليومية، على رغم "انتفاخها" وكثرة صفحاتها وأبوابها و"دفاترها" ملحقاتها المستقلة، سلعة جميلة.
وما يخشاه المتحفظون عن صحافة الإثارة الشعبية أو الجماهيرية ونقادها، ليس في المرتبة الأولى متابعتها جمهور قرائها على أهوائه وموضوعاته، وتقديمها في سبيل ذلك الفضائح أو الأفلام والأسماء المشهورة، بل ما ينجم عن المتابعة والتقديم من تقطيع للنسيج الصحافي، وتمزيق له. فصيد الخبر الجزئي، فاضحاً أو سياسياً أو اقتصادياً، إذا صار محور الإعلام وبغيته، أدى الى استحالة إبراز الحوادث في سياق مترابط ومفهوم. وعزف عن مهمة الصحافة الأولى، وهي مهمة لا ينافس عليها الصحافة المكتوبة لا التلفزة، ولا الإنترنت، ولا حتى الإذاعة. ومن شروط القيام بهذا العمل الفصل الصارم بين الخبر وبين التعليق والرأي، في العناوين وفي "المساحة المحررة". فمزج الأمرين يخالف أخلاقيات المهنة. فالدعاوة السياسية أو الاقتصادية تنتهج نهج صحافة الإثارة وفضائحها بمضمون سياسي.
ومن الشروط إبراز جملة الحوادث والأخبار في سياق مترابط ومفهوم، أياً كان مضمارها أو حقلها، إيلاء التحقيقات المباشرة المحل الأول. فمثل هذا المحل يخرج الصحيفة من نازع الصحافيين على قول موردوك والمعلقين والكتّاب إلى جعلها منبراً، وساحة مباراة مغلقة يتبارون فيها ويصولون، ولا يحتكمون إلى الوقائع وسياقاتها أو ملفاتها إلا أقل الاحتكام. ويعزو مراقبون برازيليون بعض مصاعب إحدى كبرى الصحف البرازيلية الوطنية، "فولها دو ساوباولو"، واضطرارها الى صرف ربع عامليها وتعليقها الاستثمار في رأس مال الصحيفة، إلى تقليل حيز الأخبار واختصاره، وإلى تصدر المعلقين وكتاب "الأعمدة" والمقالات، وسطوهم على صفحات الصحيفة. ويملأ هؤلاء، إلى ثلاث افتتاحيات يومية، الصفحتين الثانية والثالثة.
والتحقيقات، وهي سلاح الصحافة الصينية الجديدة الأمضى والمحاصر ومادة الصحافتين اليابانية والكورية المقدمة، أوقعت ال"نيويورك تايمز" في ورطتها المعروفة، وأخرجتها منها في آن. فقد كتب أحد محرري الصحيفة الشبان، جايزون بلير 28 سنة حين الحادثة، سلسلة تحقيقات منحولة، نسب فيها الكلام الى أناس توهمهم وتوهم سيرهم. واستمر على هذا فوق السنة، وكتب فوق العشرين تحقيقاً، كلها زائفة. ولم يتنبه أحد في الصحيفة إلى الكذب. فعالجت الصحيفة المسألة، بعد افتضاحها عن يد المزيف نفسه، باستقالة مدير التحرير ومساعده. وأوكل رئيس التحرير إلى تسعة أشخاص 4 صحافيين واختصاصي في الإعلام ورجل قانون ومحققيْن مجربين وناشرين، في إشرافه، قراءة تحقيقات ج. بلير جملة جملة، وتعقب حوادثها حادثة حادثة، والاستدلال على مواضع التزوير والتمويه التي أجازت للصحافي تكرار فعلته، ومراقبة التحرير سادرة في غفلتها. وخلص الفريق من هذا إلى تخصيص المسألة بأربع صفحات، اثنتان تناولتا التوليف والأخطاء والنَّحل في تحقيقات الصحافي، واثنتان فصَّلتا كيف جاز لمثل هذا أن يحصل. وترى الصحيفة اليوم أنها في دور نقاهة. ويسأل صحافيون معروفون: هل يجوز نشر خبر من غير السؤال عن مصلحة المصدر الغفل في نشره؟ ومن أصداء القضية، "الجانبية" ربما، تكليف لجنة من المؤرخين التحقيق في جدارة ويليام دورانتي بجائزة "بوليتزير" في 1932 على مراسلاته من روسيا السوفياتية، على رغم إغفاله المجاعة الأوكرانية التي أودت بنحو خمسة ملايين نفس.
فقوام المهنة، هو التشكك والتحفظ. ويلوم أحد المراقبين الأميركيين صحافة بلده على ترك التشكك والتحفظ في معالجتها مسألة العراق، ويحيي انبعاثهما اليوم. وسند الفضيلة الصحافية الأولى أخلاق المهنة ويقظة القراء، وهم الناخبون و"أصل" السياسة على معنى مصدرها. فالصحافة، شأن السياسة، مهنة "اعتراضية" تتخلل العلاقات الاجتماعية من أدناها إلى أقصاها، وتقتفي أثر ما يصنعه الناس بمجتمعاتهم من غير دراية تامة بما يصنعون.
* كاتب لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.