تتسم الأعمال الدرامية السورية التي أنتجت لموسم العروض الرمضانية بنوع من التوازن في المواضيع خلافاً للمواسم السابقة التي كانت تتخم أحياناً بأعمال الفانتازيا وأحياناً بالمواضيع التاريخية كما حصل في الموسم السابق، اذ عرضت الشاشات العربية اكثر من ثمانية أعمال تاريخية فيها الكثير من التشابه، منها اثنان عن الأندلس وثلاثة عن الشعراء. وفي الموسم الحالي تختفي أعمال الفانتازيا ويزداد عدد الاعمال الانتقادية الساخرة التي كان ينفرد بها في السابق الفنان ياسر العظمة، ثم ارتفع عددها العام الماضي وكان أشهرها "بقعة ضوء" لمجموعة من الفنانين في مقدمهم باسم ياخور وأيمن رضا. ويتكرر تقديم هذه الاعمال التي تنطلق من مبدأ الانتقاد الساخر والحاد لمظاهر السلبية في المجتمع وصولاً الى السلطة، فالى جانب "حكايا المرايا" لياسر العظمة التي أعلن انها ستقدم في حلة جديدة، وبتجربة اخراجية أولى للممثل سيف الدين سبيتي الذي يغامر بدخول مجال الاخراج، هناك حلقات جديدة من برنامج "بقعة ضوء" وعمل آخر ينفذ للمرة الأولى بعنوان: "عالمكشوف" من تأليف مجموعة من الكتّاب واخراج المخرج الشاب الليث حجو الذي قدم تجربة متميزة في الموسم الماضي باخراجه حلقات "بقعة ضوء". والجديد في مسلسل "عالمكشوف" ان المخرج غامر بدوره باسناد الأدوار الكوميدية الانتقادية الساخرة الى مجموعة من الفنانين بينهم نجوم لم يشاركوا قبل الآن في مثل هذه الاعمال مثل منى واصف وجمال سليمان وعبدالهادي الصباغ وفايز قزق وحسن عويتي وعبدالحكيم القطيفان وغيرهم. أعمال تستلهم التاريخ الأعمال التاريخية تراجع هذا العام الى ثلاثة اعمال هي: "ربيع قرطبة" من إنتاج السورية الدولية واخراج حاتم علي" "سيف بن ذي يزن" من إنتاج التلفزيون اليمني وشركة "لين" واخراج مأمون البني" "مسيرة بني هلال" من إنتاج شركة الصقر واخراج باسل الخطيب. وباستعراض مواضيع هذه الاعمال، نجد ان منتجيها حاولوا استدراك موضوع التشابه في ما بينها، على خلاف ما حصل في الموسم الماضي، فهناك مسلسل واحد عن الأندلس هو "ربيع قرطبة" يقابله مسلسل آخر من إنتاج مصر هو "طارق بن زياد"، ويتخذ المسلسلان الآخران أهميتهما من تميز شخصية سيف بن ذي يزن وسيرة بني هلال، وهذان الموضوعان يعيشان في الذاكرة الشعبية الموروثة. الدراما الاجتماعية أما الركن الثالث من رمضان والذي يحقق نوعاً من التوازن الكمي والنوعي مع المسلسلات التاريخية والكوميدية الانتقادية فهو الدراما الاجتماعية التي تميزت بها الأعمال السورية منذ سنوات وحقققت لها الانتشار الواسع على الفضائيات العربية من المسلسلات التي أنجزت: "زمن الصمت" من اخراج سمير حسن" "أنشودة المطر" من اخراج باسل الخطيب" ذكريات الزمن القادم" من اخراج هيثم حقي" "الداية" من اخراج بسام سعد" ظرفاء ولكن" من اخراج فردوس أتاسي" "أبو المفهومية" من اخراج سالم الكردي" و"أيامنا الحلوة" من اخراج هشام شربتجي. ومن استعراض هذه الاعمال نجد ان هناك عزوفاً لدى المنتجين السوريين عن الاعمال التاريخية والعودة الى المواضيع الاجتماعية الراهنة، التي ترصد واقع الانسان العربي المعاصر في يومياته وطموحاته وأحلامه ومعاناته، في مواجهة مختلف الظروف التي تجابهه، بخاصة مشكلات العادات والتقاليد الاجتماعية والظروف الاستثنائية الصعبة والمطالب الاقتصادية والاستهلاكية، وأزمة الشباب في مجابهة التحديات التي تفرض عليهم في كثير من الاحيان مواقف صعبة تصل بهم الى الانحراف أو الجريمة. ولعل مسلسل "أيامنا الحلوة" - ونذكره على سبيل المثال لا الحصر - يجسد معاناة الشباب العربي الذي تتجاوز طموحاته معطيات الواقع المعاش إذ يسعى الى الاثراء السريع بأي شكل وبأي ثمن. تراجع الاعمال البوليسية وهناك ملاحظة مهمة لا بد ان نسجلها في هذا السياق، وهي تراجع انتاج المسلسلات البوليسية التي شكلت في مرحلة سابقة طفرة، وذلك من خلال اقتباس الاعمال البوليسية الأجنبية واعدادها محلياً بالاعتماد على ما فيها من اثارة ضمن الاهتمام باختلافها عن مجتمعنا العربي. المسلسل البوليسي الوحيد في اعمال هذا العام هو مسلسل "لغز الجريمة" من اخراج ناجي طعمي. ولما كانت الاعمال البوليسية في الدراما السورية تفتقر الى كتّاب محليين متخصصين ومتمرسين في هذا النوع من الكتابة التلفزيونية، فقد لجأ الى التحايل على هذا النقص باستكتاب عدد من المؤلفين الدراميين ليكتب كل منهم عدداً محدوداً من الحلقات، اذ لا يوجد كاتب درامي يستطيع ان يحمل عبء تأليف مسلسل بوليسي من ثلاثين حلقة مثلاً. وهناك ملاحظة اخرى يمكن ان نسجلها على هذا المسلسل، وهي ان جميع حلقاته تعتمد - على رغم اختلاف مواضيعها - على مجموعة واحدة من الممثلين في الادوار التي تتكرر في جميع الحلقات، كدور المشرف الأمين ودور المحقق والمساعد والقاضي والمحامي وغيرهم. حضور القطاع الخاص واذا كان هناك توازن واضح في موسم العروض الدرامية الرومنطيقية السورية بين الاجتماعي والتاريخي والكوميدي، لجهة العدد على الأقل، فإن الملاحظة الأساسية هي تأكيد الحضور الطاغي لأعمال القطاع الخاص وتواضع انتاج القطاع العام، ويؤكد هذا الواقع ان إنتاج القطاع الخاص هو الذي حقق للدراما السورية وعلى مدى سنوات هذا الانتشار الواسع على الفضائيات والارضيات العربية، علماً أن هذا القطاع لا يعتمد فقط على التمويل السوري بل بصورة عامة على تمويل جهات عدة من خارج سورية ومنها الجهات الخليجية. هذا الواقع جعل وزارة الاعلام السورية ومنذ سنوات تعلن عن تبنيها ودعمها لأعمال القطاع الخاص بالقدر الذي تدعم فيه اعمال القطاع العام التي ينتجها التلفزيون العربي السوري، على رغم ان انتاج القطاع الخاص اصبح اضعاف ما ينتجه التلفزيون السوري. وهذا الدعم يتم من منطلق ان انتاج القطاعين هو قبل كل شيء انتاج وطني. واذا كانت الاعمال التي أنجزت هذا العام تراجعت الى النصف تقريباً قياساً الى انتاج الاعوام الثلاثة الماضية، فإن ما يميزها هو عملية الاختيار المدروسة والمنوعة والمتوازنة للمواضيع لتظل الدراما السورية في المستوى الذي كانت عليه ايام تألقها. تنافس... أم تكامل أما ما يثار عن منافسة بين الاعمال الدرامية العربية وخصوصاً بين انتاج كل من سورية ومصر فإن الواقع يؤكد حتى الآن ان الامر لا يتخطى المنافسة الشريفة، الا ان اكثر من خمسين فضائية عربية يمكن ان تستوعب عدداً كبيراً من ساعات البث التلفزيوني الدرامي، وفي الوقت نفسه يكون أمامها مجال اختيار الأفضل. وهذا الأمر يضع مؤسسات الانتاج، في القطاعين، امام امتحان اثبات الوجود، خصوصاً أن موضوع التكامل الذي من المفروض ان يقابل موضوع التنافس، غير موجود. وعلى رغم ان الصحافة العربية ومع انتهاء موسم العروض الرمضانية تبدأ استعراض الاعمال المتوقع عرضها في الموسم الرمضاني الجديد من خلال متابعة مراحل انتاج الاعمال المعلن عنها سلفاً، الا ان اللائحة الاخيرة لبرمجة العروض لا تظهر الا قبل وقت قصير من بدء الموسم الرمضاني، ويتأخر تقرير بث المسلسل على هذه الفضائية أو تلك حتى ليلة العرض الأولى اذ ان هذا الامر محكوم بأمور عدة: 1- موضوع العرض الأول، أو العرض الحصري الذي تحرص عليه بعض الفضائيات العربية. 2- عرض المسلسل الواحد على أكثر من فضائية. 3- تفاوت الاسعار التي يفرضها هذا الواقع، اذ بلغ هذا التفاوت مرحلة مدهشة في المواسم الماضية الى درجة تدعو الى الاستغراب، اذ تراوح ثمن الحلقة الواحدة بين ثلاثة آلاف وعشرين الف دولار. 4- شروط شركات الانتاج والتسويق التي يبلغ بها التطرف احياناً حد التدخل حتى في اختيار الممثلين، كما فعلت احدى شركات التسويق عندما اشترطت مسبقاً اسناد دور البطولة الى ممثلة معينة والا لن تتعاقد على انتاج أو تسويق المسلسل. هذا الواقع جعل قطاع الدراما العربية يتحول الى قطاع تجاري يعمل بحسب قوانين العرض والطلب ما جعل سلطة المنتج تتجاوز سلطة المخرج وشروط الممثلين وطلباتهم الشخصية والأجور في حال من التأرجح كما هي الحال في قطاع البورصة.