يغدو الحديث عن أهمية نزعتي المغامرة والاكتشاف لدى السائقين والدراجين الذين يخوضون منافسات بطولة العالم للراليات الصحراوية، أمراً سطحياً لدى معاينة نقطة الاجتذاب الرئيسة لإظهار حماستهم المفرطة ضمن موقع الربع الخالي ذي الكثبان الرملية الشاهقة، والذي احتضن مسار اليوم الثالث من رالي الإمارات الصحراوي وامتد مسافة 359،60 كيلومتراً. بالطبع لا يمكن إغفال تأثير نزعتي الانتصار وعشق الشهرة في تحريك "ديناميكية" المشاركين، خصوصاً أن رالي الإمارات الصحراوي يشكل الجولة الأخيرة من بطولتي العالم لفئتي السيارات والدراجات النارية هذا العام... لكن السؤال الذي يطرح نفسه عن مقدار المتعة التي يوفرها غزو الأضواء عبر أحد المواقع الأكثر عزلة في العالم، وبعيداً من عيون حشود الجماهير الكبيرة والتي لا تتواجد غالباً في مسارات المراحل الخاصة للراليات الصحراوية بسبب صعوبة متابعتها ميدانياً إلا من نقطتي الانطلاق والوصول، في حين أن إيجاد موقع مثالي لتأمين الرؤية ضمن مساحة شاسعة يحمل مجازفة مواجهة العوامل الطبيعية غير الاعتيادية أو حتى الغبار الرملي المتصاعد من الطوافات المواكبة للمشاركين والتي تحلق على ارتفاع مخفوض أحياناً. وهنا نتبين أن "العزلة" الغارقة في ديكور الجمود المحيط بها يشكل مصدر المتعة الأكثر أهمية للمشاركين أو حتى لمعاونيهم الإداريين والتقنيين الذين يدهشون الجميع بجمعهم بين الهدوء المفرط في تنفيذ مهماتهم ذات الأهمية الكبيرة والمرح في تبادل الأحاديث مع الصحافيين وبعض المتابعين، ما يؤكد مقولة أن عالم رياضة الراليات الصحراوية ذات خصائص إنسانية فريدة على صعيد الصداقات الناشئة والتعاون. واللافت أن الخصائص الإنسانية تمتد للمنظمين الميدانيين من خلال حرصهم على الاستفسار عن الأوضاع الشخصية للمشاركين والمعطيات التي ترافق مسيرتهم في الرالي على خطي الانطلاق والوصول، من دون إظهار أي علامة استياء من تواجدهم ساعات طويلة تحت الشمس الحارقة، على رغم أن أحداً لا يستطيع تحملها فترة 15 دقيقة. ولا شك في أن متعة "العزلة" تحرر المشاركين من الاحتقان الناتج من المتطلبات البدنية غير العادية لخوض المنافسات، حيث يتوجب تحليهم بجاهزية كاملة من أجل احتواء التأثيرات السلبية لخسارة كيلوغرامات عدة خلال فترة الرالي، وأيضاً من الخطر الكبير الذي يواجهونه والذي لا نبالغ في القول إنه الأكبر حجماً في الرياضات كلها، خصوصاً أن أسلوب القيادة السريع على الطرقات غير المتماسكة والمتوازنة بسبب الحجم المختلف لتكدس الرمال يشكل الخيار الوحيد لتفادي الانزلاقات المكلفة في فئة الدراجات النارية تحديداً والانغماس الكثيف ذات العقبات الوخيمة في فئة سيارات الدفع الرباعي، علماً أن أي تدخل تقني عاجل مستبعد في الراليات الصحراوية. وربما حتم ذلك "استنفار" محمد بن سليم، رئيس اللجنة المنظمة، في التواجد شخصياً في موقع الربع الخالي، حيث أشار إلى أن واجب الملاحقة الميدانية لتدابير التنظيم والسلامة يرهق أي منظم جسدياً وذهنياً. وهو لم يستبعد بالتالي إمكان تنحيه عن منصبه في العام المقبل. ضحايا وعموماً وقع كثيرون ضحية مسار اليوم الثالث في موقع الربع الخالي في مقدمهم متصدر بطولة العالم سائق فريق ميتسوبيشي البرتغالي كارلوس سوزا، الذي خسر نحو 30 دقيقة بعد انقلاب سيارته على سقفها قبل أن يلقى مساعدة الفرنسي لوك ألفان والألمانية آندريا ماير، ما جعله يتفادى خسارة مركزه الثالث المهم من أجل انتزاع لقب البطولة. وبخلاف سوزا، دفع زميله في ميتسوبيشي الإيطالي ميكي بيازيون ثمناً غالياً لتعطل نظام الدفع الرباعي في سيارته، وعاد خاوي الوفاض إلى المخيم في ليوا بعدما اشتكى أيضاً من أوجاع في صدره. يذكر أن سائق ميتسوبيشي الفرنسي بيتر بيترهانسيل احتفظ بصدارة الترتيب أمام سائق باغي فورد مواطنه المخضرم جان لويس شليسر. وفي فئة الدراجات النارية التي احتفظ الفرنسي سيريل ديبري بصدارة ترتيبها، تعرض الفنلندي فرنسوا فليك لحادث سقوط تسبب بإصابة أنفه بجروح، وهو قال: "احتوت هذه المرحلة الخاصة على كثبان رملية كبيرة لم أرى مثلها في حياتي".