السعودية تؤكد ضرورة اتخاذ إجراءاتٍ فعّالة للقضاء على الجوع وتلبية الطلب المتزايد على الغذاء حول العالم    دوري روشن: ثنائية حمدالله تقود الشباب لكسب مواجهة الخلود    شرطة النماص تباشر «إطلاق نار» على مواطن نتج عنه وفاته    أستراليا تعتزم حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم تحت سن 16 عاما    «السوق المالية»: إدانة 3 بمخالفة نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية ونظام الشركات وتغريمهم 3.95 مليون ريال وسجن أحدهم    وكيل أعمال سعود عبدالحميد يكشف حقيقة عودة موكله إلى «دوري روشن»    الاتفاق يختتم تحضيرات الهلال    الأولمبياد الخاص السعودي يستعد لاستضافة المجلس الإقليمي للاعبين القادة في جدة    وزير الداخلية يستقبل سفير فرنسا لدى المملكة    سقوط 46 قتيلا.. مجازر إسرائيل مستمرة في قطاع غزة    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.490 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في محافظة إدلب    انطلاق أعمال مؤتمر النقد السينمائي الدولي في الرياض    إنطلاق أعمال المؤتمر العالمي لطب الأعصاب بمشاركة اكثر من 350 مختصاً    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    جامعة الفيصل توقّع عقد إنشاء مبانٍ لكليتي الهندسة والقانون بقيمة 325 مليون ريال    "سلمان للإغاثة" يوزع 2.459 كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    البنك الأهلي السعودي يطلق محفظة تمويلية بقيمة 3 مليارات ريال خلال بيبان24    القبض على يمني لتهريبه (170) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    حاكم الشارقة يفتتح الدورة ال 43 من معرض الشارقةالدولي للكتاب    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    رحيل نيمار أزمة في الهلال    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    المريد ماذا يريد؟    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الدراما والواقع    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس كلينتون قدم قائمة بالخلافات كما حددها بدءاً من الاسهل الى الاصعب مع افكار لتجاوزها . اولبرايت : نتانياهو هدد بالتراجع عن اتفاق واي ريفر اذا لم نطلق الجاسوس بولارد وشارون تحدث عن الفلسطينيين بضمير الغائب رغم وجود عرفات وفريقه امامه 6 من 10
نشر في الحياة يوم 24 - 10 - 2003

تروي وزيرة الخارجية الاميركية السابقة في الفصل ال 19وعنوانه "لقاء الفلسطينيين والاسرائيليين" في كتابها "السيدة الوزيرة: مذكرات مادلين اولبرايت" تفاصيل المفاوضات في اجتماعات واي ريفر بين الفلسطينيين بقيادة الرئيس ياسر عرفات والاسرائيليين بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في تشرين الاول اكتوبر 1998.
وتصف بين ما تصف كيف حاول نتانياهو، بعد التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين، ابتزاز الرئيس بيل كلينتون مهددا بالتراجع عن الاتفاق اذا لم تطلق الولايات المتحدة سراح الجاسوس جوناثان بولارد.
كما تذكر ان الرئيس كلينتون غضب غضباً شديداً في اليوم الاخير للمفاوضات من تصرفات نتانياهو وصرخ قائلاً"يا للحقارة! لن اتحمل هذا النوع من الاقذار"!
"رسمت وزارة الخارجية بناء على طلب البيت الأبيض خطة لتوجيه مسيرة القمة في مركز واي للمؤتمرات قرب واشنطن. وكنا حذرنا البيت الأبيض من أن واحدا من الطرفين أو كليهما سيهدد بالانسحاب، وان علينا عدم توقع اختراق الاّ حين يتأكد للطرفين أن القمة على وشك الانتهاء. ولما كان المطلوب من نتيانياهو التنازل عن بعض الأراضي، في خطوة لا رجوع عنها، فلا بد أنه سيسعى الى أقوى ما يمكن من الضمانات الأمنية. فقد كان من المهم بالنسبة اليه أن يستطيع التباهي لاحقا بأنه ساوم في شكل أقوى وحصل على نتائج أفضل من حكومات حزب العمل السابقة. وفي المقابل كان هدف عرفات الحصول عل الأرض مع تجنب الخضوع لشروط اسرائيلية مهينة. وكان بامكان الرئيس تفهم نتانياهو نظرا لمشاركته اهتمامه المتحمس بالسياسة. فيما تجاوب عرفات مع الرئيس لأنه عامله دوما باحترام وتفهم احتياجات الفلسطينيين. كان السؤال الكبير هل سيعترف نتانياهو وعرفات بأن لكل منهما مسؤولياته تجاه الآخر. واذا لم يتوفر ذلك قد نتمكن من التوصل الى اتفاق على الورق لكنه سينهار فورا في الشارع.
في اليوم المحدد لبدء القمة، التقى الرئيس وبقية اعضاء فريقنا بالقائدين. وكعادته أشار عرفات الى نفسه بأنه نائب الرئيس الدائم لمنظمة المؤتمر الاسلامي. وقاد هذا الى سؤال من آل غور نائب الرئيس عن كيف يشعر المرء عندما يكون نائباً دائماً للرئيس، وهل هو وضع مريح أم سيء.
بعد ذلك أدلى الرئيس بتصريحين مقتضبين الى الصحافة. وعندما حاول احد المراسلين طرح سؤال عليه رفض التعليق، وقال بثقة: "صممنا نحن الثلاثة على عدم الجواب على أي سؤال في الوقت الراهن، بل ان نبدأ بالعمل". لكن نتانياهو ما لبث ان خرج الى حديقة البيت الأبيض عارضا الاجابة عن اسئلة الصحافيين بالانكليزية والعبرية. وما ان انتهى من ذلك حتى تحرك عرفات نحو المكرفون. هكذا، حتى قبل بداية القمة، بدأ الطرفان في تجاوز القواعد المتفق عليها.
بدأت القمة في مركز واي ريفر باجتماع عام في قاعة المؤتمرات الرئيسية. وتوجه نتانياهو فور دخوله الى الفريق الفلسطيني وصافح الأعضاء واحدا واحدا. ورد عرفات على ذلك بالمثل. المزاج العام كان جيدا - لكن ظاهريا فقط. فقد تردى وضع المفاوضات سريعا ليصبح موقفنا مثل من يحاول السيطرة على مجموعة من القطط المتقافزة في كل اتجاه.
جدولنا الزمني قام على الأمل وليس التجربة. فقد خططنا للقمة التي بدأت الخميس أن تنهي أعمالها مساء الأحد. ورجحنا ان خطتنا لا تفتقر الى الواقعية لأن نتانياهو كان مضطرا لأنْ يكون في القدس الثلثاء التالي لافتتاح دورة الكنيست. من هنا حاولنا خلق جو من التعجل، ورد الفريقان على ذلك في اليوم التالي بالذهاب للتسوق!
كانت فكرتنا الاساسية انْ لا مجال للاتفاق على شيء ما لم نتفق على كل شيء. معنى ذلك انه كان بامكان الطرفين التفاق على القضايا الأقل أهمية، من دون الوصول الى طريق مسدود اذا فشلت المفاوضات. وكان اسلوبنا المعتاد هنا أن لا يجتمع الرئيس بواحد من الفريقين الا وأكون مجتمعة بالفريق الثاني. وكانت مهمتي عند ذهاب الرئيس في رحلاته "المكوكية" الى واشنطن ادامة سير المفاوضات. وشكلنا لجانا للتعامل مع القضايا المحددة، وكانت مهمة الولايات المتحدة صياغة الاتفاق بالتشاور مع الفريقين.
خلال اليوم الأول اجتمعنا، الرئيس وأنا، نحو ساعة مع نتانياهو وعرفات، كل على حدة، ثم تناولنا، نحن الأربعة وحدنا، وجبة عشاء حميمة في مسكن خاص قريب من مركز المؤتمرات. ورغم اننا لم نكن في واشنطن فقد جلبنا طاقم المائدة من البيت الأبيض. الطبق الأول كان السمك، يليه الدجاج، ثم حلوى النعناع التي عرف بها البيت الأبيض. بعد ذلك بدأ الرئيس كلينتون، بما عرف عنه من قدرة على تفهم موقف أي طرف مقابل، بتشجيع القائدين على التعبير الصريح عن مخاوفهما.
وتكلم عرفات بهدوء عن تطلعات الفلسطينيين، ومشاكل الأمن التي يخلقها وجود المستوطنين المسلحين، وقلقه من المتطرفين. ولم ينس ان يذكّرنا بأن نتانياهو كان من أطلق سراح الشيخ ياسين زعيم "حماس". أجاب نتانياهو على ذلك كرجل دولة، وكان من بين ما شدد عليه التزامه العمل مع الفلسطينيين ضد الارهاب. المفاوضون الناجحون يدركون ضرورة ان يضع المرء نفسه في موقف الطرف المقابل، والرئيس كلينتون استاذ في هذا المجال. وحاول تلك اللحظة اقناع نتانياهو وعرفات بالتفكير في كيفية مساعدة بعضهما بعضا في التعامل مع ردود فعل الراديكاليين على أي اتفاق يتوصلان اليه. انه موقف بعيد النظر، لكنه افترض ان كلا من القائدين مهتم بالوضع السياسي للآخر.
صباح اليوم التالي اجتمع نتانياهو وعرفات وحدهما، بحضور مترجم وزارة الخارجية وخبير الشرق الأوسط جمال هلال الذي قام بالترجمة بينهما. المضيف كان نتانياهو الذي جلس على الشرفة الخلفية لمقره، المشرفة على النهر. وعند انضمامنا، انا ودنيس روس، اليهما للغداء، وجدنا الجو ثلجيا بقدر ما كانت شمس تشرين الأول أكتوبر ساطعة. فقد كان نتانياهو يضغط على عرفات حول قضية الميثاق الوطني الفلسطيني ويطالب باعتقال الفلسطينيين المتهمين بالارهاب، من بينهم 13 عنصرا من قوات الأمن الفلسطينية. كانت هذه قضايا صعبة بالنسبة الى عرفات وبدا مكفهرا. ولم يساعد نتانياهو على تحسين الجو عندما أشار الى الضفة الغربية باعتبارها "يهودا والسامرة" وشكا من سارقي السيارات العرب، ولم يرافق عرفات، المعروف بحرصه على البروتوكول، الى الباب بعد نهاية الغذاء.
خلال اليوم قدمت اللجان التي شكلناها تقاريرها الى رئيسي الفريقين. وجال في ذهني خلال الاستماع أن "ليس هناك قضية سهلة. يجب ان يحصل الفلسطينيون على مطارهم. لكن يحق للاسرائيليين القلق ممّا قد يمر عبره. يجب ان تتوفر للفلسطينيين حرية التنقل بين الضفة الغربية وغزة، لكن يحق للاسرائيليين القلق من استغلال الارهابيين والمجرمين لذلك". كان الطرفان قد اقتربا من الاتفاق على كثير من القضايا، لكن ايصالهما الى نهاية الشوط لن يكون سهلا. ]...[
بعد العمل طيلة الليل أخبرنا دنيس روس صباح السبت ان الفلسطينيين وافقوا على جوهر الشروط الأمنية التي اقترحنا لكنهم مصممون على التخفيف من بعض الاشارات المعينة في النص. مشكلتهم كانت سياسية. فقد كانت المتطلبات الأمنية الاسرائيلية معقولة لكن صياغاتها كانت جارحة. من ضمن ذلك قائمة باسماء عدد من الأشخاص - كان نتانياهو يشير اليهم باسم "القتلة الثلاثون" - يفترض اعتقالهم. وخطة لجمع السلاح، وتفاهم على كيفية منع استعمال الارهابيين مؤسسات مدنية مثل المساجد. وبالطبع اراد الاسرائيليون التعامل الصريح مع كل من هذه القضايا، فيما فضّل الفلسطينيون صياغات عمومية لها.
المفترض ان الأحد كان اليوم الأخير للقمة. بدل ذلك قضيناه في تراجع متواصل. فقد أبلغ نتانياهو الرئيس بعد ظهر اليوم أنه لا يعتقد بامكان التوصل الى اتفاق كامل. واقترح بدلا من ذلك التوصل الى اتفاق جزئي يتضمن انسحابا بنسبة 13 في المئة مقابل تعاون أمني الفلسطيني، ويترك القضايا الأخرى معلقة. وعندما سأل الرئيس رأينا، ساندي برغر وأنا، في الاقتراح تكلمنا ضده. لقد كافحنا طيلة سنة لجمع الزعيمين، وعلينا استغلال الفرصة الحالية الى أقصى حدها.
نحو منتصف الليل عقد الرئيس اجتماعا منفردا مع أرييل شارون. الذي كان وصل لتوه الى واي. كان من الضروري اقناعه لأن من الصعب تصور رفض نتانياهو لاتفاق يوافق عليه شارون - مثلما كان من المستحيل تصور موافقة رئيس الوزراء اذا كان شارون يهز برأسه الضخم معارضا للاتفاق. اللقاء كان سيئا، اذ اصر شارون على طلب اسرائيل الخروج باتفاق جزئي والقى محاضرة على الرئيس لفشله في اطلاق سراح الجاسوس المدان جوناثان بولارد. بولارد محلل سابق في البحرية الأميركية دين في 1986 ببيع اسرائيل معلومات بالغة الخطورة عن البنية التحتية للاستخبارات الأميركية.
انهينا الأحد ونحن في حال من الاحباط. وكان الاسرائيليون يحاولون الغاء نصف الاتفاق المطروح على الطاولة، فيما أثار وزير خارجيتهم القوي الشكيمة تعقيدات جديدة. لكن الرئيس كلينتون أبدى ظهر اليوم التالي الكثير من روحية المبادرة والتفاؤل، مخبرا الطرفين انه لا يزال يعتقد بامكان التوصل الى اتفاق كامل. ودعا الطرفين، بفضل احاطته بالتفاصيل وقدرته على توجيه النقاش، الى الدفاع عن موقفيهما، وقدم قائمة بالخلافات كما حددها بدءا من الأسهل الى الأصعب، مع أفكار لتجاوزها. كان يتكلم مشيرا الى دفتر ملاحظات بورق أصفر كتب عليه بعناية - بخطه الذي يستعصي على القراءة - كل تلك النقاط. وعبّر عن التفاؤل ازاء العمل الذي انجز عن الخطة الأمنية، وقدم أمثلة من المفاوضات بين أطراف النزاع في ارلندا الشمالية. وعندما طالب الفلسطينيون باطلاق المحتجزين في سجون اسرائيل، شدد على تعاطفه عن عائلاتهم، لكنه أشار الى صدمته عندما كان حاكما لاركنسو واطلق سجينا عاد ليرتكب جريمة قتل.
عندما كنا على وشك الجلوس الى العشاء ذلك المساء دخل شارون القاعة، وكانت لحظة محرجة لأننا لم نتوقع مجيئه، ولأنه كان يفاخر علنا بأنه يرفض مصافحة عرفات. واذ كان عرفات يعرف ذلك فقد اكتفى بالايماء بالتحية، وبدا ان شارون تجاهلها. خلال العشاء تكلم شارون كثيرا، محاولا البرهنة على وديته. لكنني استغربت انه كان يتكلم عن الفلسطينيين بضمير الغائب، رغم ان عرفات وفريقه كانوا أمامه مباشرة. وقال شارون انه مزارع وكانت له دوما علاقات جيدة بالفلسطينيين، وانه معجب بقدراتهم كمزارعين. عندما شكا عرفات أن مزارعي غزة يواجهون المجاعة أجاب شارون: "ليس كذلك ايها السيد الرئيس".
بعد العشاء واصل الرئيس كلينتون جهوده "التسويقية". وجال في ذهني: "انه مثل طبيب نفساني يحاول تشجيع المرضى على التخلي عن عقدهم الدفاعية لكي يكشفوا بصدق عن أفكارهم ومشاعرهم. ومن المستحيل حتى على نتانياهو أن يغلبه بالكلام". وشعرت للمرة الأولى بامكان التوصل الى اتفاق. ودفعهم الرئيس الى التمعن بما لهم من مصلحة. وأكد لنتانياهو أهمية تقوية قدرة عرفات على التعامل مع العناصر الراديكالية الفلسطينية. وعاد الى مناقشة قضية الأمن مع عرفات، كما شدد على أهمية التوصل الى مطلب اسرائيل في ما يخص اعادة صياغة الميثاق الوطني رسميا. ]...[
اجتمعنا، دنيس روس وأنا، ليل الثلثاء مع صائب عريقات، كبير مستشاري عرفات، وأعضاء الوفد الفلسطيني لصياغة اتفاق على الأمن، هو في جوهره قائمة طويلة من الأمور التي على الفلسطينيين التزامها. وكنا قد احرزنا تقدما في عملنا على الاتفاق عندما دخل الرئيس القاعة - وكان ذلك بترتيب مسبق - وعرض الوقوف معنا لأخذ صور جماعية. فجأة بدت الابتسامات على وجوه الفلسطينيين. والتقط المصورون المشهد الجماعي، ثم طلب صائب عريقات صورة شخصية له مع الرئيس، وعنى هذا بالطبع أن كلاً من اعضاء الوفد أرادوا الشيء نفسه. خلال كل ذلك كان الرئيس يمزج مداعباته برسالة جدية: "شعبكم يعول عليكم. بعد عشر سنوات ستنظرون من مواقعكم الى هذا اليوم وستعرفون انكم قمتم بما هو صحيح". وفي طريقه الى الخروج التفت اليّ هامسا: "هاتي الاتفاق الآن لكي أستطيع أخذه الى الاسرائيليين".
بعد وقت غير طويل على خروج الرئيس تمكنا من انجاز الاتفاق، وقال الفلسطينيون انهم يريدون أخذه الى عرفات. سألتهم: "الا يمكن مكالمته بالهاتف؟". قالوا: "كلا، لا بد من أخذه اليه". قلت: "لا بأس، لنذهب سوية". هكذا اخذنا السيارة الى "هاوتن هاوس" حيث كان عرفات في الانتظار. وقابلته وحدي عشر دقائق، مؤكدةً الأهمية الحاسمة لابلاغي الرئيس باننا نجحنا في النهاية في التوصل الى اتفاق أمني. ثم دخل اعضاء الفريق الفلسطيني وشرحوا له عناصر الاتفاق، فقدم موافقته. قلت لعرفات: "السيد الرئيس: اذا تطابقت أفعالك مع التزاماتك ستكون قد اتخذت خطوة تاريخية نحو السلام وتلبية الاحتياجات الأساسية لشعبك".
بعد ابلاغي الخبر المفرح الى الرئيس اجتمعنا بنتانياهو، واخبرناه عن الاجراءات والخطط الأمنية التي سينفذها الفلسطينيون. كما طمأنا رئيس الوزراء الى أننا سندرس بعناية أي مخاوف اسرائيلية أثناء تطويرنا للنص النهائي.
بعد ذلك غادر الرئيس متوجها الى البيت الأبيض فيما عدت الى غرفتي. الساعة تجاوزت منتصف الليل، أي ان اليوم كان 21 تشرين الأول اكتوبر، وهو تبرير ممتاز للاتصال بنتانياهو. عندما رفع رئيس الوزراء السماعة قلت له: "اسمح لي أن اكون أول المهنئين بعيد ميلادك التاسع والأربعين". أجاب: "أشكرك ايتها السيدة الوزيرة، لكن هل هذا هو السبب الحقيقي للمكالمة؟". قلت: "نعم بالطبع، وأرجوك ان تنظر بعناية الى الخطة الأمنية الفلسطينية ومسودة الاتفاق. سنحاول ان نحصل على أفضل الحلول لكل مخاوفك من الخطة أو النص النهائي. وعندما نأخذ مخاوفك في الاعتبار، وتعتقد ان الصفقة ممكنة، سيعود الرئيس لبحث القضايا المتبقية. أما اذا فكرت في النهاية انها لا تكفي، فليكن. سنقول سعدنا بلقائكم. لكن نود بشدة أن نتسلم تعليقاتك ظهر الغد".
الواضح ان الاسرائيليين لم يرضوا عن مسودتنا، لأنهم بدأوا في اليوم التالي بالتلاعب. أول ذلك كان عدم حضور نتانياهو الى اجتماع كان مقرراً للساعة 11 صباحا. وعندما اتصلنا به قال انه بحاجة للاستحمام. بعد ساعات على ذلك قال عرفات: "لا بد أن نتانياهو غرق في المغطس". ثم أخبرنا المسؤولون الاداريون ان الاسرائيليين طلبوا المساعدة للذهاب الى المطار، وانهم اخرجوا حقائبهم الى بوابة مقرهم تهيئا للرحيل.
اتصلت بنتانياهو وطلبت لقاءه. وعندما توجه موكبي الى "ريفر هاوس" أوقف ضباط الأمن الديبلوماسي سيارتي وقالوا أن عضوا في الوفد الاسرائيلي يريد الكلام معي. وأشاروا الى وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي الذي كان يتقدم عبر الحقل المجاور. قال موردخاي انه تقصد ترتيب نزهة قصيرة لكي يلاقيني قبل الوصول. أضاف: "لم أحزم حقيبتي. أعتقد ان علينا البقاء وانجاز المهمة". وافقته الرأي، وقلت: "علينا ان لا نضيع هذه الفرصة. اذا كانت لديكم مخاوف، فالأفضل ان نواصل العمل ونجد الحل". كانت الأبقار الشهيرة عالميا من نوع "بلاك أنغوس" تنظر الينا عندما تبادلنا عناقا ديبلوماسيا قبل ان نفترق.
المشهد في "ريفر هاوس" تلك اللحظة كان عجيبا. فقد كانت حقائب الوفد الاسرائيلي مرتبة حول المدخل. وكان ذلك من بين ما دفَعَنَا الى الاعتقاد بأنها مسرحية، لأنه كان بمقدورهم الذهاب في أي وقت لو أرادوا ذلك. ومررت على الحقائب متظاهرة بعدم ملاحظتها وبادرت نتانياهو بالقول: "لنراجع مسودة النص". أجاب: "لا بأس". خلال الاجتماع لم تكن هناك تهديدات أو تهويلات من رئيس الوزراء. واتفقنا على ان يقوم دنيس روس وجورج تينيت بالعمل مع الفريقين على تطوير الضمانات الأمنية. وكرر نتانياهو مواقفه من الميثاق الوطني الفلسطيني. وتكلمنا عن ضرورة تحمل كل من الطرفين مسؤولياته.
عند ذلك تدخل شارون ليقول انه جاء الى واي للحصول على اتفاق، بالرغم من انتهاك عرفات كل الاتفاقات الموقعة. وقال ان الفلسطينيين لا يمثلون ديموقراطية بل "انهم عصابة من البلطجية". أجبته: "اننا لا نعتبر الفلسطينيين ديموقراطيين أو عصابة بلطجية بل هم جيرانكم. نحن اصدقاؤكم الأقرب، وسيتدهور وضعكم الأمني في حال فشلنا. واذا فكرتم انهم عصابة لن يكون هناك أمل، فهم سيتصرفون كعصابة". أجاب شارون: "عشت مع العرب طيلة حياتي، ولا مشكلة لي مع العرب. مشكلتي مع هؤلاء القادة، أو على الأقل بعضهم .انهم قتلة ومن الخطأ التعامل معهم".
كان الوقت يضيق، وقررت البقاء في مكتب صغير قرب "ريفر هاوس" لمتابعة كل ما يجري. وكنت هناك عندما جاء دنيس روس مسرعا ليطلعني على نسخة من بيان صحافي يعلن نية المفاوضين الاسرائيليين المغادرة ما لم يوافق الفلسطينيون فورا على القيام بمسؤولياتهم في ما يخص "تسليم الارهابيين المطلوبين ومراجعة الميثاق الوطني الفلسطيني".
استغربنا ذلك لأن نتانياهو لم يهدد بالمغادرة أثناء اجتماعنا. لذا من المرفوض ان يقوم بذلك من خلال بيان صحافي. واذ بدأنا التداول في رد الفعل الممكن من جانبنا جاء السفير الاسرائيلي زالمان شوفال ليعتذر، مؤكدا ان نتانياهو لم يعرف عن البيان. بدا ان شوفال كان محرجا فعلا، وقلت له انني اقبل الاعتذار. في تلك اللحظة دخل تينيت المكتب ليخبرنا ان الطرفين توصلا الى اتفاق حول الأمن. وكان هذا الشيء الوحيد الذي يمكنه اعطاء دفعة لمساعينا في الاتجاه الصحيح.
عدت الى لقاء نتانياهو لأقول له انني أعرف انه يتعرض الى ضغوط، لكن الآن وقت القرار: هل هو جاد في تطلب الحل أم لا؟ وأن اليوم التالي كان بالتأكيد اليوم الأخير. وعلينا تقديم نسخة الاتفاق النهائية الى الفلسطينيين فورا. ورد "بيبي" على ذلك بهزّ رأسه.
كان اليوم الأخير للمفاوضات بلا نهاية. بدأناه في الساعة 10.30 صباحا باجتماع الأطراف الثلاثة في مركز واي للمؤتمرات. تلته سلسلة من الاجتماعات الفرعية المتنوعة. وعاد الرئيس من واشنطن مبديا مزيجه المعهود من الصبر والتصميم، راغبا في الاستماع الى حجج حقيقية لكن رافضا اي تهويلات. وبدأ نتانياهو، بعد التراجع عن تهديدات اليوم السابق، بتليين مواقف اسرائيل. بل ان الاسرائيليين بعد ظهر ذلك اليوم اقترحوا لقاء منفردا بين الطرفين. واتفقا خلال الاجتماع على عدد من القضايا، من ضمنها الفكرة الذكية لتلبية طلب نتانياهو عن طريق دعوة يوجهها عرفات الى اجتماع موسع في غزة يشمل المجلس الوطني الفلسطيني اضافة الى أعضاء منظمات أخرى. وأن ينضم الرئيس كلينتون الى عرفات في مخاطبة الحضور وطلب دعمهم لمراجعة الميثاق وتأييد مساعي السلام. وكان للحضور ابداء ذلك عن طريق التصويت برفع الأيدي أو الخبط بالأرجل أو التصفيق. وعبر ساندي بيرغر فورا عن تخوفاته من وضع الرئيس في موقف كهذا، واتفقت معه. لكن الرئيس كان واثقاً من قدرته على استمالة حتى أكثر الحاضرين عداء. ]...[
]واصلت الأطراف بعد ذلك بحث قضية اطلاق السجناء الفلسطينيين[. نحو الثانية والنصف صباحاً رأيت الرئيس مجتمعا الى نتانياهو وعرفات، فيما قام جمال هلال بالترجمة. وانتصب عرفات واقفا فجأة وذهب ليجلس الى طاولته. بعد دقائق نهض الرئيس أيضا وسارع غاضبا وهو يقول: "انه أمر فظيع. يا للحقارة! لن اتحمل هذا النوع من الأقذار!".
وجاء جمال وأخبرني ماحصل. كان الثلاثة يتكلمون عن قضية السجناء، وقال نتانياهو انه سيطلق خمسمئة منهم لكن فقط اذا تعهد عرفات أن "يعتني" بأحد الفلسطينيين البارزين ويعتقل "القتلة الثلاثين" خلال الأسبوعين الأولين على اطلاق السجناء. وسأل عرفات كيف يفترض له ان "يعتني" بالفلسطيني، وأضاف: "هل تعني اعدامه؟". أجاب نتانياهو "أنا لن أسأل وأنت لن تقول!". وكان هذا ما دفع عرفات الى المغادرة وفجّر غضب الرئيس.
فوجئنا تماما بغضب الرئيس بعد كل ما أبداه من الصبر. كما فوجيء نتانياهو أيضا، وبدا وكأنه ينهار جسمانيا، وطلب الانفراد بالرئيس. وضغطت على الرئيس على ان يطلب من نتانياهو اطلاق 750 من السجناء، وهو موقف الوسط بين الموقفين الاسرائيلي والفلسطيني. واجتمع الاثنان 45 دقيقة وقال الرئيس عند خروجه من الاجتماع ان نتانياهو رضخ لطلبنا.
كان أمامنا بضع ساعات من السهر. واذ كان هناك اتفاق مبدئي على كل القضايا فقد جهد فريق الصياغة في عمله على النص النهائي للاتفاق. ويحصل في كثير من الأحيان أن هذه العملية تكشف عن خلافات تفصيلية لا يمكن ان يحلها الا القادة أنفسهم. في النهاية، نحو الساعة 6.45، أي مع بزوغ الفجر، تم التغلب على آخر نقاط الخلاف. لكننا لم نعرف كيف نشعر تجاه ذلك، بسبب ارهاقنا البالغ. مع ذلك كانت هناك بضع دقائق من المصافحات والاحتفاء. وبدأنا نخطط لاحتفال باعلان الاتفاق في البيت الأبيض، لكن رأينا أن نتانياهو كان يجلس وحده وينظر بغضب. كان أمرا مقلقا، وبالفعل جاء الرئيس ليخبرنا ان نتانياهو يهدد بالتراجع عن الاتفاق ما لم تطلق الولايات المتحدة سراح جوناثان بولارد.
قلت للرئيس: "هذا ابتزاز. لا يمكننا ان نوافق". جلست مع نتانياهو وقلت ان انسحابه سيكون غلطة قاتلة. أجاب انه لا يعتبر ان هناك اتفاقاً، لأنه ما كان سيقدم التنازلات لو لم يفترض انه سيحصل مقابلها على اطلاق بولارد، وانه دون من ذلك لن يستطيع الحصول على دعم الاسرائيليين للاتفاق. ]...[
بعد ذلك اختلى الرئيس بنتانياهو وأقنعه بالتراجع، لكن مقابل ثمن. فقد أراد رئيس الوزراء اعادة النظر في تركيبة مجموعة السجناء المعنية، وذلك بزيادة نسبة المجرمين العاديين فيها على الذين اعتقلوا في قضايا أمنية. وأخبرنا الرئيس بما تم الاتفاق عليه. بهذا لم يبق أمامنا سوى عقبة أخيرة، وهي اقناع عرفات بالتعديل. كانت هذه مهمتي، وأخذنا السيارة، دنيس روس وأنا، في آخر رحلة لنا في واي لكي نقابل عرفات. بعد أن شرحنا له التغيير المقترح وقلنا ان ذلك أفضل ما أمكن للرئيس الحصول عليه، هز عرفات رأسه بالموافقة. وتمكنا من ذلك بفضل رصيدنا، الرئيس وأنا، من حسن النية لدى الفلسطينيين. وهكذا، في النهاية، حصلنا على الاتفاق.
الحلقة السابعة غداً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.