عانى عدد من الاندية الاوروبية من موجة الافلاس التي تجتاح كرة القدم في الآونة الاخيرة، وذكرت بشركات "دوت كوم" التي انشئت على شبكة الانترنت في عز ازدهار التجارة الالكترونية والتي سرعان ما اعلنت افلاسها بعد تشبع السوق او سوء الادارة والانفاق غير المسؤول. ويبرز لاتسيو الايطالي الذي تمزقه الديون الى جانب اندية اخرى في هذه الفئة، وبات يبحث عن اي مخرج للمحافظة على امبراطوريته ولاعبيه... وجماهيره. فكيف وقع في الفخ وهل ستفنيه مشكلاته المادية مثلما افنت فيورنتينا من قبله؟ بداية، لم يكن لاتسيو ابداً من الاندية الكبيرة، فقد امضى سنوات طويلة في الدرجة الثانية سيريا بي وعاش في ظل جاره روما دائماً، كما تورط بقضيتي رشوة سوّدتا سجله. ولكن صعوده المفاجئ الى مصاف النخبة في العقد الماضي يعود الى رئيسه الحالي سيرجيو كرانيوتي صاحب مصانع الاغذية، الذي ضخ نحو 500 مليون دولار عام 1992 لنقل نادي العاصمة الثاني الى مصاف الاندية الكبرى والسعي الى المنافسة على بطولة الدوري. وكانت النقلة سريعة وغير منظمة الى ان قام بتعيين مدرب منتخب انكلترا الحالي السويدي زفن غوران اريكسون، الذي بدوره حقق الحلم باحراز بطولة الدوري عام 2000 للمرة الثانية فقط في تاريخ النادي. والمثير للدهشة انه مع النجاح الذي حققه اريكسون وبزوغ نجمه كمدرب قدير ومحنك، فان الاندية التي كان يدربها سرعان ما تنهار كفيورنتينا الذي اشهر افلاسه مطلع الصيف الحالي وسيبدأ الموسم في الدرجة الرابعة سيريا تشي 2، وسمبدوريا الذي يعاني من ازمة مالية صعبة ويقبع في الدرجة الثانية سيريا بي، وبنفيكا البرتغالي الذي تقارن حاله بحال لاتسيو. وكان تحت تصرف اريكسون فريق يضم بعض ابرز اللاعبين العالميين امثال سينيسا ميهايلوفيتش واليساندرو نيستا وبافل نيدفيد وخوان سيستيان فيرون ومارتشيلو سالاس وسيموني اينزاغي وكريستيان فييري وفابريتسيو رافانيللي. بداية النهاية وبرزت اولى علامات النخر في تاج البطل عندما اصرّ كرانيوتي على اضافة المهاجم الارجنتيني هيرنان كريسبو الى خط الهجوم الضارب من بارما في مقابل نحو 50 مليون دولار، وايضاً مواطنه كلاوديو لوبيز في مقابل نحو 40 مليون دولار من فالنسيا الاسباني. وكان تعليق اريكسون على الصفقتين حينذاك: "هذا يثبت ان لاتسيو يترّبع حالياً على عرش كرة القدم"، ولكنه لم يعلم انها بداية النهاية. وبعد هذا الانجاز اخذ لاعبو الفريق منحى التراخي فكان الفوز ببطولة الدوري الذي طال انتظارها كبناء منزل ما ان ينتهي حتى يرتاح الجميع من دون اكتراث للمستقبل. وبدأ كرانيوتي يعاني من مشكلة تحميس اللاعبين، وربما ادرك متأخراً انه قضم من الكعكة اكثر مما يستطيع هضمه، وبنى فريقاً يفوق قدراته المادية واكبر من طاقته وبات النجاح يتطلب المزيد من الجهد والمال للمحافظة عليه، وكلفه ذلك اثماناً باهظة. فرواتب اللاعبين اصبحت خيالية نحو 7 لاعبين في الفريق يتقاضون اكثر من 100 الف دولار اسبوعياً، وحلّت ازمة الركود المالي في عالم كرة القدم ومضت اسابيع في الفترة الاخيرة من دون ان تدفع رواتب اللاعبين، وانعكس ذلك سلباً على ادائهم في الملعب وكان واضحاً قرب نهاية الموسم الماضي، ولم يعبر اللاعبون عن استيائهم علناً خشية رد فعل عنيف من الجماهير الغاضبة للعروض السيئة. رؤية مختلفة هنا برزت نقطة جوهرية في رؤية اللاعبين لفريقهم، فهم لا يعتبرونه من الاندية الكبيرة، فمثلاً ريال مدريد ويوفنتوس ومانشستر يونايتد يدعمها تاريخ عريق وحافل، والنقطة الاهم تكمن في ان يوجد في هذه الاندية مجموعة من اللاعبين المحليين الذين يحافظون على هوية النادي وتقاليده ويقودون الجدد والاجانب الى التقيد بهذا النهج. ففي لاتسيو غالبية اللاعبين من "الرحل والمتنقلين" يأتون بهدف جمع المال والثروة، والمستثنى الوحيد الذي جعل من لاتسيو منزلاً له وليس "سيركاً متنقلاً" كان المدافع الدولي اليساندرو نيستا الذي انضم الى النادي من ضواحي روما وهو في العاشرة من عمره واصبح قائداً للفريق وهو في الثانية والعشرين، وبرزت مواهبه الدفاعية واصبح في عتاد الافضل عالمياً، ما جعل كرانيوتي يصرح في ظل الاهتمام الكبير من اندية عدة بضمه: "لا يمكن التخلي عن نيستا بأي ثمن"، وبعدها فوراً مهّد لجماهير النادي الخبر المحتوم حتى جاءت الكارثة ببيع اللاعب للغريم اي سي ميلان بنصف السعر المفترض نحو 28 مليون دولار، ولحقه كريسبو الى يوفنتوس، وعلق كرانيوتي مستسلماً: "لو فشلنا في بيعهما فان مصير النادي كان سيكون مشابهاً لما حل بفيورنتينا"، خصوصاً ان الديون بلغت نحو 90 مليون دولار قبل نحو 6 أشهر، وقادت اللجنة الاولمبية الايطالية الى تعليق مشاركة لاتسيو في بطولة الدوري الى ان يتخلص من ديونه. والى جانب بيع نجميه فان كرانيوتي باع عدداً كبيراً من اسهم النادي، والمضحك انه والمصرف المكلفان بيع هذه الاسهم اشتريا معظمها لشح المهتمين وللمحافظة على استمرار النادي، ولم تساعد النكسات التي تعرضت لها شركة "تشيريو" للاغذية التي يملكها كرانيوتي، ما قاده الى التعليق في شباط فبراير الماضي: "حقبة الانتصارات وتحقيق الالقاب انتهت لأن لاتسيو لا يملك اي يورو باسمه"، وكانت ايضاً رسالة موجهة للاعبين ومدربين سابقين يطالبون النادي بمستحقات عالقة. موسم الشحائح...والقصة الحزينة وبعد كل هذه المحاولات لتحسين الوضع المالي للنادي فان الحال ما تزال رديئة، فنسبة الاقبال على شراء البطاقات الموسمية هبطت 18 في المئة ولا يزال مانشستر يونايتد وفالنسيا يلاحقانه لعدم سداده المستحقات المتعلقة بصفقتي انتقال المدافع ياب ستام ولاعب الوسط غايزكا ميندييتا. وقبل نحو اسبوعين ألغت اللجنة الايطالية كل صفقات الشراء التي ابرمها النادي في مطلع الصيف لضم ماسيمو اودو من فيرونا وكريستيان مانفرديني واريبيرتو من كييفو، ولكنه توصل لاتفاق يدفع بموجبه على اقساط قيمة بدل الانتقالات ومن دون ضم اريبيرتو الذي اتضح ان جواز سفره البرتغالي مزور، وانه برازيلي الجنسية يدعى لوتشيانو سيكورادي اوليفييرا ويبلغ من العمر 26 عاماً وليس برتغالياً في سن الثالثة والعشرين. كما سيعود المدافع الارجنتيني خوان بابلو سورين الى كروزيريو البرازيلي لفشل لاتسيو دفع اي مبلغ خلال فترة الاعارة. ولاعبو الفريق جميعهم باتوا معروضين على قائمة البيع ولكنهم لم يجذبوا اي مشتر حتى بأسعار مخفضة نسبياً. ونجح كرانيوتي بالتخلص من دفع رواتب التشيخي كاريل بوربوسكي انتقل لسبارتا براغ ومندييتا اعير لبرشلونة، ولكن من دون الحصول على مبالغ بدل انتقال. وخلال رحلة كرانيوتي لاسبانيا الترويجية للاعبيه في محاولة لبيعهم التقى المدير العام لريال مدريد خورخي فالدانو الذي افاده: "استطيع تسمية عشرة مدافعين لا يقلون مهارة عن نيستا ولكن بنصف سعره". هذه القصة الحزينة للاتسيو الذي قد يجد نفسه في المركب ذاته الذي قذف بفيورنتينا خارج الاضواء، وما يضمره الموسم من مفاجآت لنادٍ بدأ بتكوين شعبية عالمية قد تكون مهلكة لن تسعد احداً سوى انصار روما.