الطاقة المتجددة أحد المواضيع الرئيسة على جدول أعمال القمة العالمية حول التنمية المستدامة في جوهانسبورغ، وهي عنصر أساس في قاعدتي القمة، أي التنمية والبيئة. فالطاقة ضرورية للتنمية، تحتاج الدول الصناعية الى المزيد منها لتطوير الانتاج، كما تفتقر إليها مجتمعات كثيرة لا يمكنها إطلاق عجلة الانتاج بلا إمدادات كافية من الطاقة. وفي المقابل، يحمل استهلاك الطاقة ثمناً بيئياً كبيراً. فمصادرها التقليدية هي موارد طبيعية غير متجددة معرّضة للنضوب، والوقود الاحفوري هو المسبّب الرئيس لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المسؤولة عن ظاهرة تغيّر المناخ. تناقش القمة إيصال الطاقة الى المناطق النائية في العالم الثالث التي تعاني حرماناً منها، كما تبحث في سبل تأمين مصادر طاقة نظيفة. وقد نجحت مجموعة الدول المصدرة للبترول في ادخال توصية تدعو الى تطوير تكنولوجيات جديدة لاستخدام النفط على نحو فعّال ونظيف، الى جانب استنباط أساليب رخيصة لانتاج الطاقة المتجددة. فالمشكلة البيئية الرئيسة الناجمة عن حرق الوقود الاحفوري هي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، التي لا تزال حتى الآن عاصية على الاحتواء والمعالجة في شكل عملي. وبدأ بعض الدول تطبيق تجارب لتجميع انبعاثات حرق البترول ودفنها في باطن الأرض أو في قعر المحيطات. وتعارض مجموعات علمية وبيئية هذه الطريقة، باعتبار أنها تدفن قنابل موقوتة تؤدي الى تأجيل المشكلة لا إلى حلها. غير أنه لا بد من الاستمرار في البحث عن أساليب فعالة ومأمونة لاستخدام الوقود الاحفوري، وقد تعطي قمة جوهانسبورغ دفعاً مهماً في هذا الاتجاه. ويبقى الاتفاق على برامج محددة بأرقام وجداول زمنية لتطوير مصادر الطاقة المتجددة احدى نقاط الخلاف الكبرى في قمة جوهانسبورغ. وكانت أوراق معروضة على القمة اقترحت الالتزام برفع نسبة الطاقة المتجددة الى ما بين 5 و15 في المئة من مجموع الاستهلاك العالمي حتى سنة 2010. إلا أن النصوص النهائية المتداولة لا تلتزم أي برنامج زمني أو أي أرقام، بل تكتفي بمبادئ تدعو الى تطوير مصادر الطاقة المتجددة، خصوصاً الرياح والشمس والكتلة الحيوية. شركات نفط كبرى، في طليعتها "شل" و"بريتيش بتروليوم"، تستثمر بلايين الدولارات في تطوير طاقة الشمس والرياح وتكنولوجيا الهيدروجين كخيارات للمستقبل. وتعتقد "شل" أن العالم سيعتمد سنة 2050 على الطاقة البديلة بنسبة 50 في المئة. وخلال السنوات العشر الأخيرة، ارتفع استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية بما بين 20 و25 في المئة سنوياً. وهذا يتجاوز بأضعاف الارتفاع السنوي في استخدام الطاقة التقليدية. ومن المتوقع أن يصل انتاج أوروبا من طاقة الرياح الى 60 بليون واط سنوياً بحلول سنة 2010، أي ما يكفي لخدمة 75 مليون شخص. وتعتمد الدنمارك اليوم بنسبة 15 في المئة على الرياح لانتاج الكهرباء. وبلغ انتاج ألمانيا من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة 16 بليون واط/ساعة سنة 2001، أي ستة في المئة من الاستهلاك العام، وهذا يمثل ضعفي كمية الطاقة المتجددة المنتجة عام 1999. وتخطط ألمانيا لتصبح نسبة انتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة 5,12 في المئة من الاستهلاك العام بحلول سنة 2010. مصادر الطاقة المتجددة أصبحت حقيقة واقعة، فكيف تواجه الدول المصدرة للنفط هذا الوضع؟ خلال العقود المقبلة، سيبقى النفط المصدر الأساس الأرخص للطاقة، وستبقى الدول العربية المصدر الرئيس للنفط. فالاحتياط النفطي المثبت يتجاوز 650 بليون برميل في الدول العربية المنتجة، بينها نحو 250 بليون برميل في السعودية وحدها، وهذا يوازي الاحتياط النفطي في بقية دول العالم مجتمعة. غير أن مصادر الطاقة المتجددة أصبحت أمراً واقعاً وخياراً محتوماً للمستقبل. وفي حين يتمتع بعض الدول العربية بثروة النفط، فجميعها تملك ثروة الشمس، إذ يقع العالم العربي، من المحيط الى الخليج، وسط أغنى حزام شمسي في العالم. فلماذا لا يتم استخدام دخل النفط العربي اليوم في تطوير تكنولوجيات لتوزيع مصادر الطاقة، فيدخل العرب عصر تكنولوجيا الطاقة المتجددة كشركاء، حتى لا يفرض علينا شراء منتجات التكنولوجيا الجديدة بعد عقود كمستهلكين؟ وليس ما يمنع أن يصدّر العرب الهيدروجين السائل المضغوط المستخرج من مياه البحر وطاقة الشمس، كما يصدّرون النفط اليوم. موقف الدول العربية المصدّرة للنفط في قمة جوهانسبورغ دفاعي وخجول، وليس هناك من أثر لتيار فاعل تقوده جامعة الدول العربية. ففي المحصلة الأخيرة، نحن جميعاً ننتمي الى منطقة تعتمد على النفط كمورد رزق أساس، وعلينا الدفاع عن حق مجتمعاتنا وحق الأجيال المقبلة في هذا المورد الطبيعي. لكن هذا لا يكون، بالضرورة، من خلال معارضة الطاقة المتجددة وتدابير خفض انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون. الموقف الأجدى هو العمل لنكون مساهمين في تطوير التكنولوجيا وامتلاكها، وشركاء أساسيين في الدخل من النفط، لأننا أصحاب الحق والمالكون. هناك دعوات للحد من استخدام النفط، للمساهمة في خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، من طريق فرض رسوم وضرائب مرتفعة، أكثرها شهرة ما تم الاصطلاح على تسميته ب"ضريبة الكربون". الموقف التقليدي للدول المنتجة كان دائماً رفض هذه التدابير، ما جعلها تبدو وكأنها ضد البيئة وغير مبالية بالمساهمة في وضع حد لظاهرة الاحتباس الحراري ومضاعفات تغيّر المناخ. ما يجب أن تحرص عليه الدول المصدرة للنفط هو الدخل الحقيقي وليس كمية الانتاج. فإذا استطاعت الحصول على سعر مضاعف للبرميل لقاء انتاج نصف الكمية مثلاً، تكون احتفظت بمستوى الدخل نفسه، وحافظت في الوقت نفسه على نصف كمية الانتاج كمورد احتياطي تمتلكه في باطن الأرض. فلماذا، إذاً، لا تطرح الدول المنتجة للنفط اقتراحاً بحصولها على حصة أساسية من مردود "ضريبة الكربون"، يحافظ على مستوى دخلها في مقابل انتاج أقل؟ والدول المصدرة للنفط معظمها نامية وتحتاج الى الدخل في تطوير أساليب الانتاج الأنظف في صناعاتها النفطية وبرامجها الانمائية عامة. ومن شأن اقتراح تقاسم الضريبة إحراج الدول المستهلكة التي تطالب بها لنفسها. فالقبول بتقاسمها مع الدول المنتجة يظهر مدى جديتها في حماية البيئة من وراء هذه الضريبة وليس ضرب مصالح الدول النفطية. ويحق للدول المصدرة للبترول أن تتساءل: لو كانت الاحتياطات النفطية الرئيسة موجودة في الدول الصناعية، هل كانت لتقبل بتصديرها الى الدول النامية بالأسعار الحالية، أم كانت تصر على بيعها بأضعاف الأسعار التي تحصل عليها الدول النامية المصدرة حالياً؟ فإذا ما حسبنا معدلات التضخّم خلال السنوات الخمسين الأخيرة، لوجدنا أن السعر الحقيقي للنفط الذي تحصل عليه الدول المنتجة تراجع فعلياً خلال هذه الفترة مقارنةً مع القوة الشرائية. كنا نتمنى أن تستخدم الدول المنتجة للنفط منبر جوهانسبورغ للتأكيد أن مطالبتها بحقوقها في مواردها الطبيعية ليست ضد البيئة. ولا بد من سياسات جريئة لاستخدام دخل النفط، الذي يجب أن يتماشى مع أسعار السوق الحقيقية، في تطوير تكنولوجيات تؤدي الى تنويع مصادر الدخل القومي، وفي طليعتها تكنولوجيا الطاقة المتجددة. * رئيس تحرير مجلة "البيئة والتنمية". كتب هذا التحليل ل"الحياة" من جوهانسبورغ.