تحتل أوروبا المرتبة الأولى في العالم في مجال التوسع في انتاج الطاقة من مزارع الريح، والبحث عن مصادر بديلة للطاقة المولّدة من مصادر احفورية مثل الفحم الحجري والنفط والغاز والتي يعتمد عليها العالم بنسبة 80 في المئة من استهلاكه، مقابل 20 في المئة من الطاقة الكهرومائية. وأثارت المقترحات الجديدة التي تقدم بها الرئيس الأميركي جورج بوش قبل أسبوعين، حول إيجاد نظام دولي جديد للتعامل مع مشاكل البيئة والاحتباس الحراري جدلاً في الأوساط الدولية التي تعترض على هذه المقترحات، سيما وأن الولاياتالمتحدة مسؤولة عن قرابة 30 في المئة من التلوث الصناعي والبيئي في العالم ورفعها المستمر لمستويات انبعاث الكربون التي تتجاوز 600 مليون طن متري في السنة. ويعزز احتدام هذا الجدل اهتمام الدول الصناعية بالبحث عن وسائل بديلة لانتاج الطاقة تكون أكثر رأفة بالبيئة، بعدما أدت الخطط التنموية العشوائية التي تسارعت في النصف الثاني من القرن الماضي إلى إحداث خلل خطير في التوازنات المناخية، والتسبب بفيضانات وأعاصير مدمرة وارتفاع مستوى البحار، في حين ضرب الجفاف مساحات شاسعة من الأراضي المأهولة. وكانت خطط التنمية، حتى أكثرها رأفة بالبيئة، ركز طوال العقودالماضية على تطوير استخدامات الطاقة الكهرومائية، نظراً إلى أن العالم يستفيد من أقل من خمس الطاقة المتاحة من هذا النوع. ولم يتوسع هذا الاهتمام ليشمل استخدام الريح باعتبارها أحد أبرز المصادر المتجددة للطاقة النظيفة، إلا في السنوات الأخيرة نتيجة التقدم الذي حدث في استخدامات التكنولوجيا. ويضاعف السباق الذي بدأ من أجل تطوير مصادر الطاقة الرياحية بلوغ استخدامات الوقود الأحفوري درجة التشبع بعدما صار العالم أسير الانبعاثات الغازية الناجمة عنها، في ما بات يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري. الارتفاع الهائل المتوقع في حجم الطلب على الطاقة خلال القرن المقبل. وهو ما تفسره الخطط الطويلة الأمد التي وضعتها أوروبا والولاياتالمتحدة، في حين تعتبر الهند البلد النامي الوحيد الذي حقق تقدماً نسبياً في هذا المجال. وكانت العقود الخمسة الأخيرة شهدت ارتفاعاً مضطرداً في الطلب على الطاقة سببه الزيادة الديموغرافية وارتقاء مستويات المعيشة في البلدان الصناعية. وتقول الدراسات العلمية المتخصصة إن استهلاك العالم من الطاقة، ولا سيما الطاقة الكهربائية، سيتزايد في صورة متصاعدة خلال القرن الجاري، ليس فقط بسبب الضغط الديموغرافي، ولكن أيضاً بسبب تطور مستويات المعيشة في البلدان النامية التي سيبلغ عدد سكانها سبعة بلايين نسمة عام 2050 78 في المئة من سكان العالم. ويشير تقرير أعدته "وكالة اعلام الطاقة" الأميركية وحمل اسم "الرؤية الدولية للطاقة 2000" إلى أن استهلاك العالم للطاقة من مختلف المصادر سيزيد بمقدار 60 في المئة بين عامي 1997 و2020، وإلى أن الاستهلاك العالمي للطاقة سيتضاعف ثلاث مرات من الآن وحتى عام 2050. ويشكل استهلاك الطاقة الكهربائية نسبة رئيسية من حجم الطاقة المستهلكة. ويتوقع التقرير أن يرتفع استهلاك الكهرباء بمقدار 76 في المئة حتى عام 2020، من 12 ألف تريليون واط إلى 22 ألف تريليون واط. ويترافق ارتفاع استخدام الطاقة مع ارتفاع ديموغرافي حاد وتغير في أنماط السلوك الاستهلاكي. ومن المنتظر أن يرتفع عدد سكان العالم حتى منتصف القرن المقبل من ستة بلايين حالياً إلى تسعة بلايين نسمة. ويرتبط استخدام الطاقة للفرد الواحد عادة ارتباطاً وثيقاً مع مستوى معيشة السكان، والذي يعكس مدى الرفاهية المحققة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وتقول "الجمعية الدولية للطاقة الكهرومائية" وهي هيئة دولية غير حكومية مهتمة بتوعية الرأي العالم الدولي حول دور الطاقة الكهرومائية في التنمية المستدامة، إن معدل استهلاك الفرد السنوي من الطاقة الأولية في الدول الأقل نمواً في العالم والتي يبلغ عدد سكانها 2،2 بليون نسمة يقل 20 مرة عن مثيله في الدول الصناعية التي لا يتجاوز عدد سكانها 3،1 بليون نسمة، كما أن نسبة استهلاك الطاقة الكهربائية في الدول الأقل نمواً تقل 35 مرة عن مثيلتها في الدول الصناعية. وتثير الاستخدامات الأخرى لبقية أنواع الطاقة مثل الطاقات النبيلة والمتجددة كالطاقة النووية أو الرياح أو بدائل النفط من المحروقات الكيماوية والكحولية، وكذلك الامر مع الغازات المُولَّدة من الفحم الحجري جدلاً كبيراً في أوساط المشرفين على خطط التنمية واحتجاجات كثيرة لدى جمعيات الدفاع عن البيئة والأوساط الاكاديمية والعلمية المعنية. وتقول "الجمعية الدولية للطاقة الكهرومائية" إن الحل الأجدى يتمثل في تطوير حلول متقدمة تقنياً واقتصادياً وبيئياً لتوليد الطاقة الكهرومائية على نطاق أوسع، في شكل يتلاءم مع متطلبات التنمية المستدامة. وتعود فكرة بناء توربينات كهربائية تعمل بالريح الى أكثر من نصف قرن، ولكنها تطورت بسرعة منذ الصدمة النفطية عام 1973، سواء فوق اليابسة أو في عرض الشواطىء، بعيداً عن المراكز العمرانية والزراعية. وتبلغ قدرة توربينات الريح الموجودة فوق اليابسة 17 ألف ميغاواط. لكن انتاجها هنا يبقى قليلاً مقارنة بحجم الاستهلاك العالمي من الكهرباء والبالغ 12 تريليون واط. ويتقدم الاتحاد الأوروبي على غيره من الدول المهتمة بالبحث عن بدائل لانتاج الطاقة. ومع ذلك لا تزال صناعة انتاج الكهرباء الرياحية البحرية في مراحلها الأولى داخل بلدان الاتحاد حيث لا يتجاوز ما ينتج فيها من كهرباء هوائية 100 ميغاواط. وينوي الاتحاد الأوروبي الحصول عام 2010 على 12 في المئة من حاجته من الطاقة الكهربائية من مزارع الريح، مستغنياً بذلك عن انتاج الكهرباء من المصادر الأحجفورية بما فيها النفط والغاز واليورانيوم. وكان جرى التوقيع، مطلع الشهر الجاري، على مشروع لبناء أكبر مزرعة بحرية للريح في العالم في ايرلنداالجنوبية. واعتبر المشروع بمثابة تكريس لريادة أوروبا، وفاتحة مشاريع عملاقة ضخمة سيتم الشروع بها في الشهور المقبلة. وتحاول السلطات الأوروبية حث المستثمرين من القطاع الخاص على الدخول في هذا المجال، إذ تعتبر مزارع الريح أفضل استثمار اقتصادي ممكن، ذلك أن مزرعة الريح قادرة على استعادة أكلاف بنائها في مدى ثلاثة إلى خمسة شهور. وقال وزير الموارد البحرية والطبيعية الايرلندي فرنك فاهي الذي تولى التوقيع إن المشروع سيتيح توليد عشرة في المئة من حاجات بلاده من الطاقة. ويكلف المشروع 4،571 مليون دولار، ويتضمن بناء "مزرعة" تضم 200 توربينة عملاقة، تُغرس أوتادها فوق جرف رملي تبلغ مساحته 60 كليومتراً مربعاً جنوب دبلن، على أن يبدأ التنفيذ الربيع المقبل ويبدأ الانتاج نهاية السنة الجارية بمعدل 60 ميغاواط في المرحلة الأولى. وتبلغ قدرة المشروع 520 ميغاواط قادرة على تغطية حاجة 600 الف شخص، وتعادل هذه المزرعة ثلاثة أضعاف قدرات جميع مزارع الريح البحرية في العالم مجتمعة. إلا أن أهمية الحدث كانت في كونه كرّس انطلاق المشاريع العملاقة المماثلة التي ستنتهي بنصب أوتاد التوربينات الهوائية، على امتداد الشواطىء الأوروبية، وداخل مياه ضحلة لا يتجاوز عمقها 20 متراً فقط. وتعتبر ألمانيا الأنجح بين دول العالم في تجربة بناء التوربينات ومزارعها، وهي تعد حالياً لبناء مزرعة في بحر الشمال قدرتها 1200 ميغاواط، وكلفتها 850 مليون دولار، على أن تضم 100 توربينة عملاقة وتمتد فوق مساحة 200 كليومتر مربع. وستعادل قدرة المحطة التي ستكتمل عام 2005 أكبر محطات الفحم الحجري أو المحطات النووية التقليدية. كذلك تنوي ألمانيا، خلال الأعوام الأربعة المقبلة، بناء مزارع، في مناطق أخرى في بحر الشمال، بطاقة اجمالية قدرها ألف ميغاواط. وتحتل بريطانياالمرتبة الثانية أوروبياً، بعدما منحت تراخيص لبناء مزارع تبلغ طاقتها الاجمالية 1500 ميغاواط. ويبلغ عدد مزارع الريح في المملكة المتحدة حالياً 50 مزرعة تحوي ألف توربينة، وينتظر أن تتضاعف أعدادها عشرات المرات من الآن وحتى عام 2010، حينما ستكون مزارع الريح مكسؤولة عن توليد ستة في المئة من استهلاك البلاد من الطاقة. وتعتبر بريطانيا البلد الأكثر عرضة لهبوب الرياح في كامل أوروبا، ما يجعلها مالكة لأكبر مصادر انتاج كهرباء الرياح في القارة القديمة. وتتوقع الدراسات العلمية أن تكون مزارع الريح البحرية قادرة في المستقبل على انتاج ثلاثة أضعاف حاجة بريطانيا من الكهرباء،مؤمنة فائضاً هائلاً من الطاقة النظيفة يمكن تصديره الى الأسواق الخارجية داخل أوروبا وخارجها. ولحظت الخطط المقترحة والتي ناقشها تقرير حكومي مفصل أعدالعام الماضي بناء مزارع في عرض البحر، خلال السنوات المقبلة، كلفتها تسعة بلايين دولار. وأقرت دول الشمال الاسكندنافية الثلاث من جهتها مشاريع لاقامة مزارع في بحر الشمال تبلغ قدرتها ألفي ميغاواط. ويملك بحرا الشمال والبلطيق 90 في المئة من امكانات انتاج الكهرباء الرياحية في أوروبا، وهذا يعني أن أغلب المشاريع سيتركز فيهما. ويتوقع الاتحاد الأوروبي عام 2010 انتاج خمسة آلاف ميغاواط من كهرباء الريح البحرية، و55 ألفاً من كهرباء الريح البرية. وعام 2020 سترتفع النسبة إلى 50 ألف ميغاواط من المزارع البحرية و100 ألف من المزارع البرية. وسيكون التغير ملفتاً حتماً، لأن الأبراج والتوربينات العالية ستكون منظراً بشعاً يشوه شواطىء وأراضي أوروبا إلى الأبد. أما الولاياتالمتحدة التي تستخدم الفحم الحجري لانتاج 52 في المئة في انتاجها فهي مهتمة بمزارع الريح براً وبحراً، لكنها عاجزة عن اللحاق بأوروبا. وكانت الحكومة الأميركية أقرت عام 1999 خطة أطلق عليها "المبادرة الأميركية لانتاج الطاقة بقوة الرياح"، وتضمنت ثلاثة أهداف رذيسية، بدعم القاطعين الحومي والحاص. وتنص هذه الأهداف، التي تبقى أقل طموحاً من خطط الاتحاد الأوروبي، الاعتماد على كهرباء الريح من أجل تغطية خمسة في المئة من استهلاك الطاقة في الولاياتالمتحدة عام 2020، من بينها خمسة آلاف ميغاواط يكتمل انجازها عام 2005، وعشرة آلاف أخرى عام 2010. كما نصت على مضاعفة عدد الولايات التي تنتج أكثر من 20 ميغاواط من كهرباء الريح مرتين إلى 16 ولاية عام 2005 وإلى 24 ولاية عام 2010. أما الهدف الثالث فنص على أن تصل نسبة استخدام الحكومة الفيديرالية للكهرباء الرياحية إلى خمسة في المئة من اجمالي استهلاكها عام 2010.