ظهر مجدداً شبح الهزائم المذلّة لاساطير الملاكمة بعدما فشل المخضرم الاميركي ايفاندر هوليفيلد في هزم مواطنه كريس بيرد وانتزاع لقب بطل العالم الشاغر في الوزن الثقيل بحسب تصنيف الاتحاد الدولي في مباراة من 12 جولة اقيمت في مدينة اتلانتيك سيتي الاميركية، وانضم بالتالي الى لائحة طويلة من ابطال الفن النبيل خضعت لغريزة القتال الفطرية على حساب منطق السحر المفقود بسبب التقدم في السن. بدا وضع الاميركي ايفاندر هوليفيلد مأسوياً في المباراة التي خاضها امام مواطنه كريس بيرد على لقب بطل العالم الشاغر في الوزن الثقيل بحسب تصنيف الاتحاد الدولي، وخسر باجماع القضاة الثلاثة الذين منحوا بيرد 117-111 و117-111 و116-112 امام 8500 متفرج تقدمهم البريطاني لينوكس لويس بطل المجلس العالمي، الذي آثر التخلي عن لقب الاتحاد الدولي على مواجهة بيرد. ومُني هوليفيلد 40 عاماً، حامل اللقب الموحد للوزن الثقيل سابقاً، بخسارته السادسة في مقابل 38 فوزاً وتعادلين، وقال: "كنت غير قادر على الاقتراب من بيرد لاركز في توجيه لكماتي، كما انني اصبت في كتفي ولم اقوَ على توجيه اللكمات بيدي اليسرى". يذكر ان الاحصاءات كشفت تسديد بيرد 747 لكمة الى هوليفيلد واصابه في 252 منها، في حين وجّه هوليفيلد 344 لكمة الى مواطنه واصابه في 102 منها. وهكذا وقع هوليفيلد ضحية شهوة القتال "القاتلة" التي لم تنصف اسطورته امام ملاكم مغمور اراد ان يبرهن للعالم بأنه قادر على تبادل اللكمات مع ابطال العالم كما جاء على لسانه بعد المباراة، واذهله عدم اصابة هوليفيلد اياه بلكمات قوية لم تتسبب باوجاع كبيرة له. ولعل هذا المصير المشؤوم لم ينصف اي اسطورة سابقة، واهمها بالتأكيد الاميركي "الاعظم" محمد علي كلاي، الذي توجب اعتزاله بعد الانتصار "المفجع" الذي حققه على جو فرايزر في تشرين الاول اكتوبر 1975 في العاصمة الفيليبينية مانيلا، باعتبار انه اعترف بأنه كاد يلاقي فيه حتفه. وشوهت المباريات التالية التي خاضها كلاي صورة عظمته على الحلبة في شكل كبير، وخسر اللقب امام ليون سبينكس، ثم انهار في شكل كامل في محاولتين فاشلتين للعودة الاولى امام لاري هولمز والثانية امام المغمور تريفور بيربيك الذي اوجد الحزن الكبير لدى انصار كلاي بتحويله الى "كيسٍ" للتمرين في سن ال39 في المباراة التي جمعت بينهما في عام 1981. وبالانتقال الى اسطورة جورج فورمان فشهدت الانقلاب الجذري من صورة الجزار المقترن بملامحه القاسية، التي كادت تزعزع ثقة كلاي بقدراته عام 1973 في "ادغال" زائيرالكونغو الديموقراطية حالياً التي احتضنت المباراة التي جمعت بينهما، الى صورة الحمل الوديع التي لم يعكسها قيامه بمهمة مبشر كنسي بعد اعتزاله عقب خسارته امام جيمي يونغ عام 1977، بل بعودته في سن ال39 لتحقيق مكاسب اضافية لرسالته الدينية، حيث كسب 24 مباراة متتالية امام اخصام ذوي مستوى متدنٍ عجز لم يهزم الا واحداً منهم بالضربة الفنية القاضية. واذ منحت سلسلة الانتصارات الاخيرة فورمان حق مواجهة هوليفيلد على اللقب العالمي عام 1991 فانه خسر بسهولة على غرار مباراته التالية امام طومي موريسون، لكن من دون ان يدفعه ذلك الى الاعتزال. وبدا خياره صحيحاً حين حالفه الحظ في سن ال46 في الجمع بين لقبي الاتحاد العالمي للملاكمة والجمعية العالمية للملاكمة بعدما هزم مايكل مورر في تشرين الثاني نوفمبر 1994، ما كرس وقتها الوضع المذري لرياضة الفن النبيل في ظل ابتعاد مايك تايسون عن الحلبات بسبب تنفيذه عقوبة السجن. اما اسطورة لاري هولمز، الذي صنفه كثيرون الخليفة الفعلي لكلاي في الحلبات، فعرفت عودته بعد اعتزاله في سن ال37 في ظل غضب عارم واكب خسارته امام مايكل سبينكس، الاخفاق الكامل، وسقط من دون اي مقاومة امام النجم الصاعد مايك تايسون في كانون الثاني يناير 1988، ثم عاد بعد ثلاثة اعوام في سن ال42، واثار السخرية الكاملة لدى مواجهته هوليفيلد، وكذلك في عام 1995 حين عجز عن انتزاع لقب المنظمة العالمية للملاكمة من اوليفر ماكول، قبل ان يختتم مسيرته في سن الخمسين بمحاولة جديدة فاشلة بالتأكيد.