نيويورك - رويترز - ماراثون الأسابيع الثمانية التي مضاها البيت الأبيض في التفاوض مع مجلس الأمن على قرار لتعزيز صلاحيات المفتشين قبل عودتهم الى العراق، يوضح كيف ان الأممالمتحدة والقوة العظمى الوحيدة في العالم ملتزمتان علاقة لا ترغبان فيها، لكنهما لا تستطيعان العيش من دونها. ادوارد لوك مدير مركز التنظيم الدولي في جامعة كولومبيا في نيويورك اعتبر ان "الأممالمتحدة من حقائق الحياة. صمدت أمام ادارات ديموقراطية واخرى جمهورية، وحروب وركود وارهاب وغيرها". وقال امام ندوة عقدت أخيراً عن العلاقات بين الولاياتالمتحدة والمنظمة الدولية ان "المسألة لا تتعلق بما اذا كانت الاممالمتحدة منظمة جيدة أو سيئة، أو هل على الولاياتالمتحدة ان تنتسب اليها أم لا، فليس هناك خيار حقيقي". وكان الرئيس جورج بوش مدركاً ان استطلاعات الرأي العام، تظهر احتمال تلاشي التأييد للحرب اذا كان على الولاياتالمتحدة ان تحارب من دون حلفاء أو من دون موافقة الاممالمتحدة. وأظهر استطلاع للرأي اجراه معهد "غالوب" في ايلول سبتمبر الماضي ان 60 في المئة من الاميركيين يعارضون غزواً منفرداً للعراق، بينما يؤيد 83 في المئة عملية متعددة الأطراف. ووجد استطلاع للرأي اجرته مجلة "نيوزويك" أواخر ايلول سبتمبر ان 84 في المئة من الاميركيين يعتقدون ان من المهم نيل بوش موافقة الأممالمتحدة على عمل عسكري، فيما يرى 59 في المئة ان هذه الموافقة "مهمة جداً". وفي كلمته امام الجمعية العامة في ايلول، قال بوش ان المنظمة الدولية تواجه خياراً واضحاً: "إما ان تكون قادرة على ان تعمل كهيئة لحفظ السلام مع دخولنا القرن الواحد والعشرين، وإما أنها ستصبح غير ذات صفة... هذه هي الفرصة امامها كي تظهر مقداراً من العزيمة والتصميم، بينما نواجه التحديات الحقيقية" لهذا القرن. ولكن في التفاوض على صوغ قرار حاسم في شأن العراق، ارغمت فرنسا وروسيا الولاياتالمتحدة على التوصل الى "حل وسط". ولاحظ ديفيد مالون رئيس أكاديمية السلام الدولي وهي مركز بحوث في نيويورك ان الادارة الاميركية "اكتشفت انها في حاجة الى رفقة معها في العراق... استهواها اغراء العمل المنفرد ثم ابتعدت عنه". ورأى ستيف كول من برنامج توجهات السياسة الدولية الذي يدرس توجهات الرأي العام في القضايا الدولية، ان بوش "تعلم قراءة الرأي العام الاميركي. ربما يجد كثيرون في الإدارة ان هذا متعب لكنهم يشعرون بأن عليهم مواصلة الزواج من أجل الأطفال، والأطفال هنا هم الجمهور الاميركي". وضغطت الولاياتالمتحدة على مجلس الأمن كي يتبنى امس قراراً متشدداً وصفته بأنه "الفرصة الأخيرة" للعراق لنزع سلاحه، وإلا واجه حرباً. والموقف الاميركي المتناقض تجاه الاممالمتحدة والعلاقات الدولية، له جذور عميقة. فعدم ثقة الاميركي في الآخرين بلغ ذروة في فترة ما بين الحربين العالميتين، عندما اتبعت الولاياتالمتحدة سياسة خارجية انعزالية ورفضت الانضمام الى عصبة الأمم. وفي عهد أقرب، أواخر التسعينات، بدأ الخوف يتراكم لدى بعض المحافظين اليمينيين من ان الأممالمتحدة تتآمر لبناء حكومة ظل عالمية، ستدمر الحريات الاميركية. وكثيراً ما نال مرشحو الحزب الجمهوري استحساناً عندما نددوا بفكرة ارتداء الجنود الاميركيين القبعات الزرق الخاصة بالاممالمتحدة، والتزامهم أوامر من غير اميركيين. واشار دون كروز، من حملة اصلاح الأممالمتحدة الى "عدم وجود تأييد للتدخل المتعدد الأطراف، وذلك في قواعد الحزب الجمهوري خصوصاً، فإدارة بوش تعمل مع الأممالمتحدة عندما تشعر بأن عليها ان تفعل ذلك، وعندما تشعر بأنها تستطيع تجاهل الهيئات الدولية من دون ان تتحمل العواقب، تتجاهلها". هذا الرأي تدعمه قائمة طويلة من الاتفاقات الدولية التي ترفض الولاياتالمتحدة المصادقة عليها، وبينها اتفاق كيوتو للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، واتفاق المحكمة الجنائية الدولية وصندوق الاممالمتحدة للسكان واتفاق دولي لإزالة الألغام البرية المضادة للأفراد.