يعتبر عامل الردع حجر الأساس لمفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، اي الأمن بشقيه الاستراتيجي والمرحلي وبمستوييه الداخلي والخارجي، حيث يتعلق الأول بأمن قيام اسرائيل بدورها الوظيفي العدواني في محيطها الإقليمي، فيما يتعلق الثاني بأمن رقعة الاستيطان الصهيوني، اي امن سيطرة اسرائيل على الرقعة الجغرافية التي تقيم فيها، بما يتيح استمرار اوجه النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها. ويأتي عامل الردع ليكبح ويعيق بل يجمد اية نيّة عربية للمس بأمن اسرائيل سواء من طريق شن حرب بأسلحة تقليدية او غير تقليدية ضد اسرائيل. ويستند مفهوم الردع بالضرورة الى قوة اسرائيل العسكرية التقليدية وغير التقليدية من جهة وإلى الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل، المعبّر عنه في العلاقة الخاصة والمميزة بين واشنطن وتل ابيب التي اثمرت اتفاقاً للتعاون الاستراتيجي بينهما فضلاً عن اشراك اسرائيل في البرامج العسكرية الاستراتيجية الأميركية مثل: حرب النجوم والدرع الصاروخي وغيرها. وعلى حرير مفهوم الردع اعتقد الإسرائيليون ان العرب ومن ضمنهم الفلسطينيين اقلعوا عن فكرة خوض حرب ضد اسرائيل، وبالتالي فمسار تسوية الصراع وإرغام العرب والفلسطينيين على تقديم تنازلات والرضوخ للشروط والإملاءات الإسرائيلية سيكون مساراً سهلاً وهذا ما بدا صحيحاً نسبياً في اعقاب زيارة الرئيس المصري انور السادات الى القدس وما تلا من اتفاقات، اضافة الى مسارعة بعض البلدان العربية البعيدة والقريبة من ساحة الصراع الرئيسة الى تطبيع علاقاتها مع اسرائيل بأشكال متعددة مباشرة وغير مباشرة سياسية او تجارية. لكن المراقب للمسار العام للصراع العربي - الصهيوني يجد انه طوال 54 عاماً من وجود اسرائيل لم تردع اسرائيل قط اية منظمة فلسطينية عن محاولة المس بأمن اسرائيل بأي شكل من الأشكال. كما لم تردع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر عن اغلاق مضائق تيران في ايار مايو 1967 او عن خوض حرب استنزاف ضد اسرائيل عام 1967، او عن خوض حرب تشرين الأول اكتوبر 1973. وأخفق مفهوم الردع وفشل فشلاً ذريعاً في النموذج اللبناني للمقاومة حيث ان كاتيوشا المقاومة لم تردعها القوة الإسرائيلية في عمليتي "عناقيد الغضب" و"تصفية الحساب" بل اضطرت اسرائيل للتوقيع على "تفاهم نيسان" بداية والانسحاب من جنوبلبنان لاحقاً وصولاً الى الركون الى سياسة "ضبط النفس" التي أُرغمت عليها على خلفية قضية استثمار لبنان لمياه نهر الوزاني، على رغم اعتبارها الخطوة اللبنانية خطوة استفزازية لن تمر عليها مرور الكرام. وعلاوة على ان الردع الإسرائيلي فشل في منع نحو 39 صاروخاً عراقياً من طراز "سكود" من الانطلاق وإصابة اهدافها في اسرائيل فإن فشل ومحدودية الردع الإسرائيلي كانا ذريعة خلال العامين المنصرمين من عمر الانتفاضة الفلسطينية التي شملت فعالياتها الانتفاضية اشكالاً مختلفة من المقاومة انطلاقاً من قذف الحجارة مروراً بالتظاهرات والاشتباكات المسلحة وصولاً الى العمليات العسكرية والاستشهادية داخل اماكن استراتيجية في اسرائيل او داخل ما يسمى ب"الخط الأخضر"، اضافة الى اغتيال وزير اسرائيلي من طراز رحبعام زئيفي بما يمثله من افكار وأجنحة يمينية ومتطرفة وفاشية. وقد دفعت محدودية او فشل مفهوم الردع الإسرائيلي بروفسوراً اسرائيلياً يدعى غابي شيغر ليكتب مقالاً في صحيفة "هآرتس" في 26/12/2000 يحدد فيه انه لم يكن لدى اسرائيل قط ردع وأن امتلاكها ترسانة كبيرة من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية جعلها مثل الكلب القوي الذي لا ينبح. وذلك لأن السلاح النووي الإسرائيلي هو "قنبلة في الدرج" او "سلاح شمشون"، وإذا تم استخدامه فإن الجانب العربي سيكون متأثراً به بشكل محدود، اي انه سيكون في منزلة "العنقاء" بينما ستكون اسرائيل بعد استخدامها السلاح النووي في منزلة "العقرب" اي الموت والاندثار. وقد أثار مقال شيفر جدلاً في الأوساط الإسرائيلية وعمل الدكتور اوري باريوسف المحاضر في دائرة العلاقات الدولية في جامعة حيفا على دحض ما كتبه شيفر من خلال الإقرار بوجود بعض الإخفاقات في عملية الردع من جهة، والتأكيد من جهة ثانية على ان ميزان القوى العسكري لعب دوراً محدوداً في الأوضاع التي اخفق فيها الردع الإسرائيلي وبخاصة التقليدي، وأن تلك الإخفاقات حدثت عندما تحول الوضع الراهن الى امر لا يحتمل بالنسبة الى متخذي القرارات العرب وعندما اصبح من الواضح لهم انه لن يكون في وسعهم ان يغيروها بوسائل سياسية. وخلص بار يوسف ايضاً الى انه كي لا تضطر إسرائيل الى الخروج الى حرب عليها بالطبع ان تحافظ على قوتها وأن تنمي لدى الدول العربية صورتها الرادعة. وعليها ايضاً ان تخلق وضعاً راهناً جديداً يكون مرضياً ليس لها فقط بل لخصومها ايضاً، وأن يرتكز ذلك الى مجموعة "خطوط حمراء" تكون الولاياتالمتحدة ضامنة لها، يمكن سحبها على حدود العام 1967 للوصول الى اتفاقات ت سوية جديدة مع سورية ولبنان والفلسطينيين تضمن امن اسرائيل اكثر من كل المستوطنات القائمة وفي مقدمها مستوطنات غور الأردن. وبوضع مسار الصراع بارومتراً لاختبار مفهوم الردع الإسرائيلي نجد ان الإخفاقات المحدودة لهذا المفهوم لم تفض الى جعل اسرائيل في منزلة "بيت العنكبوت" في الشرق الأوسط. ويعود ذلك الى ان متخذي القرارات العرب والفلسطينيين اعتبروا السلام استناداً الى موازين القوى العسكرية والقرارات الدولية خيارهم الاستراتيجي في القمم العربية المتعاقبة بدءاً بقمة فاس الثانية في 1982 مروراً بقمتي القاهرة في 1996 و2000 وقمة عمان في 2001 وصولاً الى قمة بيروت في 2002. وهذا يعني اسقاط الخيار العسكري فضلاً عن عدم ترحيبهم بامتلاكهم او بحيازة اية دولة عربية لقدرات نووية ذات شأن في مواجهة الترسانة النووية الإسرائيلية، بل تفضيلهم الاكتفاء بالدعوات الخجولة الى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل، معتقدين بأن اسرائيل ستقدم طوعاً او قسراً جراء ضغوط دولية وأميركية - لا تتوافر اية مؤشرات عليها - على التخلي عن تفوقها العسكري النوعي على الدول العربية مجتمعة. وبطبيعة الحال فاعتقاد عربي كهذا يتساوى مع الاعتقاد بأن الردع الإسرائيلي مجرد خرافة.